في بداية غزوته على اراضي الجزائر، كان المستوطنون الاروبيون يعتقدون بان الجزائريين لا ارادة لهم في مقاومة وجودهم، حيث ارسلوا عدة بعثات استطلاعية لاستطان الصحراء والتي لم يتمكن من بسط نفوذه عليها الا بعد مرور نحو 100 سنة على وجوده على ارض المحورسة. اراضي صحراوية كانت مسرحا لمقاومات تاريخية، على شاكلة معرك خالد ابن الوليد وحمزة وعمر ابن خطاب، هؤلاء الخلفاء الراشدين كانوا احسن قدوة للجزائريين في الجهاد وكسب الشهادة التي قدمها ثوار المحروسة في ملحمة معركة زعاطشة. إستولى الفرنسيون على بلاد الزيبان إسميا في أوائل سنة 1844 بعدما إنحسر عنها سلطان الأمير عبد القادر وأستسلم أحمد باي، وهو من آواخر الحكام الأتراك ولم يتمكن الغزاة الفرنسيون من دخول بسكرة التى تعتبر النقطة العسكرية الأكثر توغلا في الصحراء إلا بعد احتلال باتنة في شهر جويلية من عام 1844، حيث منذ المرحلة الأولى من الاحتلال أسندت القيادة العسكرية في هذه النقطة لضابط يدعى سان جرمان الدي كان يعمل بحماس لتثبيت قواعد الإدارة الاستعمارية في المنطقة، الا ان عائق المقاومة كان احد اهم الصعوبات الكبيرة التي منعت توسع المسطوطنين الجدد الذين كانوا محل كراهية من طرف السكان. كانت أخبار الإنقلاب الذي اطاح بعرش الملك لويس فيليب وإعلان النظام الجمهوري في فرنسا، مثارا لآمال عريضة في مختلف طبقات الشعب الجزائري كمنطقة قسنطينة. حركات ثورية انطلقت مباشرة بعد سقوط الملك الفرنسي في مختلف المناطق الجزائرية، كبني سليمان ببجاية والقل، مما أضطر القيادة العليا للاستيطان في قسنطينة إلى توجيه أهم قواتها لإخمادها. أخبار هذه الثورات إنتشرت كالنار على مستوى باقي مناطق الجزائر، حيث وصلت خبر انقلاب نظام الحكم في فرنسا الاستعمارية إلى منطقة الميزاب عن طريق البسكريين العاملين في مدينة الجزائر، الذين أخبروا مواطنيهم بما شاهدوه من مظاهر البهجة والإحتفالات التي رافقت إعلان النظام الجمهوري، مما جعل الكثير من الجزائريين يستنتجون وهم الذين لم يشاهدوا من قوة فرنسا وعظمتها سوى شرذمة يائسة. وبما ان الثورة في فرنسا قد إنتهت بالقضاء على النظام الملكي في هذا البلد، فلما لا يقوم الجزائريون بثورة على هذه الشرذة ويخصلوا بلادهم من قبضة هؤلاء الغزاة. هذا هو المنطق الذي اهتدت اليه النخبة الجزائرية التي حضّرت لمقاومة الغزاة. ثورة الشيخ بوزيان مندوب الأمير بواد ميزاب الثوار قضوا على قائد الناحية العسكرية الفرنسي سان جرمان الشيخ بوزيان الذي كان مندوب الأمير عبد القادر على منطقة الميزاب الظهري، كان قد اعلن الثورة على المستوطنين الجدد ومن هناك إنتشرت إلى مناطق أخرى في الزيبان، حيث كانت بواعث هذه الثورة تختلف فيها العوامل السياسية والدينية والإقتصاية، وفي مقدمة هذه العوامل زيادة الضريبة المفروضة على ملاك النخيل بنسبة 15٪ لتصبح 45 ٪ بدلا من 30٪ من مداخل النمور. وفي نفس الوقت، فرضت الإدارة تعميم الضريبة على جميع الأملاك، بما فيهم الكراغلة والأتراك وشيوخ الدين والمرابطين الذين كانت الإدارة التركية تعفيهم منها. كان الشيخ أبو زيان وطنيا وعالما