أصبحت كرة القدم الجزائرية أشبه بالصفقة تباع وتشترى قبل اللقاء بيوم أو أكثر وتُعلن تفاصيلها لاحقا أمام الجميع، ويكون أبطالها حكام ورؤساء أندية ولاعبون الذين يقومون بالتلاعب بنتائج اللقاء الذي يذهب ضحيته اللاعبون الذين يجهزون ويتدربون للمباراة طيلة أسبوع، في حين أن طبخة تستوي على مهلها بين البائع والشاري الذي يحرم فريق من الفرحة رغم المجهودات التي قام بها وهذا كله من أجل بعض الأموال التي باتت تشتري ضمائر المسؤولين مهما كانت صفتهم، وهو الأمر الذي عاشته أغلب الأندية سواء في البطولة المحترفة الأولى أو الثانية وحتى الأقسام هواة كان لها نصيب من هذا الجانب المظلم لعالم المستديرة التي تعتبر الملاذ الأخير لأحلام الملايين من الشباب الجزائريين في الترويح عن أنفسهم من ضغوطات الحياة تسكت الجهات المعنية أو لا تتحرك – على الأقل – بما يكفي لردع لصوص الظلام. هو ما يدفعنا لطرح السؤال الآتي: ما هو مصير كرة القدم الجزائرية في ظل هذا الوضع المتعفن؟ هذه الوضعية جعلت الإتهام بالرشوة خلال مباريات البطولة الوطنية أمرا عاديا، بل وتقديم الأدلة على ذلك لا يغيّر شيئا من واقع الكرة الجزائرية، وما زاد الطين بلة رغم الشكاوى المستمرة التي تقدمها الفرق للجهات المعنية لكن هذه الأخيرة لم تتخذ موقفا اتجاهها، ولا حتى العدالة أخذت مجراها، الكل يلتزم الصمت ويبقى الجمهور هو الخاسر الوحيد، بإعتباره الطرف الذي لم يشارك في هذه المؤامرة الدنيئة التي تعقد بين الطرفين، وهمه هو تشجيع فريقه وتحقيق الفوز لا غير. بحيث تجد المطالبون بضرورة القضاء على ظاهرة شراء المقابلات في الكرة الجزائرية هم من أبرز الأطراف الفاعلة فيها، فإنهم، بالمقابل، متّهمون أيضا بتفشي هذه الظاهرة، وما يجسّد هذا الأمر، الشجارات والتي تصل مرات إلى عراك، هذا ناهيك عن تبادل التّهم والشتائم بين الرئيس المسيّر، توجه أصابع الإتهام للحكم الذي أدار اللقاء، وغالبا ما يدخل قفص الإتهام من بابه الأوسع، ويصبح المسؤول الأول الذي تحمل له نتيجة اللقاء سواء كان متورط أم لا. سيناريوهات متعددة لترتيب نتائج المباريات كثرة الإتهامات للحكّام ببيع المباريات، جعل العديد منهم يتوخّى الحذر، حفاظا على مصداقيتهم وتأمينا لمستقبلهم في سلك التحكيم، خاصة أولئك الذين يطمحون للتألق دوليا. وفي ذات الصدد، كشف حكم ل "الوطني" نور الدين زعمون: قائلا لم يسبق لي أن وقعت في مشكلة من هذا النوع لأنني أقوم بعملي وفق ما ينص عليه القانون وضميري المهني لن يسمح لي بتحطيم أحلام فريق ما لكن من الممكن جدا أن يكون بعض الحكّام، ولا أقول جميعهم، يتجنّبون الاتفاق مع طرف واحد، عادة يكون الفريق المستقبل لسهولة مهمة التحايل، ومن غير المستبعد أن يتفق الحكم، عن طريق الوسيط، مع مسؤولي الفريقين على ترتيب نتيجة المباراة دون أن يدرك أحدهما خطته وخدعته، ويتسلّم الأموال من كل فريق، حيث يعتقد الفريق المضيف أن الحكم لا علاقة له والفوز سيكون حليفه، لكن هذا الأمر زاد من متاعب التحكيم الذي وقع في يد عديمي الضمائر الذين باتوا يتاجرون بعرق اللاعبين. من جهة أخرى، في العديد من المرات يدير الحكم المباراة بنزاهة ودون تحايل، حتى يظهر أمام مراقب اللقاء الذي يعاينه وكل الجماهير الرياضية بأنه نزيه فعلا، وفي حال فوز أي فريق، وهو الأقرب إلى المنطق، كون الحكم لا