اشتعلت، أمس، مجددا موجة احتجاجات عارمة بساحة الثورة أمام المدخل الرئيسي لبلدية عنابة، تنديدا بالطريقة التي تتعامل بها السلطات المحلية مع ملف التشغيل، وقد أجبرت وحدات مكافحة الشغب التابعة للأمن الوطني على التدخل السريع وسط المدينة للمرة الثانية في ظرف أسبوع، واعتقلت 34 متظاهرا، فيما احتضن مقر الولاية على جناح السرعة اجتماعا طارئا لمجلس الأمن المحلي بغية تباحث تداعيات أزمة التشغيل ومحاصرة الغضب الشعبي التي باتت تهدد بانفلات الوضع الأمني على أكثر من صعيد بعنابة. خيمت أجواء من الهدوء الحذر وتكثيف الدوريات الأمنية بشكل لافت للانتباه على مدار أمسية الاثنين، وأصبحت ساحة الثورة كالمنطقة المحظورة بعد توافد تعزيزات قوات التدخل السريع ورفضت جحافل البطالين إخلاء مواقع الاحتجاج، مطالبين الوالي محمد الغازي بالتدخل العاجل لوقف حالة الاحتقان التي تشهدها المدينة بعدما كان الهدوء مميزا ليومياتها. ووجه المنتفضون على الوضع القائم، وابلا من الاتهامات الثقيلة لمسؤولي بلدية عنابة لتعاطيهم السلبي مع أرضية مطالبهم، رغم الوعود التي تفننوا في تقديمها أثناء الحركات الاحتجاجية السابقة، يقول المحتجون. وحمّلت منظمات المجتمع المدني، المهتمة بقضايا تشغيل الشباب، بدورها والي عنابة مسؤولية هذا الانفلات الأمني الخطير الذي كان من بين نتائجه الكارثية، تخريب أجزاء رئيسية من مقر بلدية عنابة أثناء تدفق المتظاهرين لرشقه بالحجارة، مطالبين بإيفاد لجنة تحقيق وزارية للتحقيق في التجاوزات التي تقف وراءها أطراف محلية نافذة في تسيير ملفات جهاز الإدماج المهني الموجه لتشغيل الشباب عديمي المستوى وحاملي الشهادات الجامعية والمهنية. وفي السياق ذاته، ندد المتظاهرون بما وصفوه "تلاعب أعضاء المجلس البلدي في إعداد قوائم المستفيدين من حصة 500 منصب عمل في إطار عقود الإدماج المهني، زيادة على انعدام قنوات اتصال وتوجيه بالمجلس لتستقبل البطالين وتمدهم بالمعلومات الكافية حول ملفات التشغيل". وترافقت هذه الحركة الاحتجاجية مع تسريب أنباء حول استفادة 22 شخصا محسوبين على محيط مسؤولي رئيس البلدية وأعضاء المجلس من مناصب شغل مؤقتة، الأمر الذي لم يهضمه المنتفضون، مشددين على أحقيتهم في الحصول على مناصب عمل ماداموا قد أودعوا بطاقات التعريف الوطنية على مستوى مصالح مديرية التكوين والمستخدمين للبلدية، بهدف إضافة أسمائهم إلى القائمة الإضافية. ولم يفهم المحتجون "إغلاق منتخبي المجلس اللعب" رغم إمكانية حصول البلدية على ما قيمته 4000 آلاف عقد إضافي، حسب تأكيدات مصادر مسؤولة بمديرية التشغيل، غير أن المدير الجديد لهذه الأخيرة أعلن في أول خرجة له عقب تنصيبه قبل أسبوع عن رفض مصالحه تجديد العقود التي منحت السنة الماضية، وفقا لما تم نقله من قبل جمعيات محلية ومنتخبين بالمجلس الولائي، وهو ما يعد خرقا واضحا للمرسوم الرئاسي رقم 08/126 المؤرخ في 09/04/2008 الذي ينظم ويشرح آليات الاستفادة من جهاز المساعدة على الإدماج المهني لعديمي المستوى وحاملي الشهادات. إلى ذلك، علمت "الأمة العربية" أن جميع المعتقلين أمس قد تم إطلاق سراحهم بعد سماعهم وتحرير محاضر ضدهم، فيما سارع والي الولاية إلى برمجة جلسة عمل بالمسؤولين المعنيين لاحتواء الوضع وأمرهم بتوزيع 500 رسالة توجيه لمباشرة عملية تسليم العقود لطالبيها بدء من الأسبوع المقبل، لكن متتبعين اعتبروا خطوة الوالي غير كافية وصنفوها في خانة "ذر الرماد في العيون" في إطار محاولة احتواء الغضب الشعبي الذي بدأ يأخذ أبعادا من شأنها أن تؤدي إلى تكرار سيناريو "احتجاجات الشلف" التي أطاحت بمحمد الغازي في صائفة 2008. وإلى غاية كتابة هذا التقرير، لا تزال حالة الطوارئ معلنة، في انتظار ما ستسفر عنه توصيات اجتماع مجلس الأمن المحلي الذي ضم قادة الأسلاك الأمنية.