يقصدونها من مختلف مناطق الوطن وحتى من خارجه، لهدف واحد ووحيد وهو البحث عن متعة لا تفرض على الساعي إليها لا قوانين ولا حدود ولا أي شروط، هي منطقة "الكورنيش " الوهراني بقلب مدينة الباهية وهران، التي تتحول الملاهي الليلية المنتشرة بها بحلول منتصف الليل إلى ما يشبه "امبراطورات" لها قانونها الخاص، عندها تسقط كل القيم المتعارف عليها وتعوضها أخرى إلى إشعار لاحق يكون بحلول مطلع النهار * * كان يوم أحد، عندما قررنا زيارة بعض الملاهي الليلية، والوقوف على حقيقة أخرى لمجتمع لا يرحم، وتغلب فيه الطبيعة الحيوانيةوالغرائز على الطباع العقلانية. وبعد خلل في البرنامج، أجّلنا الزيارة الاستكشافية إلى اليوم الموالي، بعدما وافق الشخص الذي كانسيرافقنا على الشروع في المغامرة. خرجنا من الفندق الذي كنا ننزل به في حدود الساعة التاسعة والنصف ليلا، وكان عليناالانتظار إلى غاية حلول الساعة الحادية عشر ليلا، وهو موعد "حلول" زوار للملاهي الليلية من نوع خاص جدا، إنهن بائعات هوىهاي كلاس"، اللواتي بمجرد ما تنعدم الحركة بشوارع "فروندمار"، مثلما يطلق عليها في وهران، يتوافدن كالنحل على الملاهيالمنتشرة بالمنطقة. قبل خوض المغامرة، لم نكن ندر إن كان سيُسمح لنا بالدخول لتلك الأماكن بالحجاب أم لا، و لما استفسرنا،أخبرنا مرافقنا أنه من المستحيل دخولنا بالحجاب، وأن الأمر قد يتطور لحد اكتشاف هويتنا. بعدها نصحنا مرافقنا بعدم الدخولووعدنا أنه سيكتفي بسرد جميع الحقائق علينا بعد انتهاء "المهمة"، لكننا "ركبنا رؤوسنا" وأصرينا على الدخول " * بعدما أحدثنا تغييرات طفيفة على مظهرنا من دون نزع الخمار، انطلقت مغامرتنا نحو "الامبراطورية"، والتي دامت حتى الساعةالثانية صباحا، بدايتنا كانت بالدخول إلى ملهى ليلي مباشرة إلى "البار" التابع له، وكان المشهد ممتزجا بالقليل من السخرية مع خوفتملكنا ونحن نرى رجلا تجاوز العقد الخامس بكثير، بحكم الشيب الذي غزى رأسه، كان الرجل يرتدي لباسا أنيقا، ما دل على أنه منفئة ميسوري الحال، أو حتى من طينة المسؤولين * وسمعنا إحدى النادلات، التي كانت قصيرة القامة، لون شعرها أصفر قاتم وترتدي لباسا يكاد يغطي جزء بسيط من جسدها الممتلئ،وهي تخبر الرجل الكهل باللهجة الوهرانية "راك في دارك خويا ما تحشمش غادي نريڤليوك كيما يبغي الخاطر.. بصح عاود وليعلى ساعة"، ليرد عليها الرجل بصوت خافت لم نتمكن من سماعه، وكان مطأطئا رأسه وهم بعدها بالتسلل إلى خارج "البار". ارتبكنا حينها وشعرنا بخوف كبير، فخُيل لنا حينها أننا لن نعود سالمات إلى أهلنا، خاصة لو اكتشفوا أمرنا، غير أن الفضولالصحافي تحدى خوفنا فأصرينا على الاستمرار في رحلة المغامرة * من البار للكاباري، المعسكريات والعباسيات يغزين الملاهي الوهرانية * هن فتيات في مختلف الأعمار، قدمن من مختلف ولايات الوطن بحثا عن عمل قد يكسبن من خلاله لقمة العيش، فوجدن في الدعارةوظيفة يرتزقن منها. ولما حاولنا الاستفسار عن هوية بائعات الهوى اللواتي يقصدن ملهى "الهدف"، الذي قضيت به سويعيات، أكدلنا أحد