دينيا مسموع الكملة يمثل سلطة الأمير، كان يراقب تطورات الأحداث وينتظر الفرصة الملائمة لاستئناف العمل الثوري في الزيبان. ولما علم بأخبار ثورة جبال القل وبني سليمان في منطقة بجاية، إقتنع بأن ساعة الخلاص قد أذنت. وبعد وقوع عدد من المعارك في منتصف شهر ماي من عام 1844 هنا وهناك بين الثوار الجزائريين والفرنسيين المستعمرين، قتل فيها عدد مهم من جيشهم وفي مقدمتهم قائد الناحية العسكرية، الرائد سان جرمان. في هذا الاطار، استقطبت قرية الزعاطشة الثورة وأصبحت مركز الثقل لها وقلبها النابض، وعلى هذا الأساس أصدر الوالي العام لادارة الاستعمار أمرا إلى القائد قوات المستعمر بولاية قسنطينة بأن يتخذ الإجراءات الضرورية ويسير بنفسه لقمع ثورة الزعاطشة. إنتظرت القيادة العليا في قسنطينة حتى ينتهى فصل الصيف حتى لا تتعرض قواتهم ليقظ الصحراء، حيث إستغلت هذه الفترة لجمع قوات أخرى بتخفيض حاميات قسنطينة وسكيكدة، بالإضافة إلى التعزيزات بكتيبة من القناصة، وقد بلغ عدد القوات المتجمعة من كل ذلك 3306 جنديا وضابطا. هذا الجيش تلقى فيما بعد تعزيزات من باتنةوبسكرة وسور الغزلان، التحقت به الكتيبة العاملة في بوسعادة بقيادة الكلونيل برال الذي كان من أبطال الجيش الذي مزقه الأمير عبد القادر في معركة سيدي إبراهيم. مراحل غزو جيوش المستوطن الفرنسي على قرية الزعاطشة سار الجنرال هربيون على رأس الجيش من قسنطينة في اتجاه باتنة التي وصل إليها يوم 28 سبتمبر، وهناك إنضمت إلى جيشه قوات معتبرة من أقوام القيادة والشيوخ، وعلى رأسهم بن قانة المدعو شيخ العرب. وفي 04 أكتوبر وصل الجيش الغازي إلى بسكرة، وهناك نصب خيامه تحت أشجار النخيل، على مرأى من الواحات الثائرة، وهناك وصل إليه شيوخ الميزاب القبلي والميزاب الشرقي ليعلنوا استسلام تلك المناطق تحت التهديد بالتخريب والتدمير بعد ان أعطيت إجازة يومين للجيش الغازي إستأنف مسيرته يوم 06 من نفس الشهر، مصطحبا معه جزءا مهما من فيلق اللفيفي الأجنبي بقيادة العقيد كربوسيا. كان مجموع قوات التى وصلت إلى كدية المائدة المقابلة لقرية الزعاطشة، في 07 أكتوبر، على الساعة الثامنة صباحا، 4493 جنديا وضباطا، وبذلك إرتفع عدد الوقات الأصلية التي خصصت للحملة بنحو ألف رجل. تقع كدية المائدة، وهي الموقع الذي ضرب فيه أحمد باي معسكره عند حصاره للزعاطشة في سنة 1831 في مقابل واحة ليشانة وقرية الزعاطشة، والموقع تغطيه الرمال ويسيطر على المنطقة كلها على مد البصر والكدية تقع على مسافة نصف كيلومتر من زاوية تعلوها مئذنة مرتفعة نسبيا. وعلى مسافة نحو كيلومترين، تقع عين ثرة إستولت عليها تشكيلات من القناصة منذ البداية لتأمين حاجات الجيش الاستعماري من الماء لتأمين معسكر الجيش الغازي. كانت المسافات التي تفصل بين واحات بوشقرون وليشانة والزعاطشة وفرفار وطولقة، واسعة وتمتد على مد البصر كأنها نموذج للصحراء الكبرى. وكان هذا الإمتداد برماله السائل ورياحه المعولة بين غصون النخيل، أورا خليقة بأن تثير شعور القلق والخوف في نفوس الفرنسيين الغزاة الذين لا يعرف الكثير منهم الصحراء إلا بما قرأوه في