صدر حديثا عن منشورات "ألفا" كتاب بعنوان' أضواء على وادي ميزاب' ماضيه وحاضره لمفدي زكريا دراسة وتحقيق إبراهيم بحاز، والذي يتناول صاحبه الظروف التي مرت بها منطقة بني ميزاب خلال فترة الإحتلال الفرنسي وبالتحديد في سنة 1955، أين كانت المخابرات الفرنسية تسعى جاهدة إلى إفشال المشروع التحريري الوطني بضرب الوحدة الوطنية عبر فصل الصحراء الجزائرية عن باقي ولايات الوطن، ومن أجل التحسيس والتوعية بدسائس المستعمر قام مفدي زكريا وقتها بنشاط إعلامي مكثف متنقلا من تونس فإلى المغرب، مستعينا ببعض القادة السياسيين والصحف في تلك البلدان، وتدعيما لنشاطه كان يهم رفقة خالد محمد الحاج ناصر بإصدار ما يسمى 'الكتاب الأبيض حول وادي ميزاب' غير أن إلقاء القبض عليه من طرف السلطات الفرنسية في 19 أفريل من عام 1956 حال دون ذلك. يحتوي الكتاب' أضواء على وادي ميزاب' الذي جاء في 272 صفحة من القطع المتوسط، على قسمين قسم للدراسة وقسم للتحقيق، أما القسم الأول فلقد خصه الدكتور 'بحاز' بترجمة سريعة للمؤلف وتقديم وصف للمخطوط ونسخه، وكذا تقديم محتويات الكتاب مع تخصيص مبحث لأسباب تأليف الكتاب ومنهج الكاتب في تأليفه، ليخصص بعدها القسم الثاني إلى أهم الجوانب المعتمدة في التحقيق.تناول الأستاذ 'مفدي زكرياء' في مدخل كتابه طبيعة تأليفه والمنهج الذي اعتمده في التطرق للمذهبية وسلبياتها وكيف استغلها الإستعمار الفرنسي لقضاء مأربه ومصالحه، ثم تحدث عن الثورة الجزائرية التي تعمل على توحيد الشعب الجزائري، ودخل بعدها في التعريف بمنطقة ميزاب وتضاريسها ومناخها القاسي الذي حوله الميزابيين إلى واحات تنبض بالحياة. انتقل 'مفدي' إلى موضوع الميزابيين المعتزلة وعرف بمصطلح'ميزاب' وأعاده إلى جذوره ورجح أن يكون الميزابيون عربا بحكم فصاحتهم. ليعرج إلى ذكر تاريخ الدولة الرستمية وناقش مسألة الإمامة، ثم مصير الإباضية بعد سقوط الرستميين وعشاق الميزابيين للمذهب الإباضي، ولما وصل القرن 5ه/ 11 م، تحدث عن نشأة نظام العزابة التي اعتبرها دستور الجماعة الإباضية، ونظر نظرة فلسفية نقدية إلى ما يعرف عند الإباضية بولاية الأشخاص، وتوقف طويلا يناقش مسألة البداوة ضمن العلاقات الداخلية والخارجية وتحت عنوان 'ميزاب والإحتلال الفرنسي'، تحدث 'مفدي' عن مقاومة المزابيين للإستعمار الفرنسي في سيدي فرج، ثم تعرض للتجارة ودورها في حياة الميزابيين والتحالفات الميزابية مع بعض القبائل وسياسة فرنسا تجاه الميزابين ، ثم توقف يحلل ويستنتج وأبرز مكائد اليهود في ميزاب وذكر بعض الفتن الداخلية التي كانت فرنسا تحبكها ضد ميزاب. وفي الفصول الأخيرة من كتابه، عاد بنا'مفدي' إلى عمق المجتمع الميزابي ليتحدث عن طقوس الزواج والمرأة الميزابية، ونظام الأسرة الميزابية والاقتصاد الإجتماعي لوادي ميزاب. ومجملا ما يلاحظ على كتاب 'مفدي زكريا'، هو التسلسل الكرنولوجي للأحداث، واستخدامه لأسلوب سلس وشيق عند تقديمه لتاريخ ميزاب والميزابين قلما وجدنا له نظيرا في زمانه، ما ينم عن أن شخصية المؤلف ذات نظرة تبصرية للأمور وعمق فكري. إن كتاب 'أضواء على وادي ميزاب' والمقتبس من عنوان لحصصه الإذاعية، وهووقفة عند المسار الإبداعي لمفدي زكريا وحلقة تاريخية تضاف لرصيد المكتبة الجزائرية، أراد الدكتور' إبراهيم بحاز' من خلال جمع المعلومات وتمحيصها والتدقيق فيها أن يعرف القارئ بالقناعات السياسية لمفدي زكرياء والمتشبثة بالوحدة الوطنية من خلال وقوفه عند الواقع التاريخي والإجتماعي لبني ميزاب واتساع مجالات اهتمامه كشاعر ومناضل من رقعة محدودة في ولايته إلى الوطنية وصول إلى الفضاء المغاربي فالعربي.