تلقى الجزائريون، صبيحة أمس الأربعاء، خبر توقيف رجل الأعمال عمر عليلات، والمستشار السابق برئاسة الجمهورية، زين حشيشي، بتهمة الفساد. ولم يكن ذلك الخبر الذي تلقاه الجزائريون مثل باقي الأنباء عن التوقيفات التي مست رؤوس الفساد، خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية. ذلك لكون الشخصين الموقوفين، كانا محل تحقيقات دولية حول الفساد، مثلما جرى في إسبانيا، قبل سنتين، عندما كشفت العدالة هناك عن تورطهما في رشاوى. غير أن الوضع الذي كانت تشهده البلاد في 2017، وتحكم “العصابة” وتطويعها للعدالة ولمصالح الأمن، حال دون فتح تحقيقات موازية هنا بالجزائر. وتكمن خصوصية ملفي الموقوفين، أيضا، في أنهما يتمتعان بشبكة علاقات ونفوذ دولية قوية، تمتد حتى إلى بعض دول أوروبا الشرقية، أين لا قانون يسود سوى قانون المال والقوة والنفوذ. عندما يتزوج المال بالسياسة ويُنجبان عليلات! تكشف تحقيقات “النهار أونلاين”، منذ توقيف عليلات أنه ليس مجرد رجل أعمال مشتبه بالفساد، بل إنه سياسي ومستورد يزاوج بين المال والسياسة. فهو شغل منصب نائب بالمجلس الشعبي الوطني، عن ولاية بجاية، خلال العهدة البرلمانية السابقة بين عامي 2012 و2017. نفس الأمر بالنسبة للموقوف الثاني المشتبه بالفساد، زين حشيشي، الذي شغل منصب مستشار برئاسة الجمهورية. وقد ورد اسم حشيشي وعليلات في تحقيقات للعدالة الإسبانية حول فضائح فساد دولية. وكانت تلك التحقيقات تركز على رشاوى قدمتها شركات إسبانية لمسؤولين جزائريين، عبر وسطاء، مقابل الحصول على صفقات ومشاريع. قروض من بنوك عمومية.. والحصانة البرلمانية لتفادي الحساب! بالنسبة لعمر عليلات، هو مستورد خمور، مارس نشاطاته التجارية باستغلال قروض تحصل عليها من بنوك عمومية، ورفض إرجاعها. وقد سبق أن نشرت “النهار أونلاين” أمس، شهادة للبرلماني من حزب “الأفافاس” شافع بوعيش، حول عليلات، حيث كشف جوانب عن سوابقه. ومما قاله بوعيش عبر صفحته على فايسبوك، هو أن عليلات تحصل على قرض ب14 مليار، من بنك التنمية المحلية. غير أن عليلات رفض إرجاع القرض، وهو ما دفع بمصالح وكالة BDL بسيدي عيش ببجاية، لاتخاذ إجراءات قانونية لاسترجاع القرض. وقد جرى تبليغ رجل الأعمال، عبر محضر قضائي، بضرورة إرجاع الأموال، مع نشر محضر التبليغ بمقري بلدية ومحكمة القصر. ولأن تلك الأحداث جرت في ربيع 2011، أي قبل عام من تشريعيات 2012، فإن عليلات اهتدى لفكرة الترشح للانتخابات البرلمانية. وكانت تلك الفكرة ترتكز على هدف واحد، وهو الحصول على الحصانة البرلمانية، لتكون ملاذا له للتهرب من العدالة والحساب. ومثلما جرى التخطيط له، ترشح عليلات ضمن قوائم الأرندي، بدعم من الوزير الأسبق عبد السلام بوشوارب، ليجد نفسه متنقلا من عالم استيراد الخمور إلى عالم التشريع وسن القوانين. وفي تشريعيات 2017، لم يتمكن رجل الأعمال عمر عليلات من البقاء في البرلمان لعهدة أخرى. وكان من أسباب ذلك هو أن نفوذ صديقه بوشوارب لم يعد كما كان، خصوصا وأن هذا الأخير فقد عضوية المكتب الوطني للأرندي. لذلك، لجأ الرجل إلى البحث عن ملاذ آخر، يضمن بواسطته الإفلات من الحساب