الكتب. هذه الفلاة في نظر قيادة الجيش، شكّل خطرا جديا من حيث أنه تمكن سكان المناطق المجاورة من التسلل عبرها. تلقى المحاصرون عن طريقها التعزيزات بالرجال والمواد الغذائية، وبذلك يصبح الحصار إجراء ل امعنى له. وقد كان من المعترف به في القيادة الاستعمارية أنه من المستحيل ضرب نطاق الحصار الشامل على الواحات الخمسة، بل ولا يمكن حتى محاصرة الواحة التي تقع فيها ليشانة والزعاطشة والتي يبلغ قطرها 12 كيلومترا، لانه لا يمكن أن تحتل جبهة بهذا الطول دون أن تحدث ثغرات خطيرة في صفوفها، في الوقت الذي يجب أن تكون هذه القوة كتلة كثيفة متراصة لضمان فعاليتها في الدفاع والهجوم. ترتيبات الحصار قدم العقيد قائد سلاح المهندسين في جيش الاستعماري إقتراحا يقضي بحفر ثلاثة خنادق، تكون مستودعات ونقاطا للتجمع ينطلق منها الهجوم من ثلاث زوايا: يكون أحد الهجومات على ليشانة والثاني على الزواية المذكورة، والثالث على فرفار والزعاطشة، هذا المشروع إعترفت قيادة الحصار بأن من شانه أن يضمن نجاحا سريعا للعمليات الا انها رأت أنه غير قابل للتنفيذ، بسبب صغر حجم الجيش. فإن تم تقسيم الجيش بهذه الصورة وأن يجعل جميع نقاط الهجوم ضعيفة ويسعل كل مجهود جدي للثور الجزائريين لإقتحامها متى ركزوا هجماتهم على واحدة منها وسيشعر الثوار بقوتهم وبحماس أكبر، متى وجدوا أنفسهم أمام خندق يحميه عدد يستصغرونه. ولهذه الإعتبارات، أهمل المشروع وقرر قائد الجيش إنشاء مركز واحد للهجوم يكون موقعه في الزاوية وذلك مراعاة للإعتبارات التالية: من الصعب المحافظة على مركز للهجوم يقع بين ليشانة وقرية الزعاطشة، لإن الجيش في هذه الحالة سيواجه الثوار من الأمام ومن اخلف، ومن وسط بساتين النخيل. إقامة مركز للهجوم بين الزعاطشة وفرفار غير مكن إلا إذا تم للجيش إحتلال الواحة الأخيرة التي وإن كانت قد هاجر منها السكان، فإن الثوار يتسللون اليها لكي يجعلوا الجيش يعيش في قلق مستمر. وأما الزاوية، فإن موقعها يوفر جميع الشروط المرغوب فيها لتثبيت الحصار ولإنطلاق الهجوم المزمع على القرية. بدأت العلميات بإحتلال مكان يقع بين الزعاطشة وطولڤة بهدف منع سكان الواحة الأخيرة من تقديم أية مساعدة لجيرانها، ثم صدرت أوامر للمدفعية بأن تقصف أسوار البساتين المحيطة بالزاوية لإحداث ثغرة فيها. وبعدما هدمت بعض حيطان السور وتمت جميع العمليات التاكتيكية، وقع هجوم على الزاوية، ولكن ا لمهاجمين لقوا دفاعا مستميتا من الثوار الذين طاردوهم وشنوا عليهم هجوما مضادا ولم ينجهم إلا نيران المدفعية القوية وقد ولوا أعقابهم بعدما تركوا وراءهم عددا من القتلى 25 قتيلا و 07 من الجرحى. نصبت بطارية للمدفعية في مكان يبعد عنها بسبعين مترا في طريق ليشانة، وقد إعتبر هذا الوقع ممتازا من الناحية التاكتيكية، بحيث إتخذ ساحة للتجمع وعلى وعلى الفور شرع في تحصينه بأكياس التراب تحت وابل من رصاص الثوار، وبعد ذلك تم إحتلال الزاوية. كان إحتلال الزاوية والمواقع المجاورة لها باهظ التكاليف للعدو في الأرواح العدو لم يكن يرى هذا من الأعمال الحربية، بل كان ينظر إليها ضمن الترتيبات التي وضعها