قد يتساءل القُرّاء عن جدوى ''روبورتاج'' يتعلق ب ''أصحاب الرجلة'' أو ''لي فور تات'' كما يطلق عليهم، وكيف ل''النهار'' أن تسلط الضوء على قضية نعاينها في يومياتنا بكل تجلياتها. أردنا التطرق إلى هذا الموضوع، لوصف واقع هو موجود فعلا في حياتنا جميعا، ولكن ليس بوسعنا أن نلم بكل تفاصيله أو معرفة أسراره، إلا إذا توغلنا أكثر في هذا الوسط المليء بالغرائب والمفارقات، لنحاول الوقوف عند حقيقة ''أصحاب الرجلة''.. من هم، كيف نشأوا ولماذا صاروا على ما هم عليه. هل هم جناة أم ضحايا ظروف اجتماعية عصيبة، قبل أن يكونوا ''كما ينظر إليهم البعض'' مصدر خوف وتوتر، وهل صحيح ما يشاع عنهم بأنهم ''حثالة'' باطن الأرض خير لهم من ظهرها وأنهم الشر كله وحيث ما حلوا أو ارتحلوا غاب عن الحياة طعمها. أليس من الديمقراطية قبول الرأي والرأي الآخر، فلنجعل هذا الروبورتاج حول ''عالم الرجلة'' رأيا آخر، ولنحاول الإستماع إليه لعلنا نكتشف جوانب لم نكن نتوقعها أو لم يحصل لنا السبق في معرفتها عن قرب من خلال الإحتكاك بشخصيات هذا الربورتاج الذي تعرضه ''النهار'' على قرائها على غير مثال سابق. الطريق إلى عالم ''الرجلة'' أو ''القومانة'' ''الرجلة'' كما يسميها العاصميون أو ''القومانة'' عند سكان الشرق الجزائري ولها مرادفات أخرى في غرب وجنوب البلاد، عالم خاص له خصوصياته وإن صح التعبير ''أدبياته'' من ألفاظ وسمات، فيكفي أن تشاهد أحدهم ب ''منڤوشة في الأذن'' أو ب ''قردون خلف الرأس'' مع روتوشات خنجر على اليد.. أو ''كيات ڤارو على أحد ذراعيه'' وبقايا لعاب على شفتيه أثناء الحديث، أضف إليها مشي متثاقل مع نظرة عين خادعة وصوت خشن نشاز، وقاموس من الألفاظ يعجز ''سيبويه'' عن فك طلاسمه، لتعرف أنك أمام ''رجلة'' أو ''باربو'' حقيقي وقد يكون ''طايوان'' بمعنى ''رجلة أنتاع كارط''. من هم هؤلاء؟ هم شباب اختلفت حولهم الآراء، هل هم جناة جنوا على أنفسهم وأهليهم بهذا المسار، أم هم ضحايا لبيئة وظروف اجتماعية قاهرة. سألنا السيد ''ب.ج '' وهو قاطن في بوروبة عن ''أصحاب الرجلة'' الذين يعرفهم ورأيه فيهم، فأجاب بأنهم شباب ''فيهم وعليهم'' كباقي الناس ربما منهم من لم يختر هذا الطريق عن قصد إلا أن الظروف القاسية ساقته إليه، وهناك من يحب ''الخلايع''، ''بدأها بمدام كوراج حتى لقا روحو في لا فارج''، ''خرجو بكري من ليكول، لقاو ارواحهم فالشارع والشارع اليوم ما راهوش يربي كي زمان''. صراع لبسط النفوذ.. في عالم ''الرجلة'' كي تصنع لنفسك اسما -حسب قانونهم- لا بد أن تمر عبر طريق شاق شعاره عدم الخوف ''ما كاش مارش آريار ''، ''فونس''، كما أكد أحدهم مضيفا ''الرجلة الحقيقي هو الذي لا يعتدي على الناس ولا يحڤرهم، بل ''يديه النيف أو ما يحبش الظلم''، في حين ذهب آخر إلى اعتبار ''لفورتات'' ظلموا أنفسهم وأهليهم حينما ارتموا في هذا العالم المليء بالمشاكل.. شجارات، اعتداءات بكل ما يخطر ببالك من أسلحة بيضاء سيوف، خناجر، ''فيزي اربون'' وقد تصل في بعض الأحيان إلى استعمال أسلحة نارية، لا لشيء سوى لفرض الذات المتعجرفة وحبها إخضاع الآخرين. وليس غريبا كما جاء على لسان ''ب.