تخدمه نتيجة التعادل في كثير من الأحيان، فإن الحكم المرتشي يعيد الأموال للفريق الخاسر، ويوهمهم بأنه ساعدهم كثيرا بغرض كسب نقاط المباراة، غير أنهم لم يقدّموا، من جانبهم، أي مجهود فوق أرضية الميدان حتى يمنحهم ضربة جزاء أو هدفا غير شرعي، وهذا الأمر عاشته عدة أندية التي حرمت من الفوز بسبب هذا الأخير الذي يمنح المنافس ضربة جزاء في آخر دقيقة ويمنح الفوز أو التعادل على الأقل للطرف الخاسر. حكّام التماس يلفتون الإنتباه بتورطهم أمام الملأ ومن بين أبطالها الذين لا يفوّتون أية فرصة للتعبير عن استنكارهم لتفشي الظاهرة، وهم أكبر المستفيدين والمتسبّبين في انتشارها بشكل كبير، هم حكّام التماس البعيدين عن الشكوك والشبهات، كونهم نادرا ما يلفتون الانتباه رغم تقديراتهم الخاطئة للّقطات في بعض الحالات. ويأتي ذلك، بعدما أضحى الحكم الرئيسي في واجهة الأحداث، بشكل أصبح صعبا إحكام الخطة لشرائه دون أن يخلّف ذلك فضائح، حيث أصبح عدد من رؤساء الأندية يشتري حكم التماس، لأن رايته يمكنها أيضا أن تحدّد نتيجة المباراة، حين يرفعها مثلا للإعلان عن تسلّل وهمي، أو يتعمّد عدم رفعها لترك المجال لمهاجم متسلل لتسجيل هدف غير شرعي،وكل ذلك خدمة لمصلحة فريق دفع من أجل تحقيق الفوز الذي لم يكن من حقه الشرعي بل خطفه بالمال الحرام، الذي اشترى ذمة هذا الأخير، الذي يتقاضى أجرا مقابل هذا العمل، لكن سياسة النهب التي تفشت أصبحت تسير مهام الجميع دون أن ترف لهم عين. رؤساء الأندية الطرف الرئيسي في هذه العملية يعتبر رؤساء الأندية هم الطرف الرئيسي الذي يقوم بهذه العملية فيما بينهم، بحيث يمنح لنظيره من فريق آخر، نقاط المباراة دون مقابل، أو قد تكون من باب الصداقة أو يكون غير معني بالسقوط أو لعب الأدوار الأولى، أن يحدّد القيمة المالية للتنازل عن نقاط المباراة بملعبه، للفريق الذي يكون بحاجة ماسّة إليها. لقاءات الأصناف الصغرى لم تسلم من الظاهرة ومازاد من حدة الأمر حتى لقاءات الأصناف الصغرى أصبحت محل بيع وشراء، حيث يتم شراء ذمة الحكم، وهذا أمر خطير، مضيفا ''شراء ذمّة الحكم لترتيب نتيجة مباراة ما لا تتم بشكل مباشر بين الحكم والمسؤول، رغم أن هؤلاء غير معنيين بالصعود أو الهبوط، لكن دناءة الأمر دفعت هؤلاء لشراء حتى فرحة هؤلاء البراءة الذين كل حلمهم التألق على الميدان وتحقيق الفوز، لكن السيناريوهات المشبوهة لم تسلم منها حتى مقابلات الفرق الصغرى التي تدخل اللقاء بكل ثقة عازمة على الظفر بنقاط الفوز التي يحرمها منها عديمو الضمير. التحفيزات المالية السبب في تغيير مجرى نتيجة اللقاء في الكثير من الأحيان يعتبر رؤساء النوادي تلك التحفيزات المالية التي تقدم للحكام وكأنها شكر وعرفان لهم على إدارة هذه المقابلة، تحتم على هؤلاء التحيز للفريق الذي قدم له المال وكأنه يرد له الفضل، ويجد نفسه مضطرا على تغيير مجرى اللقاء، لأنه قد قبض قبل أن يباشر عمله وحدث هذا في العديد من اللقاءات التي تكشف اللعبة على المباشر، لأن الأخطاء الفادحة التي يرتكبها هذا الأخير تجعل الجميع يشك في أمره. إعانات النوادي الهاوية توجه لشراء ذمم نظرا لكون الأندية والفرق الجزائرية تعتبر جمعيات رياضية يحق لها تلقي الدعم المالي من الدولة، من أجل التكفّل بالطاقات الشبانية وضمان تكوين صحيح للرياضيين وتجنيبهم الآفات الاجتماعية، فنجد