لتضييق نطاق الحصار على قرية الزعاطشة. قائد الحملة: "العرب مصممون على منازعتنا كل شبر من الأرض التي تفصل بيننا وبين الزعاطشة" كتب القائد الأعلى لقوات قسنطينة بشأن هذا الاشتباك الأول يقول: والواقع أن هذا الإشتباك الأول يثبت لدينا أن العرب مصممون على منازعتنا كل شبر من الأرض التي تفصل بيننا وبين الزعاطشة. وهم سوف يستفيدون من جميع المزايا التي تتيحها لهم بساتين النخيل وغابة الأشجار الكثيفة والأسوار التي تحيط بها... ونحن نعرف أنها محاطة بخدق واسع وعميق من بالمياه... مما يجعل الإستيلاء عليها أمرا مستحيلا". والخندق المشار اليه والمحيط بقرية الزعاطشة، تغذية عين ثرة تسمى عين فوارة ويمر بالقرية مستديرا بها ويتراوح عرضه بين 06 و08 أمتار، وعمقه بين 0.80 مترا و 1.20 مترا، ويدخل إلى القرية عبره بواسطة قنطرة من الصخر، ومنازل القرية التي يحيط بها سور متين كان يسكنها قبل وصول الجيش الغازي 150 عائلة، ولكنها عند إقتراب الفرنسيين أجلى عنها معظم النساء والأطفال وحل محلهم المجاهدون ممن جاءوا لمساعدة القرية من المناطق المجاورة ومن أنصار الشيخ أبو زيان من جبال الأوراس. بعث الشيخ أبو زيان بالرسل والدعاة إلى القبائل والواحات المجاورة يزف اليها خبر الإنتصارات الأولى التي حققها الثوار، ويذكرهم بأن المصير الذي ينتظر الزعاطشة هو المصير الذي ينتظرهم جميعا، وقد كان ردهم على هذه المساعي بإرسال المؤن وبوصول أوفاج متعاقبة من المجاهدين. في ليلة 07 08 أكتوبر بنيت قاعدة بطارية للمدفعية في المكان الذي نصح ببنائها العقيد، قائد سلاح المهندسين وأطلق عليها إسم رقم 01، وقد سلحت بثلاثة مدافع عيارات 08 و15 ملمتر وعلى الساعة 11 من اليوم التالي شرعت في إطلاق نيرانها، وقد كان المقاومون لا ينفكون عن مضايقة العدو أثناء العمل، وقد إنتهى القصف بإحداث ثغرة وشقوق في حائط سور القرية ولكن الثغرة كانت صغيرة وفي القسم الأعلى من الحائط. تشجع العدو بعد هذا النجاح، فقامت قوة بالهجوم معتقدين أنه بإمكانهم النفاذ من تلك الثغرة، ولما وصلوا إلى الخندق إستقبلهم الثوار بنيران قوية ودفعوهم إلى الوراء وكان تراجع العدو في فوضى شاملة وقد سقط منهم 07 من القتلى، من بينهم ضابط، و43 جريحا. في مرحلة لاحقة، إشتبك الفرنسيون في معركة قاتلة مع تشكيلات من الثوار الذين أرسلوا لنجدتهم معتقدين أنهم من الثوار الذين يطاردونهم. إستمر الفرنسيون في وضع الترتيبات التاكتيكية لتشديد الحصار على الزعاطشة، فأقاموا بطارية ثانية للمدفعية، في يوم 09 أكتوبر، وبينما كانت قوة تقوم بحركة إستطلاعية لتحصين المعسكر ببناء بطارية أخرى في البساتين، نشبت معركة بينهم وبين الزعاطشة، سقط فيها عدد الجنود والضباط. ومما سجل في هذه المعركة، أن رصاصة أصابت ضابطين أردت أحدهما قتيلا وجرحت الآخر جرخا بليغا مات منه بعد بذلك. وقد كتب قائد الحملة بشأن الحوادث الأخيرة: "شعرنا بهذه الأحداث البائسة شعورا عميقا، وأدركنا أهمية التستر من نيران القرية المحاصرة في أسرع وقت ممكن، فإن هؤلاء الثوار قد أعطونا دليلا قاسيا على مهارتهم في القتال". وهكذا عمد الجيش