لم يعد دور الهاتف النقال في وقتنا الحالي مقتصرا على كونه مجرد وسيلة اتصالية يستعملها الجزائريون لتلبية مختلف حاجياتهم الاتصالية، وإنما بات رمزا من رموز الشخصية والأناقة، ومعيار يتم وفقه وزن الإنسان، في ظل إغراق السوق بمختلف العلامات العالمية بمختلف الأحجام والأشكال والألوان. ففي وقت مضى كانت حيازته مقتصرة على رجال المال والأعمال وبعض الإطارات ومع التطور التكنولوجي وتعميم ثقافة امتلاك الهواتف النقالة لدى مختلف شرائح المجتمع وتخفيض أسعاره بعد أن غزت السوق الجزائرية، بات الهاتف ضرورية من ضروريات الحياة اليومية بالنظر لما يقدمه من خدمات جليلة للنفس البشرية، من توفير للوقت والجهد معا وإبقاء مالكه على اتصال دائم مع ذويه وأحبابه حتى ولو كانت بينهم مسافات كبيرة وفوارق زمنية. باع حذاءه الرياضي ليشتري هاتفا متعدد الخدمات غير أن الهاتف النقال اليوم خرج عن وظيفته الأساسية وصار جزء من ''البريستيج'' وجزء لا يتجزأ من الشخصية، وفي هذا الخصوص اقتربنا من بعض الشباب على مستوى شارع محمد بلوزداد والذين أكد لنا جميعهم حيازتهم على هواتف نقالة مدعمة بآخر تكنولوجيات الإعلام والاتصال والتي لا يحتاجونها عادة في حياتهم اليومية، وفي الموضوع أخبرنا ''رفيق'' انه كان يمتلك قبل هذا هاتفا نقالا سماه''صابونة''ويقصد به هاتف ''ساجام'' غير أن ملله من مضايقات رفقائه جعله يبتاع هاتف سامسونغ متعدد الوسائط، كونه كان يعاني من سخرية أبناء حيه الذين كانوا يطلبون منه تفعيل خاصية البلوتوث وهم يضحكون، مشيرا إلى أن الهاتف النقال بات مرآة عاكسة لشخصية مالكه، ووافقه في الرأي صديقه ''عمر'' الذي قال أن حتى الفتيات حاليا يرفضن الارتباط بشاب يمتلك هاتفا نقالا عاديا على شاكلة ''الصابونة''، ''الكروكوديل''أو ''القرلو''.. يضحك، مضيفا أنه عاطل عن العمل وقد اضطر للعمل لمدة شهرين متتاليين حتى اشتراه. وغير بعيد عنهما كانت هناك جماعة أخرى مقتنعة بأن كسب هاتف مماثل أولوية، تأتي حتى قبل الأكل والشرب، حيث روى لنا أحدهم أنه يعمل معهم حارسا ليليا بإحدى المؤسسات الوطنية والذي نادرا ما يتناول وجبة الغذاء وكثيرا ما يوقف سيارات المارة ليقلوه إلى حيه ومع هذا فهو يمتلك هاتفا ثمنه يقارب 70 ألف دينار، أما رضا فأكد أنه اضطر للتنازل عن حذائه الرياضي الجديد لأحد الشباب حتى يغطي مبلغ هاتف نقال متعدد الوسائط ملك لهذا الأخير، كما هناك فئة أخرى تقتني هواتفها النقالة ''الفخمة''من السوق الموازية والسوداء وبتعبير أدق من ''الدلالة'' بالرغم من أنهم يعلمون أن غالبيتها مسروقة، وبهذا الخصوص قال ''زكرياء''أنه اشترى هاتفا نقالا من نوع نوكيا''سيرروكو''من الدلالة مقابل مبلغ 9 آلاف دينار في الوقت الذي يعرف أن ثمنه يفوق بكثير مبلغ 80 ألف دينار، لا لشيء إلا لأن عامة الناس باتت تحكم على شخصية الفرد ومكانته الاجتماعية انطلاقا من نوع وشكل هاتفه النقال، فان كنت تملك هاتفا نقالا عاديا أو تقليديا ينفع فقط لاستقبال الرسائل فأنت متخلف وفقير، أما إن كان هاتفك مزودا بكاميرا رقمية وفيديو وشاشة ملونة كبيرة ونظام الجي بي آر آس والآماماس، فأنت حقا شخص مهم وسيتسابقون للتقرب منك، ويصير هاتفك مضربا للمثل في الجمال والتطور ومعه شخصيتك طبعا. يصوم عن الأكل لتعبئة هاتفه بالأغاني خلصنا خلال جولتنا التي شملت فئات متنوعة من المجتمع إلى أن غالبية هؤلاء الشباب يجهلون الاستخدامات المختلفة الأصلية للهواتف النقالة متعددة الوسائط والتي تمثل في رأيهم مجرد جهاز متطور يقدم لهم خدمات اتصالية وأخرى ترفيهية، وفي هذا الباب أخبرنا''محمد'' 15 سنة أن اختياره لابتياع واحد منها جاء بناء على رغبته الجامحة في الاستماع المتواصل للاغاني وبما أن