في توقيت مريب للغاية، وفي ظلّ تزايد تكالب قوى الشر على الجزائر، يخرج كمال الدين فخار الذي يدّعي أنه ناشط حقوقي، ليطالب المجتمع الدولي وعلى رأسه هيئة الأممالمتحدة ب"ضرورة إيفاد لجنة تحقيق دولية لفتح تحقيق شامل وعميق "بعيدا عن ممثلي السلطة الجزائرية" للوقوف على الجرائم التي ترتكب من طرف مصالح الأمن في حق الأقلية الميزابية بغرداية، متهما النظام بالوقوف وراء أحداث العنف التي تعيشها المنطقة منذ سنوات ". هذا الكلام الخطير نقله عنه موقع "كلّ شيء عن الجزائر"، حيث استعرض من خلاله هذا الناشط، جملة ممّا إدعى أنها "جرائم ضدّ الأقلية الميزابية بغرداية"، وحذّر الدكتور فخار في الوقت نفسه مما أسماه ب"بريان ثانية" في حال عدم اتحاد السلطة لإجراءات فورية "من شأنها أن تعيد الأمن للمنطقة من خلال اتخاذ تدابير عاجلة ومعاقبة المسؤولين عن المؤامرة التي تحاك ضد الأقلية الميزابية، مشددا على أن الميزابيين مسالمون، ولا يريدون سوى العيش بسلام وفي أمن". خرجة الدكتور فخار التي استندت إلى ما حدث عقب مباراة في كرة القدم، بين فريقين محليين، من أعمال عنف متبادل، لا يُمكن فهمها في سياق هذا الحدث الذي شهدت غالبية المدن الجزائرية ما هو أفدح منه، ويكفي أن نسترجع هنا ما عاشته مدينة وهران سنة 2007، عندما سقط فريق مولودية وهران إلى القسم الوطني الثاني، حيث إشتعلت المدينة لعدة أيام، وحوّلها بعض المشاغبين إلى شبه ساحة حرب، أحرقت فيها العديد من المحلات والمرافق، لا لشيء سوى لكون منطق العنف استشرى بقوة في المجتمع الجزائري، جراء تفشي البطالة واستهلاك المخدرات بين الشباب، وتزايد وتيرة الحقرة في شتى المؤسسات والإدارات العمومية، لكن ولحسن الحظ، أن عقلاء المدينة تدخلوا بقوة، وأعادوا الأمور إلى مجراها الطبيعي. لكن في حالة السيد فخار، وعوض أن يُعبّر عن غضبه بشكل معقول، ويستحضر زاده المعرفي والثقافي للإسهام في تهدئة الأوضاع في هذه المنطقة العزيزة على كلّ الجزائريات والجزائريين، رأينا كيف أنه أعطى الأحداث حجما أكثر بكثير من حجمها الحقيقي، بل إنه سعى إلى مُحاولة تدويل حادث بسيط للغاية، كان بالإمكان تداركه في حينه، لو سارع العقلاء من كلا الطرفين إلى احتوائه، ودعوة الشباب إلى العودة إلى جادة الصواب، وما دام أنه ركب هذه الحادثة التافهة، ليطير بها إلى الأممالمتحدة كما يحلم بذلك، فهذا يدعونا إلى الغوص في فهم دواعي ودوافع هذه الخرجة البهلوانية، والتساؤل عمّا إذا كانت بريئة أم أنّ وراءها جهات مُتمرّسة في إثارة النعرات القبلية والطائفية في إطار ما يُسمّى ب "الربيع العربي"، وهي جهات أنفقت ولا تزال ملايير الدولارات لإشعال الفتن الطائفية في كامل ربوع الوطن العربي بالأخص في الدول التي لا تنتمي لنظام المماليك والإمارات، نقول ذلك، لأن رائحة الدّولارات تفوح من المصطلحات التي اعتمدها السيد فخار لإشعال الفتنة في غرداية، التي عانت لعقود من صراعات مجانية ومُفتعلة، واستطاع عُقلاؤها أن يتجاوزوها ويضعوا حدّا لها، لكن هذه المرة، يقفز على الأحداث، من يدعي نشاطه في حقوق الإنسان، ليشعلها نارا وفتنة بين الإخوة المالكيين والإباضيين، الذين تعايشوا لقرون عدة بغرداية، وكالعادة، نجد أنّ فتيل الفتنة لم يكن بسبب خلاف مذهبي أو غيره، وإنما هو خلاف كروي، تعيشه كل المدن تقريبا، وينتهي غالبا بتدخل قوى الأمن لردع المُشاغبين، أمّا إدعاء السيد فخار بأن "الأمن يقمع المزابيين الذين تُحرق ممتلكاتهم ويمنعهم من الدفاع عن ممتلكاتهم، بل وقد يصل الأمر إلى إلقاء القبض عليهم إذا أصروا على مواقفهم"، فهذا كلام يُذكّرنا تماما بما كانت تُروّج له قنوات الفتن الفضائية، كالجزيرة، التي كانت تُفبرك الأحداث والصور، لإظهار أن النظام في ليبيا وسوريا ومصر ووو.. يسفك دماء الأبرياء، ليتضح اليوم في ليبيا وسوريا على وجه الخُصوص أنّ من صوّرتهم هذه القنوات بأنهم "ملائكة الرحمة" هم من يرتكبون أبشع الجرائم في حق الأبرياء والمدنيين، ونحن من هنا، نقول للسيد فخار، أن غرداية لن تكون هي بنغازي في ليبيا، أو حمص في سوريا، لأنّ دماء أهلنا جميعا في غرداية، امتزجت بعضها ببعض إبان ثورة التحرير المُباركة، وهذا خير ضامن لبقاء التلاحم بين أطياف قاطنيها، وننصح فخار أن يُراجع حساباته، فلعبة سخيفة كهذه، لن تجد سوى من يضحك عليها في غرداية ليس إلا..