المحاصر، في نطاق سياسة أحكم للتستر وإحتلال المواقع التاكتيكية إلى سد الثغرات التي فتحها الثوار في أسوار البساتين التي يحتمون بها، في المرحلة الأولى تم العمل لحفر الخنادق ولبناء قواعد لبطاريات المدافع في مرحلة تالية. كان من بين المقاومين الذين إجتمعوا حول الشيخ أبو زيان رجال يمارسون رياضة صيد النعام في الصحراء وكانت لهم براعة فائقة في الرمي بالبنادق، وقد كانت طلقاتهم دائا محكمة قلقما تخطئ الهدف ومثيرة للفزع بين أعداهم كان الواحد منهم يجلس ساعات طويلة في شرفة إحدى المنازل ويراقب بعناية تحركات قنصية في المعسكر ومتى رآها في وضع ملائم سدد رصاصته، وقد كان هؤلاء القناصة الإنفراديون موضوع رعب خاص من بناة قواعد البطاريات. وقد بلغ من شدة حرص الثوار على منع العدو من إقامة مراكز وتحصينات تاكتيكية لهم، حين يهجر المدفعيون بطارياتهم ويسددون رصاصهم إلى المدافع نفسها وإلى القنابل والبارود. إحتلال البساتين التي توفر غابات أشجارها مخابئ مثالية لقناصة الثوار، وحفر وبناء قواعد لبطاريات المدافع هي العمليات المحفوفة بأكبر الأخطار. في هذا الاطار، كانت خطة قيادة العدو تقضي بتأمين المعسكر بالمراكز الأمامية وببطاريات المدافع التي تستخدم للدفاع في المرحلة الأولى ثم لقصف أسوار القرية في مرحلة استعداد للهحوم. والهدف الرئيسي هو تحقيق التقدم خطوة خطوة في تضييق الحصار، حتى تقترب سلسلة المواقع والخنادق والبطاريات المجهزة بالمدافع من خندق الماء الذي يحمى القرية، ولكن الثوار الذين يدركون جيدا مخطط العدو كانوا ساهرين ويعملون بدون كلل لإحباط كل مشروع على إنفراد. تمكنت البطاريات رقم 04 التي أقيمت لحماية أعمال الحفر المتقدمة بتعاون مع البطاريات الثلاث الأخرى بتدمير جزء من البرج الأعلى في سور القرية، فقامت قوات من سلاح المهندسين بمحاولة لعبور الخندق والهجوم من الثغرة الجديدة، وللرد على هذا العمل الجريء إجتمع نحو300 من الثوار الجزائريين مندفعين على المهاجمين وردوهم على أعقابهم، حيث قتل 11 منهم وجرحوا 22 آخرين. 1512 جندي وضابط لمساعدة المحتلين في حربهم مع الزعاطشة تلقى الجيش المحاصر تعزيزات في 12 أكتوبر تتكون من 1512 جندي وضابط من مختلف الأسلحة بقيادة العقيد برال التي إستقبلت بكثير من الإرتياح بسبب علامات التعب والإجهاد التي أخذت تظهر على الجنود من جراء أعمال التحصين للمعسكر وخصوصا، نتيجة لمناوراة الثوار المستمرة ولكن الثوار إستقبلوا النجدة الجديد بحرارة أكبر حين إنقضوا على معسكر العدو بصراوة في اليوم التالي 13 أكتوبر. إقيمت البطارية رقم 05 التي كانت أقرب البطاريات إلى القرية في الوقت الذي إتجه فيه سلاح المهندسين إلى تعزيز بقية البطاريات، فأحدثت المدعية ثغرة كبيرة في الزاوية الشرقية لسور القرية إعتقدوا أنها واسعة بالكفاية لمرور الجيش فيها، ولكنه قبل الوصول إلى السور يتحتم عبور الخندق. وللعبور يقتضى الأمر درم ما يساوي جسرا عريضا، حاول ذلك سلاح المهندسين ولكنهم فشلوا لصعوبة العملية من جهة. ولأن الثوار الذين كانوا يتسترون وراء الإنقاض والخرائب، كانوا يصلونهم بنيرانهم بدون