العاملين هناك الذي عرفنا به مرافقنا، بغية مساعدتنا في مهمتنا، خاصة وأننا كشفنا له عن هويتنا، أن المعسكريات،البلعباسيات، التيارتيات وحتى البليديات هن اللواتي يقصدن الملاهي الليلية بوهران أكثر من الوهرانيات أنفسهن، إلى درجة أنهن لايستقرن بملهى معين وإنما هن في رحلة البحث عن "الملهى" الذي يجدن به زبائن كثر، ومن ثمة يجنين أموالا كثيرة. ولما سألناه عنظروفهن الاجتماعية ومستواهن الدراسي، أخبرنا أن غالبيتهن غير مثقفات والعديد منهن ظروفهن الاجتماعية جد قاسية إلى درجةأرغمتهن على دخول هذا العالم الذي لا يرحم، فمنهن من طلقها زوجها ورمى بها في الشارع فوجدت نفسها مجبرة على كسب قوتعيشها، ومنهن من تعرضن للاغتصاب فوجدن أنفسهن منبوذات من قبل عائلاتهن ومجتمعهن. ليضيف قائلا :"لقمة العيش صعيبةوكل واحدة منين جات، وكاين بنات يخدمو على عايلات. الله يحسن العون، حتى أنا كنت نخدم في شركة بقدري واليوم لقيت روحي نخدم هنا، المهم نخدم" videur" خير ما نروح نسرق أو نقتل * كانت تلك كلمات حارس بالملهى أو ما يعرف بلغة "أهل الليل" وعالم الملاهي ب "الفيدور"، الذي راح يتحدث، فقال أن القاصراتمنبوذات بملهى "الهدف"، و لا يسمحن لهن بالدخول لكي لا يشكلوا لهم مشاكل مع مصالح الأمن، على اعتبار أن "الكباري" معروففي مدينة وهران. * دخلنا "بار الهدف" في بداية الأمر، لأن الملهى في تلك الساعة كان مغلقا، وجميع الأنظار كانت موجهة إلينا لدرجة أننا أحسسنا أنناغير مرغوبات في وسطهم الذي بدا جد غريب، أخذنا مكانا رفقة مرافقنا وبقينا نراقب ونلاحظ كل شيء من حولنا، غير أننا بذلناجهدا كبيرا لكي نتأقلم مع عالمنا الجديد، وكنا نتحدث باللهجة العاصمية من دون أن نتوقف للحظة، إلى درجة أننا لفتنا الأنظار منحولنا وسمعنا إحدى بائعات الهوى تخبر زبائنها أنني من العاصمة بقولها "إيه باينة جديدة في ميليو"، غير أننا كنا في تلك اللحظاتنفكر في كيفية التقرب من "بائعات الهوى" للحديث إليهن، ومن دون أن يكتشفن أمرنا، وبين اللحظة والأخرى كانت تتوافد علىالحانة" مجموعات أخرى من "بنات الميليو" يرتدين ألبسة، فاضحة تكشف ما يمكن إبرازه والتباهي به لعرض "المزايا" والظفربصيد وفير وزبائن أكثر. وأكثر ما شد انتباهنا هو أن الزبائن الأجانب قد غزوا حانة "الهدف" بحثا عن متعة لا تفرض عليهم قيودا. " * * الإسبان والبرتغاليون يستثمرون نهارا في المشاريع وليلا في الأجساد * وأنا أقضي تلك السويعات بملهى "الهدف" الواقع بشارع العربي تبسي، وقفت على واقع مر، حين رأيت أن "بائعة الهوى" تسلم جسدها لكل من يقصدها بحثا عن المتعة، و ما زاد دهشتي في تلك اللحظات هو التوافد الهائل للأجانب والذين يقصدون "الهدف" يوميا، و حين حاولت الاستفسار عنهم وعن جنسياتهم أخبروني أن أغلبهم يقصدون الجزائر وبالضبط مدينة وهران للاستثمار بهاولإنجاز مشاريع تنموية تعود عليهم بالفائدة الضخمة، غير أنك تجدهم ليلا ينزعون ثوب "المستثمرين" ليتسللوا إلى الملاهي، التيأصبحت قِبلتهم خاصة في فصل الشتاء، فتجدهم يبحثون عمن تشبع