"احتجزوني.. كسوني وتكفّلوا بي صحّيا" بفيلته على بعد أمتار فقط من وسط مدينة الثنية، استقبلنا الحاج "أحمد. أ" الذي اقتادته الجماعات الإرهابية المسلحة إلى أحد معاقلها والناشطة على الأرجح تحت لواء كتيبة الأرقم على مستوى جبال الثنية، زموري وسي مصطفى، وروى لنا قصة اختطافه منذ 03 جوان الفارط إلى غاية 03 جويلية الفارط، تاريخ إطلاق سراحه بعد مضي شهر بالضبط على غيابه عن منزله. الحاج "أحمد" البالغ من العمر 67 سنة، رجل أنهكه مرض القلب الذي أصابه وكذا ضغط الدم، تقاعد عن عمله كمقاول قبل حوالي 5 سنوات وهو أب لشاب و4 بنات، أمضى شهراً كاملا بأحد معاقل الجماعات الإرهابية المسلحة التي أقدمت على اختطافه واحتجازه إلى غاية دفع عائلته للفدية التي فضل خلال الحوار الذي أجرته معه "النهار" التكتم على قيمتها المالية. وبدأ الحاج أحمد رواية قصته بالقول "إنه في مساء يوم الثلاثاء 3 جوان الفارط خرجت في حدود الساعة السابعة والنصف مساءً لأحضر جنازة وفاة زوجة أحد أصدقائي بوسط مدينة الثنية، وبعد أدائي لصلاة المغرب بالمسجد وعند عودتي في حوالي الساعة التاسعة ليلا و25 دقيقة إلى بيتي، هممت بفتح الباب وإدخال السيارة إلى المستودع، إلا أنه ظهر لي وسط الظلام خمسة مسلحين يرتدون زي الشرطة القضائية ويحملون رشاشات من نوع كلاشنكوف،ثم طلبوا مني مرافقتهم إلى مقر الشرطة للتحقيق معي في إحدى القضايا بعدما تظاهروا بسؤالي عن هوية الشخص الذي نقلته بسيارتي". وقد أمرت هذه الجماعة المسلحة الحاج "أحمد" بالتنقل إلى أحد المقاعد الخلفية لسيارته، بعدما ركب بجانبه ثلاثة إرهابيين من الخلف. في حين تكفل أحد الإرهابيين بمهمة السياقة والإرهابي الخامس جلس بجانبه في الأمام. وعن سؤالنا حول ما إذا كان قد أحس بشيء في الدقائق الأولى من اقتياده يقول: "فهمت بعدها بلحظات فقط بأن الجماعة التي كنت برفقتها ما هي إلا جماعة إرهابية مسلحة" وتأكدت من ذلك بعد لحظات قليلة من انطلاقنا بالسيارة، حيث أخبرني أحدهم أنهم من "المجاهدين" وأخذوني كونهم يحتاجون إلى المال. ويواصل " عند وصولنا إلى واد الثنية تركوا معي مسلحين. في حين تكفل ثلاثة منهم بمهمة ارجاع السيارة إلى مكان قريب من المنزل وانتظروا إلى غاية عودة اثنين منهم. في حين غاب المسلح الخامس، حيث قاموا بوضع قطعة قماش حول بصري وانطلقنا في رحلة المشي التي امتدت لساعات إلى غاية الرابعة فجرا". ولأنه مصاب بمرض القلب، فقد أخبرنا أن الجماعة طلبت منه أن يخبرها في كل وقت يحس فيه بالتعب، حيث كان يجلس بعد كل ربع ساعة و10 دقائق من المشي، إلى غاية الساعة الرابعة فجراً يقول: "وصلنا إلى مكان يشبه الخيمة مغطى بستائر من البلاستيك وسط غابة كثيفة طولها حوالي 3 أمتار ومفروشة من الداخل، حيث اتصلت بإبني وأطلعته على مكان السيارة". "أطعموني البيض والبطاطا والفلفل الحلو" وقد تولّى حراسة "الحاج أحمد" المسلحون الأربعة بالتناوب، حيث كانوا ينامون جنبا إلى جنب، يقول: "كانوا يعاملونني معاملة طيبة طوال المدة التي قضيتها رفقتهم، حيث غطوني ببطانيات وكنت أكل مما يأكلون من بيض مغلى وبطاطا مقلية والفلفل الحلو". ولإرضاء فضولنا سألنا الحاج ما إذا كان قد استحم طيلة المدة التي قضاها، فأجاب بأنهم منحوه الغسول وأحضروا له الماء واستحم مرة واحدة في حمام تقليدي. كما قاموا بكسوته يقول: "قبل إطلاق سراحي بأيام اشتروا لي قميصا بنيا وسروالا أسودا وحذاء وكذا قميص داخلي"، إضافة إلى منحه قالبا من الصابون كوسيلة للاعتذار. وبما أنه مصاب بمرض القلب، فقد كان يحمل معه نسخة من وصفته الطبية التي اعتاد أن يحملها في قميصه وقام أحد الإرهابيين بالتنقل إلى المدينة. علما أنه يجهل تماما الوجهة التي اقتيد اليها قائلا: "اقتنى لي الدواء الذي أتناوله والذي قدرت قيمته بحوالي 3500دج". ودّعنا عائلة الحاج أحمد التي كانت محتفلة بعودة رب بيتها الذي لم يغب عن منزله سابقا، مثلما قالت زوجته التي وجدت نفسها مضطرة لإخفاء قلقها المتزايد يوما بعد يوم حتى لاتزيد من معاناة أبنائها الذين لاحظنا آثار الصدمة على نفسيتهم، فمنهم من تخلى عن مزاولة عمله ومنهم من عبر عن قلقه من خلال إفتعال مشاجرات يومية، كان أخطرها إصابه أحد أفراد العائلة بارتفاع في ضغط الدم أدى إلى نقله إلى المستشفى. موازاة مع كثرة الإشاعات التي طالت الضحية والتي تركزت حول حالته الصحية المتدهورة، فقد سبق وأن وصلت مسامع العائلة خبر تعرض الوالد في فترة اخطتافه إلى أزمة قلبية، ولم تستطع الجماعة الارهابية السيطرة على الوضع باعتبارها تتواجد في عمق الجبال واستحال عليها التكفل به بسرعة وهي أكثر الإشاعات التي أثرت على العائلة والتي وجدت نفسها مكتوفة الأيدي تتضرّع إلى الله أن ترجع الجماعة المختطفة والدهم سالما غانما لإعادة الأفراح اليهم، وهو ماحدث بعد شهر بالضبط من احتجازه.