إنقطاع. نصبت بطارية في البستان الذي إحتله العدو بعد المعارك التي تحدثنا عنها يوم 12 أكتوبر، وأصبحت جاهزة للإستعمال يوم 14 من الشهر وعلى الفور إتخذت إجراءات لإستعمالها لقصف الزاوية الشمالية الشرقية من القرية. وفي اللحظة التي كان النقيب "بيس" يختبر فيها تصويب نيران المدفع الذي يقع على اليمين، أصابته رصاصة فوق العين اليسرى فأردته قتيلا في الحال وقد أطلق إسمه على البطاريات... تخليدا لذكراه. وفي هذه الثناء، إستولى الفرنسيون على بستانين آخرين استخدما لتغطية بطارية "بيس" المتقدمة والبطارية رقم 06 وقد قام سلاح المهندسين بتحصن البساتين، على أن عدم توفير المواد والأودات الضرورية لحفر لخنادق وإقامة المتاريس وكثرة الأشجار والشجيرات، وإنتشار القنوات في المنطقة أمور كانت تشكل عقبات كبيرة بحيث أن أعمال حفر الطريق التي كان يقوم بها سلاح المهندسين تحت وابل من الرشق بالحجار والضرب بالرصاص المستمر لم يكن يتقدم إلا بمسافة مترا ومترين في ظرف أربع وعشرين ساعة، فلكي يحفروا ممرا ليدحوجوا فيه متراسا، وكان يقتضي الأمر قطع الأشجار الكبيرة وإقتلاع الشجيرات التي تعترضه وإقامة جسور عبر قنوات الري العديدة والتي يصعب التخلص من مياهها متى ردمت. وفي نفس الوقت، ظهرت حركة ثورية لمساندة الزعاطشة بين سكان الأوراس تستهدف قطع طريق المواصلات بين باتنةوبسكرة، كما قام حامد بن الحاج، خليفة الأمير عبد القادر سابقا على منطقة سيدي عقبة، إلا أن القيادة الفرنسية كانت تدرك أن هذه الحركات غير قادرة على مواجهة الجيش الفرنسي، لكن مع هذا عملت على التخلص من ثورة الزعاطشة حتى يتسنى لها القضاء على الحركات الثورية الأخرى. وهكذا قرر القيام بهجوم عام على القرية يوم 19 أكتوبر على أساس خطة تنقصها الجدية لعبور الخندق وكذلك إنتهى هذا الهجوم بفشل ذريع وخسائر كبيرة. ولكن هذا الهجوم العام الذي إنتهى بسقوط قرية الزعاطشة ومقتل الشيخ بوزيان وإبنه بعد مقاومة نادرة المال وتضحيات هائلة يوم 28 نوفمبر 1849، موضوع يخرج عن النطاق الذي حددناه لهذا البحث وهو جدير بمعالجة تفصيلية لأنه يشكل صفحة من أروع ما سجلته المقاومة الجزائرية في أي عهد في تاريخ هذا البلد المليء بأنواع الجهاد والنضال من أجل الحرية والكرامة. موقع قرية زعاطشة الاستراتيجي تمتد بلاد الزيبان الواسعة من الحدود التونسية شرقا حتى هضاب أولاد نايل غربا، وتتصل من هذه الجهة بوادي ريغ. وفي هذه المنطقة تنتشر واحات النخيل التي أهمها واحة بسكرة، عاصمة منطقة الولاية حاليا. وهذه المنطقة تمتد ثلاثة سهول متميزة مشهورة: سهل الحضنة: وهو أكثر السهول الثلاثة إرتفاعا، ويحده من الشرق جبل متليل، وجنوبا جبل عمورة، وشمالا جبل بلزمة، وغربا منطقة بوسعادة. وفي حوالي وسط هذا السهل يوجد شط سعيدة، وهو عبارة عن بحيرة مالحة. ومنطقة الحضنة كانت مشهورة في الماضي بخصب أراضيها وكانت تنتج الحبوب بوفرة والمواشي، والتمر الجيد ولو أنه أقل جودة من الأنواع التي تنتجها منطقة بسكرة والواحات التابعةل ها، مثل طولڤة والزعاطشة. سهل الوطية الذي يمتد في جنوب شراقي الحضنة، عند السفح الجنوبي