رغباتهم الجنسية بأثمان تحددها "بائعات الهوى" قد تفوق 3 ملايين سنتيم لليلة واحدة فلا قيود، ولا شروط ولاقوانين تضبطهم وتقيدهم ، خاصة لما أكد لنا أحد العاملين أن هناك من الأجانب منيدفع أكثر من الجزائريين وبدون مناقشة * * حديث عن السياسة والاقتصاد وخليدة تومي كانت حاضرة * نعم، حتى خليدة تومي وزيرة الثقافة، كانت حاضرة بملهى الهدف، و لكن ليس بجسدها وإنما بالقرارات التي اتخذتها مؤخرا بعدماأقدمت على غلق 14 ملهىا ليليا بديوان رياض الفتح منها 8 بمراكز الفنون و6 بغابة الأقواس، خاصة بعدما تحول "مقام الشهيد" إلىوكر للملاهي، حين تساءلت أحدهن إن كان الخبر الذي نشر في الجرائد صحيح، في الوقت الذي أضافت أن "قرار تومي" يهمهاويهمهن جميعهن * تزوجت وطلقت في سن 15 ودخلت عالم الدعارة من بابه الواسع * لم يكن سهل عليّ التقرب منهن والحديث إليهن وإلا كان سينكشف أمري، لذلك اقترح عليّ مرافقي أن أخبر إحداهن بأنني قدمت منالعاصمة وأنا أبحث عمن تساعدني في الحصول على وظيفة للاستقرار بمدينة وهران، وبالفعل لقد حصل ذلك خاصة حين اقتربتمن واحدة كانت تجلس رفقة صديقة لها فطلبت منهما الإذن للجلوس إليهما، لتوافقا في الحين ومن دون أن يطرحا عليّ الأسئلة، بعدهاعرفتهما على نفسي، وبعد جملة من المقدمات أخبرتهما أنني قدمت لمدينة وهران بحثا عن الاستقرار وهروبا من أخي الذي حاولاغتصابي لمرات عدة، وأنني أفضل العمل في الدعارة أحسن بكثير من بقائي وسط وحوش، فراحت إحداهما تحدثني بطلاقة إلىدرجة أنها تعهدت بمساعدتي ومنحتني رقم هاتفها واقترحت عليّ المبيت عندها، نعم هي فتاة فائقة الجمال، 23 سنة، تزوجت في سن15 غير أنها وبعد مرور ثلاثة أشهر على زواجها، والذي كان بالفاتحة فقط، طلقها زوجها ورمى بها في للشارع، بعدما اكتشفت أنذلك الزوج الذي طالما أحبته يخونها مع امرأة أخرى في منزلها وفي فراشها. عندها وجدت نفسها ضائعة لم يأخذ أحد بيدها ، فدخلتعالم الدعارة ولم تفكر يوما في مستقبلها، الذي قالت أنه ضاع منها منذ وقت طويل، لتتعرف بعدها على شاب آخر ربطتها به علاقةغير شرعية لتنجب منه بنتا، هي اليوم في سن السادسة، دخلت المدرسة من دون وثائق، بعدما رفض الاعتراف بها. لتضيفمحدثتنا أنها تعمل حاليا بإحدى صالونات الشاي بائعة للهوى، ولما سألتها عن المبالغ المالية التي تجنيها من عملها أكدت لنا أنهاشهريا تجني بين 2 إلى 3 ملايين سنتيم وأما في اليوم فأخبرتنا بأنها تعمل بطريقة "الباس" أو "الباس فيت" وذلك في الفترة الصباحيةلتكسب من خلالها مبلغ يفوق 300 ألف سنتيم، وأما في الفترة المسائية فهي تصطاد زبائنها بالبار أو ب"الكاباري" لتقضي ليالي حمراء معهم مقابل دفعهم مبلغ يفوق 3 ملايين سنتيم، ورغم أنني حاولت التقرب من صديقتها الثانية لكي أتحدث إليها، إلا أنهاتجاهلتني، لأكتشف من صديقتها بأنها ثملة وقد تناولت كمية معتبرة من الخمر وهي في عالمها الآخر.. فلم يكن عليّ في تلك الأثناءإلا مغادرة "الكباري" وتركت "بائعات الهوى" من بعدي ينتظرن زبائهن ، لعلهن يكسبن قوت عيشهن بتلك الطريقة