تكهربت الأجواء مجددا ببريان وبشكل خطير جدا، صباح أمس السبت، وعادت مظاهر التخريب والحرق على نطاق واسع وعمت سحب كثيفة من الدخان المدينة تترأى للناظر من بعيد بسبب أعمال الحرق التي طالت عددا هائلا من المنازل بحي كاف حمودة وحي المداغ. وأسفرت هذه المواجهات الدامية عن مقتل رجل متقاعد "داغور عيسى" تجاوز الستين من العمر بعد تعرضه لاعتداء بطعنة سكين ظهيرة، أمس السبت، في منزله بحي المداغ. وقد قضى سكان بريان المنكوبة والجريحة، ليلة الجمعة إلى السبت، دون أن ينعموا بالراحة بعد حرق عدد من المنازل وتخريبها، وعم العنف والفوضى كل مكان من المدينة بعد حرق شاحنتين في حدود الساعة العاشرة والنصف صباح السبت في مدخل بريان على الطريق نحو القرارة. انتشر الخبر كالنار في الهشيم بين السكان وعاود جموع الشباب أغلبهم ملثمين هجوماتهم على المنازل بحي كاف حمودة وحي المداغ، المعروف أيضا بحي المجاهدين، وخاصة بالنواحي المتآخمة للمتقن. بعض هذه المنازل مهجورة منذ الأحداث الأولى وبعضها آهلة بسكانها وعائلاتها. وانتهك المعتدون حرمة النساء وتعدوا على الأعراض في مشاهد مذمومة لا تعبر سوى عن ترد خطير جدا للوضع الأمني يستدعي تدخلا عاجلا من أعلى سلطة في البلاد لوضع حد لهذه الاعتداءات الهمجية. مواطنو بريان يطالبون الجيش بالتدخل المواطنون في بريان الذين حدثونا مباشرة أو اتصلوا بنا هاتفيا، يطلقون بحرارة عبر "النهار" نداءات استغاثة ويطالبون بتدخل الجيش لحمايتهم، وعبر لنا أحد الأولياء أنه لا يطلب إلا إنقاذ أفراد أسرته المحاصرين معه في مسكنه والمهددين بالموت في كل لحظة. الوضع خطير وخطير جدا، صرح لنا مواطن. وعلمنا أنه قد تم تدعيم قوات الأمن المرابضة ببريان بوحدات تدخل أخرى للدرك الوطني جاءت، ليلة الجمعة إلى السبت، من ولاية المسيلة، وقد تم توقيف بعض الأشخاص في أماكن المواجهات لكن تضاربت المصادر حول عددهم بالتدقيق إلى غاية كتابة هذه الأسطر. وعند عودتنا من بريان نحو غرداية، شاهدنا على الطريق قافلة من رجال الدرك الوطني متوجهة إلى بريان لتقديم الدعم للوحدات المتواجدة هناك. سيارات الإسعاف هرعت عدة مرات إلى مستشفى بريان ونقلت جرحى ومصدومين وحالات إغماء، وقال مواطن وجدناه في حالة إحباط شديد أنه ينتظر مصير امرأة من عائلته وهي حامل وأصيبت بالإغماء من هول الصدمة. وأضحى التنقل عبر شوارع بريان في ظل هذه الأوضاع دون حماية أمنية محفوفا بكل المخاطر بل بشدة أكبر من يوم الجمعة، وانحصرت تحركات رجال الصحافة يوم، أمس، فقط على منطقة آمنة تضم مقر وحدة الدرك الوطني ومقر الدائرة اللذين يحتضنان باستمرارالاجتماعات الماراطونية للسلطات المدنية والأمنية لولاية غرداية. شاهدنا دخول الأعيان إلى مقر الدائرة للاجتماع بوالي الولاية في حدود الساعة الواحدة ظهرا ولم تتسرب معلومات وافية حول فحوى اللقاء، لكن علمنا أن الأعيان سيبلغون نداءات النجدة والاستغاثة التي أطلقها المواطنون وتدارس الحلول الممكنة، وشاهدنا النائب في البرلمان عن كتلة الأحرار، محمد بابا عمي، الذي يشهد له سكان بريان بالوقوف إلى جانبهم في محنتهم منذ بداية الأحداث، وكان من الصعب أن نقتطف حديثا لهؤلاء المسؤولين الذين فقدوا هدوء أعصابهم من جراء هذه الأحداث التي لم تهدأ في بريان منذ شهرين تقريبا. .. والتلاميذ يتوقفون عن الدراسة أيام الامتحانات إلى ذلك، أبدى لنا عدد من سكان بريان وأولياء التلاميذ منهم خاصة تخوفهم من رسوب أبنائهم في امتحانات آخر السنة. واستنادا إلى شهادات مواطني بريان فإن عددا معتبرا من التلاميذ انقطع عن الدراسة منذ اندلاع الأحداث وهجرة عائلاتهم نحو أحياء أخرى أقل توترا. ويتابع باقي المتمدرسين دراستهم في أجواء من القلق وعدم التركيز جراء الأحداث التي عايشوها وخلفت آثارا سلبية جدا في نفسيتهم. كما يغمر أغلبهم حالة من الخوف كلما توجهوا أو عادوا من مدارسهم، حيث كثيرا ما اندلعت مناوشات بين هؤلاء التلاميذ بالتراشق بالحجارة. ويروي أساتذة في شهادتهم ل "النهار" في وقت سابق أن عملية التدريس، في الأجواء المضطربة التي يعيشون فيها، أضحت متعبة وغير مجدية، فالأستاذ الذي يبيت غير آمن على أهله ومسكنه ويصبح متذمرا من الوضع الأمني المتردي الذي تعيشه بريان، لا يمكنه، حسب نفس التصريحات، أن يقدم شيئا كثيرا للتلاميذ الذين يعانون من الاضطراب والتشويش. وتتوقع بعض الإفادات من الأولياء أن تكون النتائج المدرسية لأبناء بريان في امتحانات نهاية السنة المدرسية الجارية كارثية إذا لم يتم بسط الأمن بسرعة وتدارك الأمور على أعلى مستوى. ومع وضع اللمسات الأخيرة على هذه الورقة، يعقد المجلس الشعبي الولائي بغرداية اجتماعا عاجلا ومفتوحا يضم المواطنين وممثلي المجتمع المدني للتباحث حول الأوضاع الخطيرة في بريان والحلول التي يمكن تقديمها للخروج من هذه "الحرب الأهلية غير المعلنة" على حسب وصف مواطني بريان.