شيعت، أمس، بمقبرة العالية جنازة الشهيد علي تونسي المدير العام للأمن الوطني، بعد صلاة الجمعة، حيث تم نقل جثمان العقيد علي تونسي إلى مقبرة العالية، حضرها كل من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الأصغر، والوزير الأول أحمد أويحيى، ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري، إلى جانب أعضاء الحكومة، يتقدمهم الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم ووزير الشؤون الدينية والأوقاف غلام الله ورؤساء أحزاب وعدد كبير من الشخصيات الوطنية والتاريخية وإطارات الدولة وجمع من المواطنين. كما شوهد حضور رئيس المجلس الأعلى للدولة سابقا علي كافي، ومحمد الصغير باباس رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وجنرالات متقاعدون من المؤسسة العسكرية الجنرال عبد السلام بوشارب. "الأمة العربية" اغتنمت الفرصة واقتربت من بعض إطارات الدولة واستطلعت وجهات نظرهم فيما يخص خلفيات الاغتيال وهل سيؤثر هذا على المؤسسة الأمنية في المستقبل وعلى صورة الجزائر في الخارج. أشاد عبد العزيز بلخادم الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بخصال الرجل الفقيد، معتبرا إياه واحدا من الذين ساهموا في بناء المؤسسة الأمنية الجزائرية، مستخدما في ذلك كل الإمكانيات المشروعة، مستهجنا عملية اغتياله. أما وزير المالية السابق عبد الكريم حرشاوي وعضو المكتب الوطني للأرندي، فقد اعترف للرجل ببراعته في تسيير مؤسسة الأمن الوطني: "أعترف للرجل بحنكته وحسن إدارته لمؤسسة الأمن الوطني التي أشرف عليها لأزيد من عقد من الزمن"، كما أشاد بمساعيه في محاولة تحديث المؤسسة وتشبيبها، وتزويدها بمختلف الآليات والتكنولوجيات الحديثة. وبخصوص الفعل هل هو منظم أم معزول، فقد علق بقوله بأنه يتبنى ما تبنته وزارة الداخلية والجماعات المحلية. أما أبوجرة سلطاني زعيم حمس، تبنى ما تبنته وزارة الداخلية كذلك، وقال إن الجزائر دولة مؤسسات وليست دولة أشخاص، في اتصال هاتفي مع الأمة العربية، وأن قضية اغتيال العقيد تونسي لا تؤثر "إطلاقا" على الصورة الجزائرية خارجا ولا تشوهها، لا من ناحية علاقتها مع الدول العربية ولا الأجنبية ولا على الساحة العالمية، مشيرا إلى أن "الحادثة لا تؤثر على مؤسسات الجزائر ولا الجزائر ككل، باعتبار أن هاته الأخيرة ليست مرتبطة بأشخاص وأن الجزائر ليست محمولة على كتف رجل واحد، لأن الوطن حسبما ذكره سلطاني رجاله كثيرون، دستور ومؤسسات". كما أضاف المتحدث في السياق ذاته، أن رأي الحركة يتماشى بالتطابق مع ما أعلنته وما تتبناه وزارة الداخلية. كما وصف نائب حركة النهضة محمد حديبي، أمس، اغتيال المرحوم علي تونسي ب "الفاجعة الأليمة" التي أرجعت الجزائر إلى نقطة الصفر بعدما قطعت أشواطا في استتباب الأمن والاستقرار، مشيرا في الوقت ذاته إلى تضحيات الرجل في مشواره المهني وتاريخه النضالي الثوري. أما بخصوص التداعيات المحتملة بعد اغتيال المرحوم القائد علي تونسي، أول أمس، أكد محمد حديبي أن الجزائر دولة تحكمها المؤسسات لا الأشخاص، وإن الجزائر قد قطعت أشواطا كبيرة في تعزيز سلطة المؤسسات، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الرجل الراحل علي تونسي ترك وراءه مؤسسة قوية جدا مثلها مثل مؤسسة الجيش الوطني الشعبي. وفي سياق متصل، قال حديبي إنه إذا كانت مؤسسات الدولة لم تتزعزع بالأمس إبان العشرية السوداء والحصار المضروب على الجزائر، فكيف لها اليوم أن تتزعزع مع استقرار مؤسساتي ووجود تقاليد تسيير مرسخة في هذه المؤسسات، مشيرا إلى الراحة المالية والأمنية التي تتمتع بها الجزائر حاليا، إلى جانب اكتساحها لموقع دولي محترم لا يمكن تجاوزه من أي دولة كانت، لاسيما بعدما تجاوزت الدولة الجزائرية عقدة التداعيات الخارجية والداخلية، وذلك بفضل قوة المؤسسات الرسمية لها. أما جمال بن عبد السلام الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني، في اتصال هاتفي ب "الأمة العربية" فقد تمنى أن تكون عملية الاغتيال فعلا معزول الجانب وأن لا تكون لها صلة بجهات تريد أن تفسد على الجزائر أمنها وسلمها. وبهذا، سيظل اسم سي الغوثي على مدى الدهر يُحلِّق في عنان السماء كأحد أبرز الذين خاضوا ثورة الفاتح من نوفمبر الأغر، مكافحا عن بلده الحبيب الجزائر ضد مستدمر غاشم يصفه الكثيرون بالهدوء والثقة بالنفس، ويجمعون على أن هدوءه هو سر قوته وكانت الجماعات الإرهابية تضع اسمه على رأس قائمة الاغتيالات، حيث أن الجاني أنقذ حياته من