هاتفه نوكيا 6300 مدعم بهذه الخاصية فهو يصرف أسبوعيا مبلغ 150 دينار يجمعها من ميزانية إفطاره اليومي لأجل إعادة تعبئة الآم بي 3 المدمج، ويحرص كثيرا على أن تكون أغانيه آخر ما جاد به سباق الأغاني وبالأخص نوع الآرانبي الذي يعشقه كثيرا، وكل هذا حتى يتفاخر به أمام أقرانه وزملاءه في المتوسطة. وللفتيات نصيبهن كذلك بحيث قالت''سوسن'' طالبة بإحدى ثانويات العاصمة أنها مضطرة لمسايرة الموضة وآخر صيحات الهاتف النقال، فهي تمتلك جهاز نوكيا بلون زهري جميل اشترته لها والدتها لكدها في الدراسة، وتقول أنها تستعمله لتحميل مختلف أنواع الأغاني الشرقية ولأخذ صور تذكارية مع زميلاتها تخليدا لمرحلة الثانوية شقيقها قتل عشيقها بسبب لقطة فيديو خليعة تعددت الكوارث الناجمة عن الاستعمالات الخاطئة للهواتف النقالة متعددة الوسائط والمزودة بكاميرا تصويرية رقمية عالية الجودة ومسجلات فيديو و''ديكتافون''، ولا تكاد الملفات المودعة عند مصالح الأمن وحتى لدى العدالة تخلو من مثل هذه القضايا التي تسببت في كثير من المرات في التفكك الأسري، والسبب الرئيسي فيها هو''تقنية البلوتوث''بحيث تضم هذه القضايا شكاوى عديدة مفادها انتهاك حرمات ومساس بحريات الأشخاص، منها صور فاضحة لنساء بلباس السهرات تتداول في هواتف نقالة لشباب تحصلوا عليها من عند صديقاتهم وأخرى لنساء في الحمامات الشعبية وصالونات الحلاقة وأخرى تبرز لوحات رقص لفتيات جامعيات وهن يتسامرن قامت بتسريبها إحداهن إلى صديقها على سبيل المزح لتتحول إلى كارثة، "إذا ضبطت تلميذا بحوزته هاتفا سأوقفه فورا" ولم يتوقف هذا المد السلبي هنا وإنما دق أبواب المؤسسات التربوية وتغلغل فيها،وفي الموضوع أخبرنا''محمد.م''أستاذ لغة عربية أنه يمنع تلامذته من استعمال الهواتف النقالة داخل القسم أو جلبها معهم، وأنه اعتاد على تفتيشهم قبل ولوج القسم ومباشرة بعد انطلاق حصته وأي واحد يمتلك هاتفا نقالا يتركه على المكتب، ويضيف''مللت من كوني أمارس دور الشرطي عليهم ولكنني مضطر، كون غالبيتهم لا يركزون مع الدرس''، ووافقته في الأمر الأستاذة ''مريجة'' التي قالت أنها أخذت في قرارة نفسها قرارا بطرد أي تلميذ يصر على جلب هاتفه النقال معه، بعد واقعة حدثت لها شهر رمضان الماضي بحيث كان التلاميذ يضايقونها ويطلقون نغمات خاصة بالآذان، أما ''ف.أحمد''أستاذ اجتماعيات فقال أن التلاميذ باتوا يستعملونه للغش في الامتحانات وخصوصا لدى الفتيات المحجبات والفتيان ''الهيب هوب". رجال الشرطة و...الجري وراء الفيديو كليبات بالنظر إلى الكوارث التي لحقت بالمجتمع وهدمت أجزاء كبيرة منه صارت مهمة محاربة هذه الآفة التي تفشت في أوساط الشباب وأكلت عقولهم تقع على عاتق رجال الأمن الذين باتوا يفتشون الهواتف النقالة الخاصة بالشباب أثناء المداهمات لان عددا كبيرا منها يضم مقاطع فيديو مخلة بالحياء تسيء للبعض وأخرى يتضمن أغاني تجريحية أو ضاربة للنظام، وأخرى مروجة للفتنة مثلما حدث مؤخرا في بريان وفي إقامة الطلبة، وأخرى تشيد بالإرهاب وتشجع الشباب على الالتحاق بمعاقله من خلال عرضها لعمليات سطو واغتيالات وتفجيرات وحتى تدريبات في المعسكرات. وفي هذا الخصوص يقول''خالد''شرطي من العاصمة أن أول شيء يقومون به عند توقيف المشتبه فيهم البحث عن هواتفهم النقالة متعددة الوسائط، كما كشف لنا على أن بعض الشباب ساهموا في كشف بعض شبكات الدعارة التي تنشط على مستوى الأحياء الجامعية والمراقص الليلية، وبين هذا وذاك يبقى الهاتف النقال متعدد الوسائط ضرورة من ضروريات العصر، وحلقة أساسية في سلسلة التطور التكنولوجي ومجارات التطور العالمي، يكفي فقط أن نعرف كيف نستخدمه وكيف نستفد من خدماته وكيف نحميه حتى لا يتحول إلى نقمة.