خسارة المنتخب الجزائري أمام نظيره المصري في قبل النهائي من بطولة أمم إفريقيا في أنغولا كانت متوقعة مثلما كان الفوز أيضا متوقعا، لأن الأمر يتعلق بمنتخبين على أعلى مستوى، مرشحين للظفر باللقب، لكن ما لم يتوقعه أكثر المتشائمين من الجمهور الجزائري هوالنتيجة الثقيلة والعرض الباهت الذي قدمه الخضر في هذه المباراة، لأن التبريرات العاطفية التي تلت نهاية اللقاء تصب كلها في خانة اتهام الحكم البنيني كوفي كودجا بالتحيز للمصريين على حساب الجزائريين مستشهدين بالبطاقات الحمراء الثلاث التي أشهرها في وجه الثلاثي رفيق حليش ونذير بلحاج والحارس فوزي شاوشي، واحتسابه ركلة جزاء اعتبرها الجزائريون بمن فيهم رابح سعدان غير شرعية، غير أن القراءة الموضوعية المتأنية للمباراة وأسباب الخسارة الثقيلة تؤكد بروز الكثير من النقائص والعيوب التي لا يزال المنتخب الجزائري يعاني منها وتساهم في قلب موازينه عند كل مباراة هامة. عيوب ظهرت حتى قبل طرد حليش، فأول أسباب الهزيمة تتمثل في عدم دخول "الخضر" في المباراة وبقائهم في الخلف يترقبون ماذا سيفعل المصريون للرد عليهم وكأنها مباراة ذهاب تنتظرها مباراة إياب، وهذه مسؤولية المدرب سعدان الذي يبدوأنه وقع في فخ مبدأ اللعب من أجل الاستمتاع والإمتاع رغم أن ذلك في حد ذاته يحتاج إلى خطة تكتيكية مناسبة لم يصل إليها الشيخ الذي احتار في كيفية التعامل مع معطيات المباراة كما ظهر بعض اللاعبين بمستوى هزيل ولم يقدموا ما كان منتظرا منهم وعلى رأسهم الثنائي المدافع عنتر يحيى ولاعب الوسط مراد مغني اللذان شفيا لتوه من إصابة وظهرا بعيدين عن مستواهما المعهود بسبب تأثير قلة المنافسة ومن جهته لم يقدم المهاجم كريم مطمور الأداء المنتظر منه وفشل في نقل الخطر إلى الجانب المصري بينما ظهر زميله عبد القادر غزال متنرفزا منذ البداية. أما الظهير نذير بلحاج فلا يزال مصرا على التلاعب بأعصاب زملائه ومحبي "الخضر" من خلال حركات تقنية زائدة تجعل زملاءه دائما في حالة استنفار وخوف حتى في الكرات السهلة التي قد تتحول إلى معضلة عندما يفشل في ترويض الكرة وهوما يفسر تركيز المنتخب المصري اللعب على جهته لإدراك مدربه حسن شحاتة بأن لن ينهي أي مباراة إلا بعد ارتكاب عدة أخطاء قاتلة، وفي غياب التغطية الدفاعية يصبح الخطأ أشد وقعا ويضاف إلى ذلك افتقاد الخضر لصانع العاب حقيقي يتمتع بالرؤية الواضحة والقدرة على تسيير الكرات وتغيير مجرى اللعب والربط ما بين الخطوط بدليل أن اللاعبين كانوا دوما يفتشون عن منصوري أويبدة لتمرير الكرة إليهم دون تقدم نحو المرمى المصري ولجوئهم في الكثير من المرات إلى التمريرات الطويلة مما يفرض على سعدان البحث عن هذه الحلقة المفقودة قبل حلول نهائيات كاس العالم في يونيو القادم بجنوب إفريقيا كما ظهر غياب القراءة الجيدة للمنافس بدليل التركيز على الحراسة اللصيقة لحامد حسن في حين أن الخطر كان يأتي من لاعبين آخرين وجدوا أنفسهم أحرارا من المراقبة منذ انطلاق اللقاء. من جهة أخرى، ظهر المنتخب الجزائري بعد طرد حليش مرتبكا جدا وأن الطاقم الفني بقيادة سعدان لم يضع في حساباته هذا السيناريو الطارئ رغم أنه وارد جدا في كرة القدم خاصة عندما تلعب في إفريقيا وتحت إدارة حكامها الذين يسعون دوما إلى تأكيد إفريقيتهم وتخلفهم من خلال اتخاذ القرارات الخاطئة وبدا وكأن الخضر قد فازوا قبل صافرة البداية وأن سعدان إما أنه لا يملك خطة بديلة طارئة أو أنه لا يمتلك البدلاء المناسبين وأن الدكة خذلته هذه المرة بفعل الإعطاب والإرهاق وعدم الجاهزية ويضاف إلى ذلك اعدم انضباط زملاء كريم زياني وسرعة افتقادهم أعصابهم واختفت الصورة الجميلة التي ظهروا عليها في مباراتهم ضد رواندا في التصفيات فحتى وأن جزمنا بأن الحكم البنيني كان منحازا للمصريين ولم يكن في المستوى فإن اللاعبين الجزائريين سهلوا له مهمة الانحياز لأن البطاقة الصفراء الأولى التي نالها حليش كانت مجانية وكان بإمكانه تفاديها بسهولة تامة بالابتعاد عن الحارس المصري عصام الحضري، كما أن لجوءه إلى تصحيح الخطأ بالخطأ أمر غير مجدي خاصة أنه كان يعلم بأنه منذر من قبل الحكم وكان علىه أن يترك عماد متعب يسجل أفضل بأن يسجل ونلعب منقوصين عدديا ما دام أن المباراة كانت لا تزال طويلة، وشأنه شأن البطاقة الحمراء التي نالها بلحاج بسبب تدخل خشن في كرة غير خطرة في وسط الميدان وفي وقت كان زميله زياني وراءه ونفس الأمر ينطبق على الحارس شاوشي فوزي الذي يبدو أن معرفته بلوائح التحكيم لا تختلف كثيرا عن عامة الجمهور فراح يبحث عن الورقة الحمراء الثانية للخضر بعد دقائق من الأولى لحليش في وقت كانوا في أمس الحاجة إلى برودة الأعصاب والتركيز الذهني على المباراة وعلى المنافس وليس على الحكم وأكثر من ذلك أصبح لاعبو المنتخب الجزائري وكأنهم ينتظرون شفقة من كودجا تكفيرا عن ذنبه بطرد حليش وإعلان ركلة جزاء فأصبحوا يلعبون بخشونة أكبر وهوما استغله البنيني جيدا لزيادة غلة الأوراق الحمراء دون مبالاة بالجمهور العريض في الميدان أوعبر الشاشات الذي حرمه من متعة الكرة ويبدو أن سعدان وجهازه المعاون نسي بأنه في إفريقيا تحت رحمة تهور حكامها من أمثال كودجا ونسي إعداد أشباله لمثل هذه المواقف خاصة أن المباراة كانت خاصة. على صعيد آخر بدا وأن الانتصار الذي حققه المحاربون على فيلة ساحل العاج في الدور الربع نهائي قد فعل فعلته هوالآخر وبدا أن الغرور قد عرف طريقه إلى نفوسهم وهذه أيضا من تحديات المدرب الذي عليه أن يضع لاعبيه في الحالة النفسية الصحيحة بعيدا عن الغرور أوالإحباط.