لا يزال سكان مدينة العيونالمحتلة بالصحراء الغربية يعانون ويلات الاحتلال المغربي الذي غزا أرضهم سنة 1975 بعد خروج الاستعمار الاسباني وصنع منهم مواطنين من الدرجة الثانية بعد أن انتهج سياسة التعمير عن طريق تحفيز المغربيين للانتقال إلى الأراضي المحتلة التي تم فصلها عن الأراضي المحررة بجدار العار كما يسميه الصحراويون والذي يبلغ طوله 2500 كيلومتر. حياة بدوية قاسية في صحراء لا تبقي ولا تذر، تحمل صرخة مدنيين عزل، هي مسيرة كفاح مستمر منذ أكثر من 35 سنة من أجل إثبات هوية شعب وتأكيد حقه في تقرير المصير، في وقت سعى فيه المغرب بالقوة والسلاح، بالطائرات والنابلم، أن يطمس كل ملامح الحياة. خلال الزيارة التي قادتنا إلى الأراضي المحررة بالصحراء الغربية وبالتحديد إلى دائرة "تيفارتي" بمناسبة الاحتفالات المخلدة للذكرى الخامسة والثلاثين لاندلاع الكفاح المسلح بالصحراء الغربية التقينا بسكان هذه الأرض التي عاث فيها المغرب فسادا وحاول أن يؤكد حقه في امتلاكها بكل الطرق والوسائل، مخالفا كل شرائع البشر وبقي متمسكا بصوته المخالف للشرعية الدولية التي أبى إلا أن يسير في عكس اتجاهها. كانت الساعة تشير إلى الثانية زولا عندما حطت الوفود رحالها بمدينة ال "27" المتواجدة بمخيمات اللاجئين التابعة لولاية تندوف، حينها التقينا بعائلة السيدة "خديجتو يارا" التي استضافتنا في بيتها الصغير بالرغم من كثرة عددنا وراحت ترحب بنا وتستبرك بالجزائر، بلد المليون ونصف مليون شهيد كما يفضل عديد من الصحراويين أن ينعتوننا كلما التقوا بنا، ففي نظرهم وفي قرارات أنفسهم تبقى الجزائر بكل ما حققته رمزا من رموز البطولات التي يستلهمون منها عدالة قضيتهم وحقهم في الانتصار وتحقيق الاستقلال الوطني، خاصة وان الصحراء الغربية تعد أخر مستعمرة في القارة الإفريقية. ما لبثت السيدة خديجتو حتى بدأت تروي قصة قدومها على الجزائر، تذكر فترة صباها وهي المولودة بمدينة العيونالمحتلة، عندما هاجمهم المغرب سنة 1975 واضطرت هي وعائلتها على الرحيل للجزائر فرار من العدو الذي شن عليهم حربا ضروس وهم الشعب الأعزل المسالم. بعدها استقرت السيدة في ولاية تندوف، في ضيافة المخيمات التي احتضنت هذا الشعب اللاجئ وهاهي اليوم أم عائلة متكونة من ثلاث بنات وشابين، تعيش قساوة الصحراء وتكابد الحياة يوما بعد يوم في انتظار حلم العودة الذي يشدها إلى أرضها، حنين قاتل لكل أفراد العائلة التي شتتها الغزو المغربي. عائلة هذه السيدة لم تكن الوحيدة، فعديد من العائلات تعيش ظروفا قاسية بعيدا أرض الوطن بمخيمات اللاجئين في كل من العيون، الرابوني، ال 27، الداخلة وغيرها من المدن التي فضل الصحراويون أن يطلقوا عليها أسماء شبيهة بتلك التي كانت بالصحراء الغربية. وبالمقابل هناك عائلات أخرى اختارت أن تبقى بالأراضي المحررة لتؤكد للمغرب عزم شعب لا يزال متمسكا بحقه في تقرير مصيره والحصول على الاستقلال. في اليوم التالي انتقلت الوفود المشاركة في احتفالات ذكرى الكفاح المسلح إلى دائرة تيفارتي التي احتضنت التظاهرة ومن هناك استغل رئيس الجمهورية الصحراوية محمد عبد العزيز ليؤكد عزم الشعب الصحراوي على تقرير المصير ويبلغ المغرب رسالة مهمة تقوم على ضرورة الامتثال للشرعية الدولية أو العودة إلى الكفاح المسلح وتوالت تصريحات المسؤولين الصحراويين في لهجة قوية والتي صبت في ذات المنحى، لترسخ إرادة شعب بأكمله اختار أن يكون حرا. "جدار العار" يدنس تاريخ المغرب موازاة مع الاحتفالات التي شهدتها الأراضي المحررة، شرع في تدمير 2500 لغم مضاد للأشخاص، العملية كانت الثالثة من نوعها، حضرها عديد من الصحراويين المقيمين بتيفارتي وخارجها، إلى