في هذا الكتاب الذي تنشره النهار على حلقات، والمعنون ب''مذكرات فيليبي''، وهو الرحالة البريطاني سنت جون فيليبي، المعروف في جزيرة العرب باسم ''الحاجعبد الله فيليبي''، وهو الاسم الذي أطلقه عليه آل سعود بعد زعمه اعتناق الإسلام، يكشف الرجل البريطاني الغامض الذي حيربأفكاره وأطروحاته الكثير من معاصريه، حتى من المسؤولين البريطانيين، كيف أنه دخل بلاد شبه الجزيرة العربية قادما إليهابعد رحلة طويلة قادته إلى كل من العراق والأردن، تعلم فيها اللغة العربية بشكل جعله يتحدث إلى العرب من دون تمييزه، واطلعفيها على طبائع المسلمين ومعتقداتهم، وعلم بأمزجتهم وخلافاتهم، مثلما اطلع على مختلف التيارات والمناهج الدينية السائدة فيمختلف بلاد المسلمين. ويكشف هذا الكتاب في البداية كيف أنه اشتغل بالعراق بعد عودته من الهند، معاونا لدى عدد من مسؤوليالمخابرات البريطانية في بغداد، قبل أن يسطع نجمه ويصبح مسؤولا ساميا هناك، ليتم نقله فيما بعد إلى الأردن أين كان هناكممثلا للحكومة البريطانية، وفي خلال تلك المرحلتين، تمكن رجل المخابرات البريطانية فيليبي من نسج علاقات قوية ومتينة معآل سعود، خصوصا بعدما ساندهم في نزاعهم على السلطة ضد الحكومة الحجازية بقيادة الملك علي والشريف الحسين، إلىغاية تمكن آل سعود من السيطرة على كامل الحجاز. كما يروي عميل المخابرات البريطانية قصة اعتناقه الإسلام في السعوديةإلى جانب زواجه من أميرة من العائلة الحاكمة، واقتراحه لحكومة بلاده في لندن القاضي بتشجيع ودعم آل سعود على بسطسيطرتهم على بلاد الحجاز وتطبيق منهجهم الديني المتمثل في الوهابية شريطة قبول خاص بإقامة دولة إسرائيل في فلسطين،وهو المقترح الذي لم يتم اكتشاف طلاسمه ومعانيه إلا بعد سنين طويلة. العودة إلى بغداد لقد إستقبلني في بغداد غيرترود بيل بضمة وقبلة، كان يسرها أن تسمع عما كان يجري في الجزيرة العربية أصدق الأخباروأوثقها برغم أنها كانت تأمل بصورة سرية، بعد أن إنتهت الحرب أن تبادر السياسة البريطانية إلى الصفح عن ابن رشيد لتستفيدمنه في إجراء توازن تجاه نفوذ ابن سعود المتعالي، أما ويلسن فقد تلقاني بلطف ورقة كنجم جديد بزغ في سماء الشؤونالعربية، مع جميع ما كان في منصبه الجديد من رفعة وجلال. وقد إنشغلت إنشغالا تاما لعدة أسابيع بإعداد تقرير رسمي عنالمهمة التي كلفت بها، وبعد ذلك بأيام تقبل ويلسن تقريري قبولا حسنا وأمر بطبعه لينشر على جميع الجهات المختصة وفيالوقت نفسه ساهمت في إحياء ذكرى يوم الهدنة في بغداد ذلك اليوم الذي سبق حلوله إعلان التصريح الإنكليزي - الافرنسيالمعروف في 8 تشرين الثاني حول سياسة الدولتين المقبلة بالنسبة للبلاد العربية التي تحررت من ربقة الحكم التركي.وقد اتفقتغيرترود وأنا إتفاقا تاما على أن ذلك التصريح كان تصريحا يدعو للإعجاب من حيث السياسة الحرة التي تضمنها، لكنه كانبالنسبة إلى ويلسن قنبلة أطلقت فحطمت مقدماً الجهاز الإستعماري الجسيم الذي كان يحلم بتعميمه منذ مدة طويلة على جميع بلادالشرق الأوسط ولأجل أن يسيء إلى آمال الإستقلال العظيمة التي أخذت تختلج في نفوس العرب بعد صدور هذا التصريح أصدربيانا عن سياسته هو أوضح فيه، بعد أن أطرى وثيقة 8 تشرين الثاني هذه الإطراء اللازم أن الشعب العراقي غير قادر على حكمنفسه وأنه يقترح أن يبادر إلى تدريبه في أصول الحكم عن طريق التشكيلات البلدية. وبذا أعلن عن قرب إجراء الإنتخاباتللمجالس البلدية في المدن المهمة تلك المجالس التي سيكون لها رئيس ونائب رئيس وسكرتير من البريطانيين، بينما يكونللأعضاء المنتخبين الحق التام في البحث والمناقشة من دون أن يكون لهم حق التصويت، ثم بادر في الوقت نفسه من دون أنيستشير الوايتهول إلى توسيع حدود العراق ليضم إليه منطقة الموصل التي كانت ما تزال في حوزة الأتراك غداة إعلان الهدنة،فبعث ليجمن لمفاوضة الحاكم التركي والقائد، كما أعطيت التعليمات إلى القائد الإنكليزي المحلي من قبل الجنرال مارشال الذيتولي القيادة بعد وفاة الجنرال مود في أواخر 1917، ليدعمه (يدعم ليجمن) بالقوة.إقتضى الأمر فسلم الأتراك الموصل محتجينونفذ ويلسن ما كان يرتثيه، حيث أن ويلسن كان عازما على الإستيلاء على أكثر ما كان في وسعه الإستيلاء عليه طالما كانتالفرص مؤاتية بصرف النظر عن وجود مؤتمر الصلح أو عدم وجوده.