في ظل التردي المتزايد للمردود المادي للمواطن الجزائري خاصة مع بداية رمضان والدخول الاجتماعي، دفع العديد منهم إلى العيش تحت ظل مبدأ سياسة التقشف في المصاريف اليومية والعملية الشرائية، خاصة في ظل تدفقات السلع والبضائع ومن مختلف بلدان العالم، وتعد الملابس إحدى تلك السلع، حيث تشهد أسواقنا انواعا عديدة منها ولكن بأسعار ارتفعت عن المعتاد في شهر الصيام تحسبا من التجار للعيد، ما دفع المواطنين لإيجاد البدائل. سوق الملابس القديمة "البالا" وبسبب غلاء أسعار الملابس الجديدة وضعف في القدرة الشرائية للمواطن البسيط، كان هو السبيل الذي اعتمدته الكثير من العوائل، فاقتناء ملابس البالة بالنسبة لهم مخرج لهم ولأولادهم، فتجار الملابس الجديدة والأحذية الجديدة لم يتوانو هم الآخرون في ابتزاز المواطنين حيث كان الضحية الأول والأخير هم البسطاء والأسر الفقيرة على وجه العموم التي أنهكت من جراء المواسم المتتابعة والمتتالية خاصة هذه السنة، حيث لاحظت "الأمّة العربية" في خرجتها قبيل رمضان إلى عدد من محلات وحتى طاولات تجارة الملابس القديمة "البالا" أنها تشهد إقبالا ملفتا ورواجا واسعا حيث، وفي هذه الجولة التي قمنا بها استطعنا تسجيل بعض الآراء حول عودة تلك التجارة في وقت اعتاد الجزائريون على التوجه إلى المراكز التجارية ومحلات الملابس والأحذية الجديدة في سنوات سابقة. "أحمد" رب أسرة والذي يتقاضى راتبا لا يزيد على 12000 دينار شهريا، يرى في أسواق البالة، التي يرتادها باستمرار، مهربا من غلاء السوق في شهر رمضان التي استنزفت جيوبه وفرصة لانتقاء ملابس يعتبرها أصلية و"ماركة مسجلة" غير موجودة في محالات أخرى، غير أنه أكد لنا أن أسعار الملابس المستعملة في الأسواق والمحلات وحتى "الدلالات" باتت تشهد ارتفاعات، كما أصبح تجار "البالة" أكثر تشددا في معاملتهم مع الزبائن وفرضهم أسعارا قد لا تناسب الزبائن في كثير من الأحيان. التهافت والتدافع حتى على الشيفون.. جولتنا أكدت لنا أن شراء الملابس لم يقتصر على الطبقات الفقيرة وذوو الدخل المحدود، فكل الطبقات فى الجزائر ومن جميع الأحياء الراقية والشعبية تتردد على هذه "البالا" في بومعطي، حيث إن كثيرا من الزبائن من الموظفين، وحاملي المؤهلات العليا، وطالبات وطلبة الجامعات، هذا ما أكده لنا خالد ورفاقه، كما أكده لنا في أماكن أخرى العديد من أصحاب المحال المختصة في بيع "البالا". حديثنا مع أحد أصحاب هذه الطاولات المختصة في بيع "الشيفون" ببومعطي وجلوسنا معه لدقائق كشف لنا عن الاكتظاظ الكبير للزبائن وبخاصة النساء عليها إقبالا بلغ حد التدافع الذي لا يخلو من شجار فلرمضان تأثيره عليهن بحسب مايقوله الباعة "يغلبهم رمضان حتى على الشيفون"، كما أن ما أجج هذا الاكتظاظ هو وصول السلعة الجديدة وفتح "بالا" جديدة، حيث أكد لنا "خالد" أن هذه الأيام الأخيرة من رمضان تعرف فيها طاولات الشيفون ببومعطي إقبالا ملحوظا بسبب وصول السلعة الجديدة ومحاولة المواطنين اقتنائها، فكثيرا ما يجدون فيها ملابس جديدة وغير مستعملة أصلا، بأسعار معقولة في نظرهم، الأمر الذي يعتبر فرصة للعديد من المواطنين وليس "الزوالي" فقط، وأضاف وحتى إن كانت قديمة فهي أحسن من الصينية التي غلت أثمانها كثيرا في رمضان حتى هي لم يعد بمقدور المواطن البسيط شراءها مجددا لأبنائه وإن كانت جديدة، فالعديد من الجزائريين خرجوا مدينين من شهر رمضان بسبب غلاء الأسعار وبسبب شرائهم لملابس جديدة لأبنائهم بغية الدخول المدرسي، ناهيك عما ينتظرهم من لوازم مدرسية وملابس لفصل الشتاء فكل ما يريده الأولياء الآن ملابس جديدة من "البالا" لكي يلبسها أبناءهم ليوم العيد. أسعارها بلغت حد 1800 دينار السيد راضية والتي كانت تبحث وسط أكوام "البالا الجديدة" في المكان علها تعثر على شيء يعجبها والتي قالت لنا أن في "الشيفون بإمكاننا أن نجد الجديد وما يفيد ولكن مع نهاية شهر رمضان أضحى الباعة أيضا يمارسون ابتزازهم للمواطن أيضا بزيادة في أسعارها بنسبة معينة" صاحب إحدى الطاولات أكد لنا في طرح هذا الاستفسار عليه أن تجار البالا ككل التجار يتحملون الربح والخسارة في هذه التجارة ف "البالا" يستلمونها مقفولة ولا يعرفون ما فيها كالقمار قد يكون صالحا للبيع كله وفيه الجديد أو كله لا يعجب الزبائن وغير صالح لهم، قد تكون سلعة يجدون ملابسها مغرية تجد الإقبال المطلوب وأحيانا لاشيء فيها يجلب الزبون، أما الأسعار فقد تأكدنا بأنها بالفعل ليست هينة، بل أن بعضها يتجاوز سعر الجديد والسبب حسب ذات المصدر هو أنها جديدة وهي إما من إيطاليا أو فرنسا أوغيرها، لكن المهم أنها أصلية. فالأحذية الرياضية مثلا وجدنا بعضها ب 1600دج وهو نفس سعر الجديد منها وتجاوز سعر سراويل الجينز الشبابية ال1200دج، أما الأقمصة والتبن فقد يصل حد 800 دينا رحتى وبعضه يتجاوز ال 1800 دينار إذا كان أصليا أو "حر" كما قال البائع. إذا كانت مضرة فلماذا يسمح باستيرادها؟ ولما أكدنا له بأنها ملابس مستعملة وقد تكون مضرة بصاحبها قال لنا إذا كانت مضرة فهي مستوردة بطرق قانونية فليمنعوها إذا كانت كذلك، وأضاف وما أنا متأكد منه أنها قد لا تقل ضررا عن الملابس الصينية التي غزت الأسواق. إن رواج هذه التجارة في الجزائر دفعنا للتأكد من أن واقع الجزائريين أصبح يدفع العديدين للتنازل عن أمور كانت ضرورية لا غنى عنها، أما الآن فهي ملاذهم الأخير والأوحد في ظل ضعف القدرة الشرائية وتكالب التجار والمضاربين على مدخوله البسيط ما دفعه في كثير الأحيان للاستدانة بقصد مسايرة أوضاعه الاجتماعية التي تبدو مزرية في كثير الأحيان وسط سكوت من المعنيين في كل مكان وعلى جميع المستويات.