قال تعالى: "أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون" قال تعالى: "وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً" الإسراء الآية 49، وقال أيضا: "كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" سورة الذاريات الأية 17و18. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟" متفق عليه. يقضي معظم شبابنا اليوم في الجزائر ليله أمام التلفاز لمشاهدة البرامج التلفزيونية والأفلام، أو مع الهاتف يحدِّث فلانا أو فلانة، مخالفا الفطرة التي جبل عليها في الأزل، فلا يفكّر في صلاة ركعة واحدة لله عز وجل، ويعجز حتّى عن إسباغ الوضوء والنوم على طهارة، كما حث على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "من بات طاهراً بات في شعاره ملك، فلم يستيقظ إلا قال الملك، اللهم اغفر لعبدك فلان فإنّه بات طاهراً" رواه الطبراني. ومن شدّة إحكام الشّيطان على قلوب بعض الشّباب اليوم، فإنّهم يقضون الليل كله يتحدثون في الهاتف، بغض النّظر عن طبيعة المكالمة، فإذا جاء الصبح وسمع المؤذن يؤذن للصلاة، استأذن من محدثه، وقال له: لقد أدركنا الفجر ولم ننم، لا بد أن ننام قليلا الآن ويدخل في فراشه وكأن الأذان ذَكََّره بالنوم ولم يُذَكِّره بالصلاة، التي وضع الآذان لأجلها، لنصبح بذلك جنودا للشيطان بمعنى الكلمة. وفي الأثر قال الشيطان عليه لعنة الله: "عجبا لابن آدم يَدَّعي محبة الله ويعصيه، ويَدَّعي عداوتي ويطيعني"، إنّ هذا قول الشيطان أيها الإخوة يعلنها صراحة، لأنه يعلم أن قلوب هؤلاء أصبحت خرابا يعبث بها كيف يشاء، فهل نجعل لهذا اللعين حظا من قلوبنا بعد اليوم، وسوف يقول أيضا يوم القيامة ساخرا من أتباعه، كما جاء في كتاب الله: " وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ، إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم" سورة إبراهيم 22. "البونيس" .. أعاد مصطلح رهبان اللّيل لشباب الإسلام ولكن في .. يعتبر أغلب الشّباب الجزائري اليوم حلول اللّيل من أعظم النعم التي منَّ الله بها على عباده، ليس لأنّه يريد النّوم فيستريح من مشاغل النهار أو القيام والصلاة فيختلي بربه، كما عرف عن حكايات الليل مع الصالحين، وإنّما ليجرب أرقام هواتف تحصل عليها من جدران الشوارع، أو أصدقائه ورفاقه، أو حتّى تشكيل أرقام افتراضية عسى أن يجد فريسة يقضي معها ليله الذي أصبح يؤرقه طول فراقه. وأمام الإمتيازات التي يوفرها متعاملو الهاتف النقال في الجزائر، في إطار المنافسة على اكتساب أكبر قدر من الزّبائن، وجد هؤلاء الشّباب في المعاكسات الإفتراضية الليلية، متنفسا له للهروب من الواقع، واستجابة لأوامر الشيطان الذي يمده بالإرادة والعزيمة للإيقاع بإحدى الفتيات، فينال بها مُباركة إبليس، وتَسْعد بذلك نفسه الأمّارة بالسوء، على أمل أن يجد أخرى في اليوم الموالي. ولا شك أنّ هؤلاء الشباب يجدون قوة وقدرة على تحمل مشقة السهر فقط لأنّهم يرتكبون محرما، وأنا في هذا المقام أدعو نفسي وإياكم أيها الإخوة إلى تغيير هذا النمط ولو يوما واحد، نقوم فيه بإسباغ الوضوء ثم ليحمل كل واحد منّا مصحفا ليقرأه، أو كتابا مفيدا، ليرى ما سيكون من هؤلاء الثّلاثة الذين أُمِرْنَا بمحاربتهم، "الشيطان، النفس والهوى"، فلا شك أنّ عيني الواحد منّا ستُغمضان دون استشارته وكأنّه لم ينم دهرا كاملا. ليال حمراء يقضيها شبابنا في طاعة النّفس والهوى .. والشيطان واقتربت "النهار" من بعض الشباب للإستفسار عن دافع هذه المكالمات الماجنة التي جعلت منهم رهبانا باللّيل، نياما بالنهار-لأنك لا تجدهم إلا بعد صلاة الظهر-، فقال في هذا الصدد رياض أحد الموظفين؛ أن هذه المكالمات تعد متنفَّسًا له، واعتبرها طريقة جيدة للتعارف، خاصة مع الفتيات لأن بإمكانه الحديث في أمور كثيرة دون اضطراره للإفصاح عن هويته، مشيرا إلى أن ذلك راجع إلى الفراغ الذي يعيشه، خاصة في فترات العطل. ومن جهتها تروي إحدى الفتيات عن صديقتها، أنّها تقضي الليل مع أي شاب أخطأ في رقمها أو تعمّد الإتصال بها، فهي تنتظر على أحر من الجمر أن يرن هاتفها ليلا، فتقضي ساعات تتحدث بالهاتف، وتقول: حتى إذا أردت إيقاظها صباحا لصلاة الفجر، تحججت بأنّها متعبة ولم تنم طول الليل، فهذه تكون قد قامت الليل لكن بماذا وفي أي شيء، للشيطان طبعا وهوى النفس، مخالفين الفطرة التي أمر الله بها في قوله:"وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا" سورة الفرقان64. وقال بعض محدثو "النهار" في هذا الشأن؛ أنه يجد حلاوة ومتعة في هذه المكالمات، لأنّها ذات طابع خاص وتكون في سكينة من الناس كل قد اختلى برفيقه أو رفيقته، يكون أنيسه فيما يجد من ضنك العيش، ووحشة الليل كما يقولون. قال تعالى:" أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون" ولم يقل أحد أن الأنيس هو الله، عدا البعض الذين اكتفوا بالقول: إن الليل خلق لراحة العبد وليس للسهر في المحرمات، طبعا لأنك لن تجد من يقول بأنه يقوم من الليل ولو ثلثه أو ركعتين منه. ولا يعني هذا أن مجتمعنا قد خلى من وجود الصالحين، إلا أنّه وللأسف في هذا الزمان وفي غيره، نجد أن أهل الطاعة يخفي طاعته خوفا من الرياء، لكن أهل المعصية يجد حلاوة في إشهارها والتصريح بها، فقد قال تعالى:" أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون"، وأخبر الله هنا عن بعضهم على عهد رسول الله من كانوا يتحججون بأن هذه النعم دليل على أنهم محبوبون عند الله، وقال بل ذلك استدراج وإملاء ليس إلاّ. ولن يخرج مثل هؤلاء في عصرنا عن هذا النهج، ذلك أنهم يعتقدون بأن سهولة طرق باب المعصية، وإدراك غاية الغريزة نعمة من الله، ويقول في هذا بعض العلماء؛ أن أعظم العقوبات هو أن يفرح العبد بالعقوبة نفسها، معتقدا أنّها نعمة من الله عز وجل وليست استدراجا، ومن ذلك أن أحمد ابن حنبل أتاه رجل فقال له: يا إمام ما أكثر الداعين لك بالخير، فبكى الإمام، فقيل: ما بك قال: أخاف أن يكون استدراجا من الله عز وجل.