رؤساء الأندية يتغنّون بهذه الأهداف النبيلة حتى يضمنوا الحصول على الدعم المالي، كما يضيقون درعا بالأموال القليلة التي تقدم لهم، وكأنهم يصرفونها حقا على لاعبي الفريق، بل في أغلب الأحيان يحولونها إلى مصالحهم الشخصية وتجدهم بعد ذلك يضربون أسوأ الأمثلة عن أخلاقيات اللعبة من خلال التلاعب وتبادل الاتهامات علنا. شكاوى متكررة والعدالة غائبة بعد إسدال الستار عن الموسم الكروي الحالي الذي حمل في طياته العديد من المشاكل المشابهة لهذه الفضيحة والتي ذهب ضحيتها العديد من الأندية التي واجهت خطر السقوط بسبب سياسة التلاعب بالنتائج، وهو ما جعل مصلحة العقوبات تستقبل عقب كل مباراة شكاوى من كل نوع تتعدد محتوياتها لكنها تصب في إناء واحد ألا وهو "الغش " الذي بات يسير كرة القدم الجزائرية التي تتجه إلى العدالة لإنصافها من هذه الظاهرة التي إستفحلت كثيرا في الآونة الأخيرة وباتت تتطلب تدخل استثنائي من الفاعلين في مجال الكرة. رؤساء الأندية يتهمون لاعبيهم بترتيب المقابلات مع زملائهم في ذات الصدد، يتهم العديد من رؤساء النوادي لاعبيهم بشكل صريح تواطئهم مع الفريق الذي يكون ينشط به العديد من العناصر التي تعرف بعضها البعض وسبق لها وأن لعبت في نفس الفريق لتسهيل مهمتهم في المباراة التي جل ما تنتهي بالتعادل، وهو الأمر الذي يجعل رئيس النادي يهدد بإنزال أقصى العقوبات في حق المتورطين، الذين يقدمون نتيجة اللقاء لمنافسهم على طبق من فضة، خاصة أنهم يكونون قد تعدوا مرحلة الخطر، ويصبحون غير معنيين بخطر السقوط، لذا يقدمون نقاط الفوز للمنافس كهدية. وهو ما يؤكد بأن عالم المستديرة سلك اتجاها غير صحيح بعد وقوعه في أيدي الانتهازيين الذين حولوا مسار الرياضة إلى تجارة يمتهنها العام والخاص من أجل جني المال الكافي على حساب هؤلاء اللاعبين الذين اختاروا هذه الرياضة التي أصبحت شيء مهم بحياتهم، لا يمكنهم الاستغناء عنها مهما كلف الثمن، ليقعوا ضحية سهلة بيد مافيا كرة القدم التي تشتري وتبيع المقابلات لمن يدفع أكثر، دون إكتراث للمجهود الذي يبدله ذلك اللاعب والمدرب الذي قام بمجهودات جبارة مع أشباله لتحقيق نتيجة إيجابية ليجد نفسه خارج مجال التغطية، لأن نتيجة اللقاء قد حسمت قبل أن يخوض الفريق المنافسة على البساط الأخضر الذي أصبح شكلي فقط، ولا يهم المستوى الجيد الذي أظهره الفريق المهم هو أن المال هو الذي يحدد نتيجة اللقاء وليس القدرات التي بدلت على أرضية الميدان، هو الوضع المر الذي دفع العديد من اللاعبين إلى الإعتزال والإبتعاد عن هذا العالم الفاسد الذي يسيره فاشلون ساهموا في تهديم الرياضة والقضاء على مستقبل العديد من الشباب الذين كان يشهد لهم بمستقبل زاهر، لكن لا حياة لمن تنادي هذا كله يحدث في ظل غياب الرقابة والمحاسبة من الجهات المعنية التي على دراية بما يحدث لكنها غائبة عن مسرح الجرائم التي تحدث داخل البساط الأخضر، الذي كان الوحيد الذي يحدد مصير الفريق من خلال المستوى الذي يقدمه الفريق ويؤهله للفوز باللقاء، لكن الآن قل ما يكون الميدان هو الحد الفاصل في تحديد هوية الفائز، بل المسيرون هم الآمر الناهي، وهو الأمر الذي يجعلنا نتأسف على الوضع المزري الذي آلت إليه الكرة المستديرة من فساد وتلاعب بالنتائج هذه كلها مؤشرات توحي بالتسيب والإهمال الذي يحكم المنظومة الرياضية.