كم هو صعب الانتظار، وكم هو مقلق، خاصة إذا كان بناء على الوعد... كانت الساعة التاسعة ليلا، ولم يرن هاتفها... دقائق وساعات تمر وهي تنظر مرة في ساعة نقالها ومرة أخرى في ساعة الحائط لربما كانت مخطئة.. أو يمكن أنها لم تسمع جيدا ما قاله لها أثناء نزولها من سيارته.. باتت تتخيل المشهد وتعيده مرات عديدة.. ظلت ليلها، بين المد والجزر... وهي تتساءل عن السبب الذي جعله لا يكلمها... - سارة انهضي إنها الثامنة... فتحت عينها على صوت جدتها.. - الثامنة لقد تأخرت عن الموعد.. قفزت من السرير وكأنها في سباق مع الزمن، تذكرت أن لديها موعد مع المحامي، خرجت من المنزل دون أن تتناول الفطور، كان هاجسها الوحيد أن تصل في الموعد، وكأن شيئا لم يحدث لها ليلة أمس... ركبت الحافلة، تبحث عن مكان تجلس فيه وجدت في آخر صف كرسي شاغر بجانب امرأة كانت تتحدث بصوت مرتفع في الهاتف.. لم تسمع من تلك المكالمة سوى: سأذهب في الغد إلى بيت سيد احمد و..... لم تعد تسمع ما تقوله المرأة.. أحست وكأن شيئا تحرك بداخلها هز كيانها كله.. ذلك الاسم الذي زعزعها.. وضعت رأسها على نافذة الحافلة وأخذت تجوب بخيالها في صورته حتى صوته باتت تسمعه وكأنه معها... آنسة.. لقد وصلنا إلى المحطة... هل تريدين أن تعودي معنا من حيث أتيت.. قال لها سائق الحافلة مازحا.. - عفوا.. نزلت بسرعة دون أن تدري إلى أين تتجه.. التقطت أنفاسها ثم توجهت إلى مكتب المحامي الذي كان بانتظارها.. - صباح الخير أستاذ.. اسمح لي لقد تأخرت ... في الواقع مشكل المواصلات والازدحام .. أنت تعرف.. لحظات قصيرة وخرجت من المكتب، لا تعرف مرة أخرى، إلى أين ستذهب... فضلت السير في شارع ديدوش مراد.. الذي كان مكتظا، وكأن شيئا كان يجرها نحو الهاتف العمومي.. أخذت السماعة وشكلت الرقم وانتظرت. - ألو.. ..أحست برعشة.. لم تستطع الكلام.. أغلقت السماعة دون أن تتكلم. إنه بخير.. صوته يدل أنه بخير، أنا المجنونة.. كنت أنتظر ليلة كاملة لكي يكلمني .. أكيد أنه لا يحبني .. كيف له أن يحبني، وهو يعرف العديد من الفتيات.. أين أنا من ذلك الكم الهائل من النساء .. لا تعرف كيف وصلت إلى منزلها، استلقت على سريرها.. لكنها قررت أخيرا أن تكلمه. - ألو.. أنا .. - كيف حالك .. هل أنت بخير يسألني بعد ماذا.. تقول.. إنه بالفعل وقح .. قالت في قرارة نفسها - ألو، سارة.. هل تسمعينني - نعم .. وأنت كيف حالك - أنا بخير وصحة جيدة .. هل نمت جيدا ليلة أمس؟ - نعم .. أعجبني فيلم أمريكي سهرت إلى غاية الساعة الواحدة. - أترككي لدي عمل كثير .. إلى اللقاء وشكرا على المكالمة. أغلق هاتفه دون أن ينتظر سماعها. أحست بأنها انتصرت عليه... نبرة صوته تغيرت عندما قلت له... صوت جدتها أوقف كل شيء