والعقاب، والاستمرار في الاغتراف من قروض البنوك وعقد الصفقات بكل أريحية. الأمن يحقق حول مصدر تمويل حملة تبون نشر موقع “آلجيري بارت” مقالا تناول فيه تبعات عملية توقيف رجل الأعمال عمر عليلات والمستشار السابق بالرئاسة زين حشيشي. وقال الموقع الإلكتروني الإخباري إن مصالح الأمن المكلفة بملف عليلات وحشيشي قد شرعت في التحقيق حول مشتبه بهم آخرين. وأوضح نفس المصدر أن التحقيقات تركز بشكل خاص على عدد من محيط المترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، عبد المجيد تبون. وفي تفاصيل المقال، ذكر الموقع اسمي شخصين، وهما جواد باي وبلقاسم بلهوشات، مضيفا أن التحقيقات ستهتم بمصدر تمويل حملة تبون. وقال الموقع أيضا إن شبهات باتت تعتري مصدر أموال ضخمة جرى ضخها لفائدة حملة تبون. “النهار أونلاين” تفتح صندوق الفضائح تتطابق هذه المعلومات مع معطيات دقيقة وموثوقة، تحصلت عليها “النهار أونلاين” بشأن علاقات مريبة ومشبوهة، بين رجال أعمال والمترشح تبون. ومن بين رجال الأعمال الموصوفين بكونهم من محيط تبون وأصدقائه، تحصلت “النهار أونلاين” على معطيات وصور خاصة ببعضهم. في تلك الصور، يظهر المدعوان جواد باي وبلقاسم بلهوشات، وكلاهما رجلا أعمال، داخل طائرة خاصة. وكان على متن نفس الطائرة شخصان من جنسية تركية، وكلاهما رجلا أعمال أيضا. جحيم حرائق في الجزائر ورحلة بحث عن “البحري” في مولدافيا! إلى هنا كل شيء عادي، ما دام الأمر يتعلق برجال أعمال جزائريين وأتراك، التقوا داخل طائرة خاصة، في سفرية إلى الخارج قد تتعلق بصفقات وأعمال. لكن غير العادي في هذا الموضوع المدعم بالصور، هو تواجد تبون نفسه داخل الطائرة الخاصة. تفيد معطيات دقيقة تحصلت عليها “النهار أونلاين” من مصادر مطلعة، أن هذه السفرية جرت في صيف 2017، وتحديدا في أوت. في ذلك الوقت، كان عبد المجيد تبون المترشح للرئاسيات المقبلة، يشغل منصب وزير أول. في تلك الفترة، شهدت الجزائر أحداث استثنائية، منها سلسلة الحرائق التي ضربت مناطق واسعة من البلاد، وتسببت في خسائر مهولة. وقد سافر تبون في بداية سفريته إلى الخارج، بعد خروجه في إجازة سنوية، إلى العاصمة الفرنسية باريس، أين التقى نظيره الفرنسي. بعد ذلك، طار تبون إلى تركيا، ومنها إلى دولة مولدافيا، الواقعة في شرق أوروبا، وبالضبط بين رومانيا وأوكرانيا. أول نقطة استفهام فيما جرى هي أن تبون غادر الجزائر منذ بداية سفريته، لمقابلة الوزير الأول الفرنسي، على متن الطائرة الخاصة. طائرة رجل أعمال أجنبي لنقل الوزير الأول الجزائري وتفيد معلومات “النهار أونلاين” أن تلك الطائرة مملوكة لرجل أعمال تركي، يمتلك شركة متخصصة في تأجير الطائرات الخاصة لرجال الأعمال. وقد تعرف تبون خلال تلك الرحلة، على رجل الأعمال صاحب الطائرة الخاصة، عبر رجل أعمال تركي آخر، إسمه أحمد، ولديه استثمارات بالجزائر. وكان هذا الأخير ينشط في مجال البناء والسكن، وهو القطاع الذي كان يشرف عليه تبون قبل توليه منصب وزير أول. وتكشف تحقيقات “النهار أونلاين” أن من بين الذين كانوا داخل الطائرة الخاصة برجل الأعمال التركي، نجل جنرال متقاعد في الجيش