م''، دهان يقطن شرق العاصمة، أن نجد بعض الشباب يدمن على رياضات المصارعة وكمال الأجسام لاكتساب حصانة ضد الإعتداءات عند البعض، واتخاذها وسيلة للتغلب على الخصوم وصناعة اسم تردده الألسن في دهاليز ''الطريق العوجة'' عند البعض الآخر، وفي هذا الإطار سرد لنا أحد المقربين من الوسط حكاية شاب مصارع من أحد الأحياء الشعبية شرق العاصمة، كيف أنه استطاع أن يصبح كما يقول المثل العربي ''أشهر من نار على علم''، بعدما خاض معارك لا حصر لها ضد حراس ملاهي ''لي فيدور'' وقهرهم، ليتحقق له بعد ذلك بسط سلطانه على هذا الملهى أو ذاك، فيأكل ما يشاء هنيئا ويشرب ما يريد مريئا ''والخلاص من لحيتو بخرلو''، بمعنى على عاتق صاحب الملهى. صيادو الجوائز لسنا هنا بصدد الحديث عن أفلام ''الوستيرن'' كما يتبادر لذهن القارئ من خلال العنوان، وإنما لكشف وقائع تغيب عن الكثير من القراء، تتعلق بنشاط ''الهزية'' أو ''القومانة''، أين أفاد ل''النهار'' السيد ''ز.م'' تاجر بشأن أحد ''الرجلة'' معروف جدا، وهو من أبناء حيه، أنه كان يقوم بسفريات إلى بعض ولايات الوطن من أجل التدخل لإخماد توتر ما في ملهى أو طرد ''باربو'' يسبب الصداع لصاحب الملهى ويفسد عليه ''لاجورني'' مقابل عرض مادي مغر قد يصل إلى''سيارة'' كما حدث مع أحدهم. للإشارة، فإن بعض الناشطين في التصدير والإستيراد يلجأون في مرات عديدة إلى هؤلاء من أجل استرداد ديون لهم عند الغير مقابل عمولة لا بأس بها، هذا بغض النظر عن الهدايا الأخرى المتمثلة في ملابس''ماركة'' يقدمونها لهم في مناسبات معينة وفي غيرها تقربا وتزلفا من هؤلاء حتى يحقق التجار ما يسمى ''المكاتفة'' حتى يضمنوا حماية ناجحة لهم ولتجارتهم. مشاهير من نوع خاص في إستطلاعنا هذا تجولنا في بعض أحياء العاصمة بشكل عفوي ودون اختيار حي معين قد يكون ضمن أحياء ''الرجلة''، سألنا بعض الشباب من مختلف الأعمار عن رجلة من ''تيلام'' فكانت المفاجأة، شباب من تيلملي إلى ڤاريدي وغيرها من الأحياء يحيونك بمعرفتهم أو سماعهم عن الشخص ويخوضون في سرد مغامرات له وصلتهم عن طريق السماع، حتى يخيل إليك أنك في أيام العرب الجاهلية أو أنك في ''حومة'' و''داحس والغبراء'' أو إغارة ''الزير سالم'' على بني عمومته، وعندما اكتشفنا أن هؤلاء يزاحمون عنتر يحيى وزياني ومغني في الشهرة بين فئات المجتمع بالرغم من أن لاعبي ''الخضر'' كانت وراءهم دعاية كبيرة من التلفزيون والراديو ونتائج ايجابية في كأسي إفريقيا والعالم، إلا أن أصحاب الرجلة يتفوقون عنهم في الهجوم، لا يدافعون كثيرا ويهاجمون باستمرار. حينما يبحث الأمن عن الحماية عند.. لعل من أغرب ما سمعناه ونحن نعد هذا الروبورتاج، أن أحد أعوان الأمن استجار عند ''رجلة'' ليحميه من آخر كان قد توعده بإدخاله الإنعاش وبعد تدخل هذا الأخير عادت الأمور إلى نصابها كأن شيئا لم يكن. وقد تستغرب أيها القارئ حينما تسمع عن خدمات -إن صح التعبير- متنوعة يقدمها بعض من أصحاب الرجلة، مثل رد بعض المظالم أو التدخل لإرجاع أشياء سرقت من ضحايا وكذا مساعدة آخرين على الزواج، حتى أنه في دردشة جمعتنا مع أحدهم أسر لنا بالكم الهائل من الشاكين الذين يطلبون مساعدته لهم من أجل استرجاع حقوقهم.. فهذا من أجل ''بورتابل'' سرق منه، وأخرى سطوا على بيتها وسرقوا حُليها، و''وليد فامليا اداولو البوست انتاع الطاكسي''، إلى غير ذلك مما جعله يمازحنا بأنه سوف يضع لافتة على واجهة منزلهم مكتوب عليها ''مقر إيداع الشكاوى''. ولعل في الأخير يجدر بنا أن ننوه إلى ضرورة الإحتكاك بهؤلاء ليس من أجل التأثر بهم وإنما من أجل مساعدتهم على الإندماج الإجتماعي وعدم تركهم لأنفسهم أو لأصحاب السوء، وهذه خطوة في اتجاه تأمين مجتمعنا من عوامل التفكك والضعف والتي تعمل الدولة الجزائرية عبر برامج معدة وآليات تنظيمية من أجل إعادة إدماج النزلاء في رحاب مجتمعهم ودولتهم.