جانب وفود أجنبية من صحافة وتنظيمات دولية. العملية جاءت بهدف كشف مدى وحشية المستعمر المغربي الذي قام بزرع قرابة ستة ملايين لغم على طول الجدار العازل الذي يسميه الصحراويون بجدار العار، حيث يبلغ طوله 2500 كلم ويفصل بين الأراضي المحتلة التي تجاورها السمارة، أوسرد، القويرة، أم دريقة، قلتة زمور وأمقالة، والأراضي المحررة التي يجاورها بئر لحلو، تيفارتي، مهريز، ميجد، أغونيت وزوق. هو جدار استلهم ملك المغرب الراحل حسن الثاني فكرة بنائه من مخطط يهودي في وقت تؤكد فيه عديد من المصادر أن المستشار الشخصي للمكل كان يهوديا. جدار العار خلف الآلاف من الضحايا، صحراوين رعاة وبدو كان يدفعون حياتهم مقابل الاقتراب منهم، أشخاص يسعون للقفز من فوقه للالتحاق بذويهم وعائلاتهم في الطرف الأخر. يبدأ الجدار من وركزيز شمالا إلى الكركارات بأقصى الجنوب الغربي من الصحراء الغربية بمحاذاة المحيط الأطلسي، تدعمه ترسانة عسكرية قوامها 170000 جندي و 25000 من عناصر القوات الجوية, شرع في بنائه منذ 1980 وانتهي سنة 1987 ومن أهم الآثار السلبية المترتبة عن الجدار انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية, فصل العوائل الصحراوية عن بعضها البعض، مما يؤثر علي التواصل الاجتماعي والثقافي. أما سياسيا، فإن الجدار يشكل عقبة في طريق تطبيق استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي وفي استتباب الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، كما أنه خلال بناء هذا الحزام تم القضاء علي آلاف الأشجار وتم قطع سبل الاستفادة من المياه الصالحة للشرب ويساعد وجود هذا الجدار على نهب ثروات الصحراء الغربية ويضرب حصارا على المنطقة. العلم الصحراوي في كل مكان، استقلال الصحراء آت كان لنا أن التقينا بمدينة تيفارتي بشباب صحراوي عانق الحياة ورفض أن يستسلم لرغبة المحتل وبقي فرضا وجوده رغم كل المضايقات والمساومات بالأراضي المحتلة. شرقو كما يفضل أصدقاؤه أن يلقبوه، شاب بطال يبلغ من العمر 26 سنة، يعيش في العاصمة الصحراوية التي تبعد عن المحيط الأطلنطي بحوالي 27 كيلومتر وتبعد عن الحدود المغربية ب 75 كلم. قرر أن يحضر الاحتفالات المخلدة لذكرى اندلاع الكفاح المسلح بتيفارتي بعد أن قطع الحدود على موريطانيا وغير المسار ليدخل مجدا وخفية إلى تيفارتي. شرقو قال لنا أن انتقاله إلى موريطانيا كان عاديا فهم مجبرون بالأراضي الصحراوية أن يحملوا جنسية مغربية مفروضة عليهم بالقوة، عائلته مشتتة بين العيون وبين الأراضي المحررة، فيضطر إلى التنقل خفية عن السلطات المغربية ليزورها وقد يصل إلى مخيمات اللاجئين بتندوف. الطريق طويل والمهمة تكاد تكون شبيهة بالمستحيل، لأن الثمن سيكون باهضا في حال اكتشف أمره من طرف قوات الأمن المغربي. وفي حديثه الذي عبر من خلاله عن أسفه لما آلت إليه الأمور في ظل الاحتلال المتواصل لمدينة العيون التي قال إنها جميلة مثل وهران، لم يتردد شرقو في الكلام عن عائلته المشتتة بين الأراضي المحررة والأراضي المحتلة، كما أخبرنا بوقائع لا تزيد سجل المغرب الأسود إلا سوادا لما اقترفه في حق هذا الشعب الأعزل، ففي الذكرى الأولى للانتفاضة في 21 ماي 2006 قام عدد من الشبان بغلق حي "الفتح" بمدينة العيونالمحتلة، ليشرع عناصر الأمن المغربي بعدها مباشرة في محاصرتهم. ويقول "شرقو" كنا نرشقهم بالحجارة، كانت انتفاضة حقيقية ولم يتمكنوا من فك الحصار والدخول إلى الحي إلا بعد ستة ساعات من الزمن، كنا قرابة 60 شخصا منهم 40 امرأة ، الانتفاضة كانت عفوية ولم نخطط لها، لتنتهي المحاولة على يد المغربيين مخلفة خسائر وجرحى في صفوف الصحراويين ويذكر شرقو