عندما نتحدث عن الهجرة غير الشرعية أو بما هو معروف بالحرقة نعرج مباشرة على حجم المأساة التي خلفتها هذه الظاهرة في أوساط العائلات الجزائرية عامة والمستغانمية خاصة، فمستغانم شأنها شأن باقي المدن الجزائرية الساحلية شهدت هي الأخرى استفحالا في الظاهرة والتي سجلت أولى المحاولات خلال شهر ماي 2007 انطلاقا من شاطئ البحارة بأولاد بوغالم لتعمم فيما بعد على باقي الشواطئ المنتشرة على شريط ساحلي يقدر طوله ب 124 كلم. شاطئ بن عبد المالك رمضان، صلامندر البحري وشواطئ عشعاشة وسيدي لخضر وغيرها، كانت الوجهة واحدة وهي بلوغ ما وراء البحر إلا أن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن ليتنوع مصير المغامرين بين موقوف ومتشرد بشوارع أوربا وميت ومفقود، وفي كل الحالات خلف الحراقة وراءهم دموع أمهات لن تجف وآلاف الأسئلة عالقة في عقول ذويهم دون أن يجدوا لها إجابة. 21 حراقا بمستغانم في عداد المفقودين وبين استسلام بعض الأهالي لقرار سجن أبنائهم بعدما أوقفوا من طرف مصالح الأمن سواء كانوا على أهبة الرحيل أو في عرض البحر وسط تفكير غير منقطع على مستقبلهم المجهول عقب خروجهم من السجون تبقى المعاناة أكبر حجما وأثقل وزنا للعائلات التي يعد أبناؤها في عداد المفقودين، حيث سجلت مستغانم ما يزيد عن 21 حراقا مفقودا حتى اليوم وانقطعت أخبارهم نهائيا، ناهيك عن معاناة عائلات المتشردين والموتى التي التمست النهار جزءا منها عبر صور متعددة لهذه المعاناة على اختلاف الحالات. "لامية" تصطدم بالحرقة التي أعاقت مشروع زواجها "لامية" البالغة من العمر 26 سنة بائعة بإحدى المحلات التجارية بوسط المدينة هي إحدى شابات مستغانم، حولت الحرقة حلمها إلى رماد حيث كان من المنتظر أن تتزوج هذا الصيف إلا أن هاجس الحرقة وقف حجرا عثرة في طريقها بعد أن تخلى عنها خطيبها في رحلة نحو ألميريا تحولت نحو المجهول بعدما أقنعها بأنه يريد تحسين وضعيته المادية وفور استقراره يعود لاصطحابها رغم أنه كان عاملا بمرتب شهري يكفيه لإشباع متطلبات الحياة حسب ما صرحت به "لامية" للنهار، مكتفية بقولها "الخلطة والريان" هما السبب، وفي عشية وضحاها أصبح في تعداد المفقودين فلم يستقر في وطنه ولا في وطن الغير. معاناة "الحاجة الزهرة" بتكفلها بابنها المتشرد بإسبانيا هي صورة لمعاناة أم وحرقتها على فلذة كبدها البالغ من العمر 31 سنة الذي وصل إلى ألميريا الإسبانية لكنه وجد حياة التشرد تنتظره، مبلّغا والدته عبر مكالمة هاتفية أنه يقتات من القمامات، هذه الأخيرة ورغم محدودية منحة التقاعد التي تركها لها زوجها المتوفى وعدم قدرتها على تغطية مصاريفها ومصاريف ابنها البطال لم تتوان في الاتصال بأختها بإحدى البلدان الأوروبية بتخصيص مبلغ شهري لابنها تغنيه شر البؤس والتسول على أن تسدد المبلغ بالدينار لأبنائها بأرض الوطن، وعن حجم معاناتها في توفير المبلغ تقول الحاجة الزهرة "زادني همه" حسب تعبيرها رغم أنه كان عاملا بإحدى المستثمرات الفلاحية بالولاية. هي عينات من معاناة عائلات فقدت أبناءها بعدما ضاقت بهم الحياة فاختاروا الهجرة إلى الضفة الأخرى فمنهم من لقي حتفه قبل بلوغ مبتغاه ومنهم من لازال في عداد المفقودين والبعض الآخر نجح في المرور ليصطدم بحياة البؤس والتشرد عانى ذووه من آثارها ومن حسرتهم على مفارقته.