محاولة تفجير إرهابية استهدفت منزله بواسطة سيارة مرسيدس ملغومة، في نفس اليوم الذي تم فيه استهداف قصر الحكومة بتفجير انتحاري، حيث أن العقيد شعيب اكتشف السيارة وأشرف بواسطة طائرة من الجو على فريق قام بتفكيك ألغام السيارة وإبطال مفعولها. رحل سي الغوثي إلى العلياء وكانت آخر كلماته التي كتبها في الدنيا "إذا أردت أن تبني دولة، فكوّن رجلا". تم إلقاء النظرة الأخيرة، صباح أمس الجمعة، على الفقيد علي تونسي بالمدرسة العليا للشرطة بشاطوناف، قبل أن يوارى التراب بمقبرة العالية. وكان أعضاء الحكومة وإطارات وموظفو الأمن الوطني وإطارات الدولة وأعضاء عائلة المرحوم، حاضرين بالقاعة الشرفية. وكان العقيد قد توفي، يوم الخميس، عن عمر يناهز 76 سنة بعدما قتل داخل مكتب للاجتماعات بمقر المديرية العامة للأمن الوطني في العاصمة من طرف العقيد ولطاش شعيب، مسؤول الوحدة الجوية التابعة للأمن الوطني، في حين جرح 13 مسؤولا أمنيا على الأقل، بينهم رئيس الأمن الولائي للعاصمة ومدير الديوان في المديرية، ليحاول بعد ذلك الانتحار بسلاحه، ليصاب بجروح ونقل إلى مستشفى عين النعجة العسكري. عملية الاعتداء أثناء عقده اجتماعا، ضم مدراء مركزيين للأمن من أجل تبليغ العقيد ولطاش قرار تنحيته من منصبه كمسؤول الوحدة الجوية للأمن الوطني وتجميد صلاحياته. ويعد المرحوم علي تونسي من أبرز رجال الأمن، ولد سنة 1937، وهو مجاهد. التحق التونسي الملقب باسم "الغوثي" بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1957 وعمره لم يتجاوز 20 سنة. كما أشرف علي تونسي على إنشاء وتنظيم مصالح الأمن العسكري إلى غاية سنة 1980. كما شغل الفقيد علي تونسي الذي هو أب لثلاثة أطفال، منصب مدير الرياضات العسكرية إلى غاية سنة 1984، ومديرا للمدرسة العسكرية لعلوم مساحات الأرض حتى سنة 1986، وبعدها عين قائدا للناحية العسكرية الرابعة، قبل أن يحال على التقاعد برتبة عقيد سنة 1988. واستدعي علي تونسي سنة 1995 من قبل رئيس الجمهورية السابق اليمين زروال، ليتولى رئاسة المديرية العامة للأمن الوطني التي أدارها بكل حكمة وقام بتغييرات خدمة الدولة وبسط الأمن، خاصة خلال إشرافه على عمليات لمكافحة الإرهاب. وفي السياق ذاته، كشفت مصادر أمنية أن الفقيد قام بتطوير كبير على مصالح الأمن الوطني، خلاف ما كان عليه في السابق، ما أعطى نتيجة إيجابية تمكنت من خلالها ذات المصالح من بسط الأمن والقضاء على العديد من الخلايا والكتائب الإرهابية الخطيرة على المستوى الوطني، وذلك بعد استحداثه لمصلحة مركزية لمكافحة الإرهاب، ترتكز على ثلاثة جوانب رئيسية، هي الاستعلامات العامة والفرق المتنقلة للشرطة القضائية، ووحدات الأمن الجمهوري، بالإضافة إلى رفع عدد عناصر الشرطة إلى 200 ألف عنصر مع نهاية سنة 2010، مع إنشاء العديد من مقرات الأمن الحضري لرفع معدل التغطية الأمنية، وكذا استحدث مصلحة لمحاربة الإجرام الإلكتروني، ووحدة محمولة جوا للأمن الوطني لمحاربة كل أنواع الإجرام من أوكاره، وهذا ما دفع إلى القضاء على العصابات الإجرامية التي سعت إلى تشتيت ودهس أمن المواطن والدولة. بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أول أمس الخميس، برقية تعزية لعائلة المدير العام للأمن الوطني علي تونسي، ونوّه فيها بمسار المرحوم في خدمة الجزائر. كما تقدم كل من رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري والوزير الأول أحمد أويحيى، بتعازيهم لعائلة الفقيد علي تونسي. أكد النائب في المجلس الشعبي الوطني وصهر الفقيد علي تونسي، في تصريح لوسائل الإعلام الوطنية بمدرسة الشرطة بشاطو ناف، أن علي تونسي كان ضحية "الثقة التي وضعها في معاونيه"، وألح صهر الفقيد على "ضرورة تطبيق القانون بحذافيره وفرضه وعدم الوقوع في فخ الثقة على حد تعبيره"، وأشار غربي إلى أنه صرح بهذا الكلام لوزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني شخصيا من أجل أن لا تتكرر الأخطاء والإستفادة من هذا الدرس. وأشار صهر الراحل علي تونسي إلى أنه كان من الواجب أن يجرد أعوان الأمن وكل من يحمل سلاحا من الأسلحة المحمولة أثناء الإجتماعات، كما هو معمول به في المجلس الشعبي الوطني، وأكد المتحدث أن الخطأ الكبير الذي وقع في قضية مقتل علي تونسي هو تمكن إطار معرض لعقوبات قد تصل إلى الفصل أن يدخل اجتماعا عقد لأجل إبلاغه بالفصل، وهو يحمل معه سلاحا ناريا. وذكّر غربي بخصال علي تونسي، الذي قال عنه إنه كان يتميز بالصرامة في العمل والطيبة في نفس الوقت.