كانت قد أدت صلاة العشاء،ولا يزال الخمار على رأسها و الأذكار بين شفتيها ، جلست على الأريكة المقابلة لجهاز التلفاز، مددت رجليها و هي تسبح، سبحان الله، سبحان الله العظيم ... قلبها يدق بشدة، في كل حلقة تأمل أن ترى أي إشارة أو دليلا يرشدها إليه ... حكاية وراء حكاية ، و قصة أغرب من أخرى، و هي تتأسف و تؤفف و تستغفر، كان باديا عليها التأثر، و أولادها اعتادوا على رؤيتها على هذه الحال، في كل مرة تشاهد فيها الحصة وكان ضمن الحالات التي عرضت في الحصة امرأة، في الأربعينات من العمر جاءت من الغرب الجزائري لتقدم نداءها، علها تجد ابنها، كانت تبكي، متأثرة بغيابه عنها طوال عشر سنوات، لم تكن تدري أنه سيضيع منها بتلك البساطة، ... و بدت تقص حكايتها ... "نهضت في الصباح حممته و ألبسته ثيابه ، كان يود أن يرتدي لباسه الجديد الذي اشتراه له والده، و لكني فضلت أن أتركه إلى مناسبة أخرى، و كان موعد زفاف ابن الجارة قريب .." و أخرجت تنهيدة من صدرها .. "المهم خرجنا من البيت كانت الساعة تشير إلى تمام العاشرة صباحا، حين قصدت متجر وهران فيه الكثير من الألبسة و الخضر و كانت منشغلة باختيار السلع. الكل كان يلومها لأنها ضيعته، و كانت السبب في فقدانه ... هنا وقفت حورية مع نفسها، و راجعت ذكرياتها، و قالت في نفسها الحمد لله لم يلمني أحد على الحادثة الجميع وقف إلى جانبي حتى زوجها وان أصبح الآن يلومها على ما فعلته بحالها لكنه كان الداعم الأول لها، لم يبخلها يوما في أن يأخذها إلى الطبيب و الاختصاصيين النفسانيين لن يشعرها يوما بأنها المذنبة في فقدان فلذة كبدها "رابح" و أكملت تلك السيدة، قصتها التي تأثر بها الجميع من حضور البلاطو، حتى الأولاد انضموا إلى والدتهم التي ، لم تتمالك نفسها و أجهشت بالبكاء فقد اثر فيها حال المرأة التي كانت تقاسمها المعاناة، و في نفس الوقت كانت تحسدها لأنها تملك على الأقل صورة لابنها، و على الأقل تحمل له أوصافا، في ذاكرتها، و تحتفظ بألبسته التي تذكرها به، أما هي فلا تملك له شيء .. "عندما افترقنا لم يأخذ معه سوى حليب صدري و قرآن خاله في أذنه ... تقول في نفسها .." و لكن قوة ما كانت تدفعها إلى أن تقوم بخطوة أولى، و تذكرت نصائح المختصين النفسانيين الذين نصحوها بضرورة البحث عنه لتهدأ نفسها .... و هي كانت مترددة في باديء الأمر، خافت أن تصطدم بالأمر الواقع، خافت أن تصل إلى نتيجة محتمة و أكيدة بأنه لن يعود.