أنا سيدة مطلقة لدي طفلة في الثامنة من عمرها أكفلها بحكم قانوني، وعلاقتي بوالدها أكثر من جيدة، فأنا آخذ رأيه في كل صغيرة وكبيرة تخص ابنتي، هذا الأخير يا سيدة نور تزوج فأبلغت ابنتي بذلك، وصورت لها زوجته على أنّها ملاك، وإذا بابنتي تحبها وتريد أن تعيش معها بدلا مني، وعندما تكون عندها لا تسأل علي، وتبكي عند عودتها، وعند عتابها تقول أنّها تحب والدها وزوجته بجنون وترغب بالعيش معهما، للعلم أنا أقيم مع والدتي ووالدي. سيدتي نور أنا في حيرة من أمري، هل ابنتي تحبني أم تحب زوجة أبيها أكثر منّي؟ وهل بالفعل تريد أن تعيش معها، فكيف أتصرف لكي أسترجع حبها لي، وأنا التي أفنيت عمري في عمل مزدوج فترته ممتدة لأكثر من ثماني ساعات، لأجل توفير طلباتها المادية، فرغم غيابي عنها فلا شيء بنقصها لأنّها تجد كل الرعاية من طرف جدها وجدتها. الأم الحائرة الرد: أثرت فيّ مشكلتك كثيرا، وحز في نفسي سؤالك هل تحبني ابنتي أم تحب زوجة أبيها أكثر مني؟ ولعل هذا السؤال كان كافيا لتوضيح مشاعر حزنك، رغم أن سطورك القليلة لم تعبر كثيرا عن معاناتك الداخلية. اسمحي لي أولا أن أقدر لك ولوالد طفلتك تفاهمكما رغم الطلاق، فهذا نادر الحدوث وأشكر تقبلك لزواجه لدرجة أنك صورت زوجته لابنتك على أنها ملاك كما قلت أما بعد: عزيزتي، أرجو أن تتقبلي كلامي بروح متفهمة، فالله يعلم أنني أتمنى لك ولصغيرتك كل الخير، وإن كان في كلماتي ما يحزنك فاعذريني، لأنني كالطبيبة ومهمة الطبيب إذا وجد ورما في الجسم فلا يعالجه بالمراهم والأدوية، بل لا بد من استعمال المشرط لإستئصاله، ولذلك أعتذر منك إذا قمت بتوضيح بعض الأمور بأسلوبي الجراحي المؤلم، لكنني أراه ضرورة لا بد منها، لأساعدك أن تضعي يدك أنت على موضع الخلل، وتكتشفي العلة، ولعلك بعدها تخرجين من هذه الأزمة إن شاء الله. لا بد أنك تدركين أن الحرمان في الطفولة شديد الأثر على نمو الطفل النفسي آجلا وعاجلا، سواء كان حرمانا عاطفيا أو ماديا، فكيف للإنسان أن يشعر برغبة الإستمرار في حياة لا يجد فيها من يحبه ويمنحه كامل الإهتمام، إذ الرغبة في أن نكون محبوبين دافع فطري يتحكم فينا جميعا، هذا في حال الكبار الناضجين، فكيف بمن هم في سن كسن ابنتك؟ فهي بحاجة إلى الحب والرّعاية، فكيف لم تتفطني لهذا يا عزيزتي، هل يعقل أن تمضي أم مع صغيرتها ساعات قلائل فقط كل يوم؟ ستقولين أنك مضطرة للعمل، وأنا معك فالدنيا تجرنا جرا إلى مستنقع المادة، لكن أي عمل هذا الذي يشغلني عن أعز ما أملك؟ أي واجب هذا الذي يعيقني عن أقدس واجب؟ إن واجب المرأة الأول هو الأمومة منح الحب، والعطف، والرعاية، والحنان، كل هذه المشاعر لا يمنحها أب ولا جد ولا جدة ولا أي أحد، لا يمكن لأحد أن يملأ الفراغ العاطفي الذي تتركه الأم أبدا، يموت الأب يموت الأخ والعم فتبكي العين حينا ثم تكفف الدموع، لكن القلب يبكي وتبكي روح الروح حين تموت الأم. أه يا عزيزتي، تجاهلنا فطرة المرأة في العطاء، وتناسينا غريزة المرأة في الأمومة، واتبعنا أهواء النفس، اتبعنا العمل حتى صار واجبا على المرأة أن تعمل وتنفق، ولم تعد هي ولا زوجها ترضى بالقليل، فقدنا نعمة الرضا ونظرنا إلى ما في يد الآخرين، وعلمنا أولادنا هذه العادة أيضا. أرجو ألا تفهمي أنّي ضدّ عمل المرأة، فأنا أعمل بالطبع، لكنّني ضدّ أن يكون عمل المرأة مانعا لها من الإهتمام بأعز الناس إليها، وكم من امرأة عاملة تعود إلى بيتها متعبة، ولكن ما إن ترى صغارها حتى تنسى تعبها وهمها وتمنحهم جرعة الحب والحنان مضاعفة. عزيزتي، لماذا تخلت ابنتك عنك، وهي ما زالت بعد في سن البراعم؟ لماذا ترغب أن تبقى في بيت أبيها؟ نعم قد يكون هو الشعور بالجو الأسري كما يخطر لبال الكثيرين للوهلة الأولى، لكنني أتساءل: كيف كانت علاقتها بك، مقارنة بعلاقتها بأبيها قبل الطلاق وبعده قبل أن يتزوج؟ ألم تكن متعلقة بأبيها أكثر منك؟ ألم يكن والدها قد احتواها واستطاع أن يملأ الفراغ العاطفي الذي تركته يا عزيزتي المشغولة؟ كيف ظننت أن طفلا يمكن أن يغنيه عطف جده وجدته عن حب أبيه وأمه؟ إن نظرة واحدة من الطفل أو الطفلة إلى وجه الشيوخ، ومقارنتها بوجه الأب الشاب أو الأم الشابة، تكفيه ليتعلق قلبه بالجمال الموجود في الشباب والمختفي في الشيخوخة، فكيف إذا قارن بين القوام المنحني والقوام الحي؟ وكيف إذا عرف الفرق بين سكون الشيخ وحركة الشاب؟ طبعا هناك استثناء عندما يكون الجد والجدة محبين للحياة، على الرغم من عمرهما، وهذا ما أظنه مفقودا في كثير من أسرنا. اعذريني عزيزتي أطلت عليك فلست أنا من تتحدث لكن قلبي.. قلب الأم هو من يتحدث . ما أنت فيه مشكلة حقيقية، ومع ذلك فلن يترك في نفسك جرحا غائرا، كما سيتركه في نفس الطفلة الصغيرة، وهي التي لا ذنب لها في الإنفصال كي تدفع ثمنه تمزقا نفسيا وعلة متمكنة. ولأن الكلام مازال يطول أفضل، أن أرسل لك مجموعة من النصائح القيمة التي ستساعدك على تخطي هذه المحنة، وذلك عبر بريدك الإلكتروني. ردت نور