الحلقة الرابعة فردعلى ذلك أحد الجنرالية قائلا: «إني أخشى أننا لا يمكن أن نفعل شيئا يا سيدي. حيث أن وزارة الحرب عازمة عزما تاما أن لا تورط نفسها بعد هذا في أي مجازفات عسكرية في الجزيرة العربية. لأننا عندنا ما يكفي من هذا القبيل الآن». وعند ذاك قال الرجل العظيم: «يظهر لنا أننا لا نتمكن من عمل شئ مطلقا لأولئك الناس. والآن هل في وسعك يامستر فيلبي أن تساعدنا في شيئ ؟ فإن رأيك فيما كان يحتمل أن يحدث من التطورات ثبتت صحته تماما بجميع ما كان فيه من تعطيل». وقد كان في حديثه أكثر إطراء من ذلك بالفعل كما كان سخيا للغاية، شأنه في ذلك شأن العظماء الحقيقيين فقط. فرددت علييه بقولي: «أنه ليس هناك أي مجال للذعر والهلع من قبل كل شيئ. حيث أنني لا أعتقد أن الوهابيين يعقبون انتصارهم الآن». فبانت عليه سورة الغضب، لكنه ضبط أعصابه ليقول: «أرجوك مستر فيلبي لا تكن أحمقا» - أظن أنه تفوه بهذه الكلمة، أو كانت شيئا من هذا القبيل على كل حال- «حيث أن تقرير وكيلنا يشير إلى هذا، ومن المؤكد أن الوكيل البريطاني هناك يجب أن يعلم عما يقع هناك بالفعل أكثر مما يمكنك معرفته». فرددت عليه بجرأة:«كلا، فإنه لا يستطيع معرفة غير ما يخبره به الشريف الحسين، ونحن أدرى بمقدار الثقة التي نضعها في مثل ذلك. كما أن أقوال اللاجئين لا يُعتد بها - حيث لم ير أحدهم وهابيا واحدا. وأنني مازلت على اعتقادي أن الوهابيين لا يقومون بعمل آخر بعد انتصارهم هذا. ولابن سعود سيطرة تامة على رجاله، وهو أعقل من أن يضع نفسه في موضع يخطئ فيه معنا بمهاجمة الحجاز». فأجابني بقوله: «أن هذا لا يساعدنا مطلقا يا مستر فيلبي، لأننا يجب أن نعمل بموجب المعلومات التي بعث بها إلينا الرجل الموجود هناك بالفعل، وأن الوهابيين بالنسبة لما عندنا من المعلومات ربما يكونون الآن في مكة أو على أبواب جدة». فرددت على ذلك قائلا: «أنه لنفرض أنهم يتقدمون الآن فإني معتقد بأنه من السهل علينا أن نقنعهم بالتوقف أو بالرجوع إلى خارج الحدود. فاستفهم بقوله «كيف؟» مع شيئ من الحدة في نبرات صوته. فكان جوابي: «أن القرار الذي اتخذ في اجتماع هذا المؤتمر الأخير يجب أن يقلب قبل كل شيئ، ويجب أن نوافق على أن يسمح لابن سعود بأن لا يأخذ الخرما فقط بل أن يأخذ التربة أيضا التي استولى عليها الآن والتي سوف لا يتنازل عنها. وأني أتكفل أنه سوف يكون مقتنعا بذلك. فإذا وافقتم على ذلك فليس عليكم سوى أن تبعثوا رسولا إليه، وسوف ينسحب عن الحجاز على وجه التأكيد». فرد علي بقوله: «لكن الوقت أضيق من أن يسمح بإرسال أي أحد إليه، وربما يقوم الوهابيون الآن بذبح الناس في مكةوجدة». فكان جوابي: «أن في وسع الكولونيل ويلسن أن يذهب لمواجهته من جدة أو أن طائرة يمكنها أن تأخذ رسولا من هنا ليصل إلى هناك في ظرفية يوم واحد أو يومين».وعند هذا أخذ يفكر عدة ثوانٍ ثم قال: «هل أنت مستعد للذهاب؟» فكان جوابي: «أنني مستعد للذهاب الآن». وعندئذ أجاب قائلا: «أن هذا هو الأمل الوحيد، وإذا وافق المؤتمر سيقوم الميجر يونغ بإحضار الطائرة اللازمة لتأخذ المستر فيلبي في الحال. أتمنى لك الموفقية يا مستر فيلبي».وبناء على هذا اتخذت الترتيبات اللازمة لتطير إحدى الطائرات يوم الجمعة إلى القاهرة أولا حيث يتحتم علي مقابلة الجنرال اللنبي، الذي أصبح الآن مندوبا ساميا، للتزود بتعليمات أخرى. وقد علمت خلال الفترة أن الجنرال اللنبي صدرت إليه التعليمات بإرسال سرب مؤلف من ست طائرات إلى جدة لاستخدامها إذا دعت الحاجة لذلك، كما أرسلت التعليمات إلى ويلسن في بغداد أن يبرق بوجوب قطع المنحة الشهرية عن ابن السعود. وقد سررت كثيرا بتبدل الحكم تبدلا رسميا بشأن النزاع على الحدود بحيث لم أجد مجالا لقلق من جراء هذه المشاكل الطفيفة التي يمكن أن تعالج فيما بعد، وبطبيعة الحال كنت مسرورا لفكرة عودتي إلى ابن سعود.