جيدا عندما تهجمه عليهم عناصر الأمن في المنزل وكسروا كل شيء. في تلك الانتفاضة تعرض شرقو كان شرقو ضحية الاعتداءات الأمنية للمغربيين وكانت النتيجة أن كسرت قدماه وتم توقيف 40 منتفض وحبس 20 منهم، ليتقرر بعد أيام إطلاق سراحهم في الصحراء ومعهم أربعة نساء. خلال أيام الانتفاضة كنا نعلق العلم الصحراوي في كل مكان، فحين تدخل مدينة العيونالمحتلة تجد على سقف وجدران كل منزل علما صحراويا وكنا نردد شعرات قوية -هكذا يوق شرقو-، نريد الاستقلال، لا للحكم الذاتي، استقلال الصحراء آت، يالمغرب سير بحالك الصحراء ماشي ديالك، يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح، رغم الجبروت نحن شعب لا يموت. شعارات متواصلة كانت في كل مرة تثير سخط المغربيين الذي لم يتمكنوا من إطفاء شعلة المقاومة. مواطنون من الدرجة الثانية بمدينة العيونالمحتلة حياة ضغط، لا تكاد تخلو من العساكر أو رجال الأمن المغربيين، كل 100 متر جماعة من العساكر، من قوات التدخل السريع، قوات مساعدة، بالإضافة إلى الشرطة الجديدة التي تم استحداثها بالمدينة والمختصة في السلامة المرورية. أما يوميات الصحراويين في مدينة العيونالمحتلة، فقد أصبحت شبيهة بالكوابيس، فهم مصنفون كمواطنين من الدرجة الثانية بعد المغربيين الذي فتحت لهم حدود الصحراء الغربية على مصرعيها في إطار سياسة التعمير التي انتهجها المغرب سنة 1975 مباشرة بعد غزوه للصحراء الغربية، حيث نجد أن عدد المغربيين قد تضاعف في مدينة العيون بالمقارنة مع سكانها الأصليين، مع العلم أن الشعب الصحراوي في مجمله لا يتجاوز عدده 500 ألف نسمة. يوميات سوداء من البطالة والفقر والاضطهاد... يقول شرقو، لم نكن لنحلم إلا بالاستقلال لتصان كرامتنا ونعيش في أرضنا معززين، مكرمين، في القوت الذي لا نستطيع فيه التنقل بحرية، مضايقات رجال الأمن في كل مكان وحتى من طرف المواطنين المغربيين، لا نستطيع أن نتنقل في إطار جماعة ولا يمكن أن نتجاوز التاسعة ليلا بالرغم من حضر التجول غير موجود، هي حالة استفزاز نعامل فيها بكل عنصرية. غلاء المعيشة بدوره زاد من حدة المشكلة، خاصة وان السلطات وحتى المؤسسات الرسمية والاقتصادية ترفض توظيف الصحراويين وتعطي الأولوية للمغربيين، الأمر الذي دفع بعديد من الشباب الصحراوي إلى الحرقة والسعي للهجرة نحو اسبانيا عن طريق قوارب الموت. أما باقي الشباب، فيعلمون في ظروف جد صعبة، معتمدين على مختلف أنواع التجارة التي يقتاتون منها ويتدبرون بها أمورهم. بدوره عبر محمد البالغ من العمر 30 سنة وهو شاب صحراوي عن أسفه للوضع القائم، حيث قال بان عائلته مشتتة الآن بين الأراضي المحتلة والأراضي المحررة بسبب جدار العار. محمد يذكر جيدا عنصرية المغربيين التي لم تقتصر على الشارع فحسب، بل كانت متواجدة حتى في المدرسة عندما كان يتعرض لمضايقات من طرف الأساتذة المغربيين ليس إلا لأنه صحراوي. مضايقات في كل مكان، في البلدية وفي الإدارات ولا توكل إلى الصحراويين إلا الوظائف المهينة. "إننا لا نحلم إلا بالاستقلال ولا نأمل إلا في جمع الشمل، لنكون شعبا واحدا موحدا على أرضنا الحرة الصحراء الغربية، نتمنى أن يهدم جدار العار كما هدم جدار برلين ويحطم إلى الأبد" على وقع هذه العبارات التي كانت مسك الختام فارقنا تيفارتي تاركين ورائنا إرادة شعب قرر أن يسترجع استقلاله وسيادته على أرضه مهما كلفه الثمن. بكل روح وطنية، تتدفق منها حماسة ورغبة حارقة في إثبات الذات، الصحراويون عازمون على مواصلة الكفاح مهما كلفهم الثمن في ظل تعنت المغرب وتهربه من مسؤوليته الدولية من خلال التجاوزات المتتالية التي قام بها والتي لم تساهم إلا في تدنيس تاريخه الاستعماري.