لجبل أوراس. والمناخ في هذا السهل أكثر إعتدالا منه في سهل الحضنة. والمنطقة، مثل السابقة مشهورة برنتاج القمح والشعير وتربية المواشي، ولكن النخيل فيها أقل إنتاجا ونوعية. الزاب الذي ينقسم إلى الزاب الظهري (الشمالي)، والزاب القبلي (الجنوبي) والزاب الشرقي والمنطقة عبارة عنه مجم،عة من الواحات، يجتمع بعضها ويفترق البعض الآخر ويفصل بينهما فراع من الرمال القاحلة، ولاتعرف من النبات سوى الشيح الذي يصلح لرعي الجمال والأغنام. وهذه الواحات تحتوي على بساتين النخيل التي تحيط بها أسوار وتجري فيها مياه غزيرة في العادة. وأهم إنتاج هذه الحدائق هو التمر، ولكنها تضم إلى جانب النخيل أشجار مختلف أنواع الفواكه كالخوخ والمشمش والتفاح، كما تنتج الخضروات والقنب والتبغ والحنا الخ، مما يجعل الواحة مكتفية بنفسها في المواد الغذائية التي تنتج منها فائضا تصدره إلى أسواق بسكرة وبوسعادة وباتنة ويجري تبادل ريعة بالمنتجات المصنوعة. وقرى الواحات تحتوي على مسجد أو أكثر تعلوه منارة وعلى بيوت واسعة مبنية بالحجر أو الطوب المكوى، ومسقوفة بفروع النخيل، والقرية كثيرا ما تكون محصنة بسور أو بخندق، أو بكلا النوعين من التحصينات مثل قرية الزعاطشة، كما سنرى. من البديهي أن يكون الماء أساس العمران في هذه الواحات التي لولاه لكانت رمالا سائلة، مثل بقية المناطق الصحراوية، والسكان يدركون أهمية هذا العنصر الحيوي حق الإدراك، ومن ثم فهم أشد ما يكون حرصا عليه وسعيا لصيانته وحسن إستعماله بإقتصاد، ويجري توزيع الماء للري بين الملاك على أساس الحاجة وعلى قدر ما يملكه قنوات تنقل الماء من الينابيع بميزان دقيق ولا يحاول الواحد منهم تجاوز الحصة المخصصة له طبقا لمقاييس وعرف متوارث والماء يجري من ينابيع طبيعية في الواحة ولكنه قد يستخرج من الآبار كذلك، وقد تكون ملكيتها جماعية أو فردية. وأما سهول الحضنة والوطايا والزاب الشرقي، فهي ترويها مياه الأنهار الصغيرة والجداول التي تنزل من مرتفعات وهضاب التل، ومن جبال الأوراس وبلزمة، وهذه المياه التي تحمل في طياتها الطمي المخصب هي التي تغذي المنابع الجوفية وتزيد من إحتياطي الماء في بطن الأرض في الصحراء. والخصب والثراء الذي إشتهرت به واحات الزيبان (الحبوب والغنم والجمال والتمور الخ)، كان من العوامل الرئيسية التي ساعدت. على النمو الديموغرافي وكثرة السكان التي لوحظت في هذه المنطقة في أواخر عهد الأتراك وقد وقعت ضحية لغزوات الولاة الأتراك عدة مرات، كان آخرها قد قام بها أحمد باي، من أجل جمع الضرائب والأتاوات وقد كانت مناطق أولاد جلال وسيدي عقبة وطبنة وبسكرة ذات موارد إقتصادية هامة في جميع العصور، تسمح لها بالطموح إلى المحافظة على إستقلال ذاتي، كما كان شعور السكان بماضيهم وإعتزازهم بالنضال من أجل حريتهم ضد الغزاة والفاتحين شعورا قويا وحب الحرية والإستعداد للدفاع عنها، على كل حال، ميل يشاركهم فيه جميع سكان الصحراء، وفي مقدمتهم الرحل الذين غادرت أفواج منهم التل وقصدوا الفيافي لإنجاد قبيلة الزعاطشة عندما ضيق العدو الحصار عليها. مصادر موثقة في كتب ودراسات أنجزها مؤرخون