أكدت مراجع أمنية ل "النهار أون لاين"، اليوم الأحد، أنّ الحقن المخدّرة تقتل 25 % من المدمنين سنويا في بلد يحصي 32 ألف شخص يقع تحت طائلة السموم البيضاء. في معطيات حصل عليها "النهار أون لاين"، أفيد أنّ تعاطي المخدرات عن طريق الحقن يستفحل بشكل كبير وسط فئة الشباب، وبات يعرف اتساعا رهيبا في الآونة الأخيرة، ما يفسّر سقوط عدة ضحايا جرّاء تعاطي هذه الحقن القاتلة. وجرى التركيز على أنّ هذه الحقن ليست مقصورة على الشبان الذين يعانون وضعيات صعبة، بل تشمل الأثرياء أيضا، وغالبا ما يلقى مستخدمو الحقن المخدّرة، حتفهم بتعاطيهم جرعات زائدة قاتلة. وأشار تحقيق حديث أعدّه الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها، عن استهلاك الحقن المخدّرة في جميع أنحاء الوطن دون استثناء، وجرى التركيز على وجود 32 ألف مدمن مخدرات في الجزائر، وانتشار استهلاك المخدرات في مختلف الأطوار التعليمية بسبب تزايد نشاط "مافيا" هذه السموم. حتمية إيقاظ النائمين يربط خبراء كبح آفة المخدرات في الجزائر بما سماه "إيقاظ الفئة النائمة"، وحمّل أستاذ علم الاجتماع الثقافي د. حبيب بوخليفة، تفشي السموم البيضاء إلى "الانحطاط المجتمعي" والنمط الذي أفرزته ظاهرة "الأحياء المراقد". وأوعز "بوخليفة" إنّ البعد المخيف للمخدرات في الجزائر موصول بعدة أسباب أبرزها تفكّك الروابط الاجتماعية والأسرية، والانتقال من نطاق "العائلة التقليدية" إلى نمط "العائلة النووية" في أحياء/مراقد تفتقد إلى الرقابة التربوية والثقافية، ووسائل الوقاية الفعّالة رغم الجهود التي تبذلها الدولة الجزائرية في محاربة سموم تتموقع كعامل مباشر في تدمير قسم كبير من الشباب. ولفت محدثنا إلى أنّ المخدرات التي تعطي شعوراً كاذباً بالنشوة والسعادة، وتهرب بضحاياها من الواقع إلى الخيال، تفاقم رواجها بعد اتساع ظاهرة "الأحياء المراقد"، التي يتخذها ساكنوها مقارا للنوم فحسب، بعيدا عن التحلي بالحس المدني، وهذه المخدرات تقف أيضا وراء اتساع جرائم القتل المريعة التي شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة، طالما أنّ من يتعاطون السموم يصابون ب "شلل الإرادة" ويفتقدون التوازن اجتماعيا وأخلاقيا. تفعيل الدراما السيكولوجية يتصوّر "بوخليفة" بحتمية توخي مستويين من المعالجة –النفسية السيكولوجية والطبية الإكلينيكية للمخدرات، وأقحم "المعالجة النفسية المسرحية" ضمن الخانة الأولى، مشيرا إلى ارتكاز الورشة "السيكو-درامية" على الفن المسرحي كوسيلة مهمة في تشخيص وإدراك المرضى لخطورة التعاطي ورفع مستوى الوعي. وتقوم التدخلات عادة على توظيف أساليب وتقنيات الدراما في استكشاف الحقائق النفسية والتعرف على الذات والتماسك الداخلي للفرد بحكم التجارب العلاجية، وأحال دارس المسرح في الاتحاد السوفياتي السابق على مؤدى الطبيب والباحث الأنثروبولوجي النمساوي "يعقوب ليفي مرينو"، حيث ذكر الأخير: "من أبرز أضرار المخدرات، الشعور بالاضطهاد والكآبة والتوتر العصبي وحدوث هلوسات وتخيلات تفرز خوفا وجنونا واضطرابات بالجملة". ونوّه "بوخليفة" بالثمرات التي أنضجتها الدراما، إذ جسّد مدمنون أدوارً مسرحية في كثير من المراكز الطبية العلاجية، وأقرّ هؤلاء بأنّ أب الفنون شكّل لهم وسيلة للخلاص من المخدرات، خصوصا وأنّ المسرحيات منحتهم هامشا واسعا للإبداع والتركيز والإقلاع عن تعاطي السموم. ضرورة تحييد "الفراغ" واستبعاد عقلية "تخطي راسي" تشير مراجع اجتماعية نفسية إلى أنّ المخدرات في الجزائر تتغذى من محيط اجتماعي ثقافي خصوصي منطبع بالفراغ المزمن عند شريحة "المراهقين"، وفي مقابل تشديدهم على التأثير السلبي لما نعتها "الكليبات المنحطة" في نفسيات الشباب الغضّ"، يركّز من تحدثوا ل "النهار أون لاين" على أنّ تكبيل المخدرات يبقى مرهونا بإحياء "الفئة النائمة"، ويسجّل مراقبون أنّ بناء الوعي يتطلب عمل كبير سيما مع فصيل اللامبالاة الذي يرفع شعاراتية "تخطي راسي".