الجزائري. وتفيد المعطيات المتوفرة أن الأمر يتعلق برجل الأعمال بلقاسم بلهوشات، ابن اللواء الراحل عبد الله بلهوشات. نجل الجنرال و”بنة الويسكي” في حضرة الوزير الأول! وشغل اللواء بلهوشات في الثمانينات منصب نائب وزير الدفاع والمفتش العام للجيش، ثم مستشارا لدى الرئيس الشاذلي بن جديد، إلى غاية أحداث أكتوبر 88. وظهر بلقاسم بلهوشات في إحدى الصور داخل الطائرة يرتدي قميصا أزرق فاتح، وسروالا أزرق داكن، ويحمل بإحدى يديه كأس نبيذ من نوع “سكوتش ويسكي”. وفي خلفية نفس الصورة، ظهر تبون يجلس في مؤخرة الطائرة، ويضع على عينيه نظارات شمسية سوداء. وفي صورة أخرى، تحصلت عليها “النهار أونلاين”، ظهر تبون دائما في نفس المكان، وفي المقعد الذي أمامه بلهوشات يتناول وجبة غداء. من يكون جواد باي ورجلا الأعمال التركيين؟ كما تُظهر صورة أخرى، من صور الرحلة المشبوهة، رجل أعمال جزائري آخر، يدعى جواد باي. ويعتبر جواد باي بمثابة صديق حميم لعمر عليلات، الذي لم يظهر في تلك الصورة وغيرها لكونه كان هو من التقطها. وتقول المعلومات التي تحوزها “النهار أونلاين” حول جواد باي إن هذا الأخير لديه أعمال وأنشطة تجارية بين إسبانيا وتركيا. وكان جواد باي يرتدي خلال الرحلة على متن الطائرة، سروالا فاتح اللون، وتبانا أسود وفوقه سترة زرقاء داكنة، ويضع نظارات سوداء. مأدبة عشاء على ضفاف البوسفور على شرف الدولة الجزائرية! وفي صورة أخرى، يظهر نجل اللواء بلهوشات برفقة شخصين على متن نفس الطائرة الخاصة، يتبادلون أطراف الحديث. وفيما كان أحد محدثي بلقاسم بلهوشات يجلس على مقعد الطائرة، الفخم ذو اللون البني، كان محدثه الآخر يقف إلى جانبه ويرتدي قميصا أبيض وسروالا فاتح اللون. وبشأن هذا الأخير، تقول المعطيات أنه هو مالك الطائرة الخاصة، فيما كان مواطنه الجالس على المقعد هو “أحمت” رجل الأعمال في مجال العقارات وبناء السكن. وقادت تحقيقات “النهار أونلاين” إلى أن رحلة تبون وأصدقاءه الأتراك والجزائريين، من فرنسا إلى مولدافيا، قد توقفت ليومين في تركيا. وفي تركيا، تكفل “أصحاب الدار” بضيافة أصدقائهم، حيث نُظمت مأدبة عشاء في مطعم فخم على ضفاف مضيق البوسفور، على شرف الوزير الأول ومرافقيه. دورية نحو جمهورية النبيذ والرقيق الأبيض وتظهر صور تحوزها “النهار أونلاين” الوزير الأول حينذاك تبون وهو يجلس على ضفاف مصب نهر البوسفور في البحر. وكان يجلس إلى جانب الوزير الأول شخص يرتدي قميصا أسود مثله مثل تبون، لتكشف تحقيقاتنا أنه المدعو جواد باي. بعد ذلك، تنقل تبون من تركيا إلى مولدافيا، تلك الدولة الصغيرة الواقعة بين رومانيا وأوكرانيا، التي تشتهر في العالم بمزارع العنب. وللعلم، فإن مولدافيا تغطي ما نسبته 5 بالمئة من مساحتها مزارع عنب شاسعة، معظم منتوجاتها توجه للتخمير لصناعة النبيذ الذي تشتهر به. كما تشتهر مولدافيا بتجارة الرقيق الأبيض، لدرجة جعلت المختصين في محاربة الظاهرة يطلقون عليها رفقة بعض دول منطقة البلقان، اسم منجم البغاء. ولم ينف تبون في تصريحات له أمام الصحافة سفره إلى مولدافيا في صيف 2017، غير أنه رفض الخوض في تفاصيل تلك الرحلة، معلقا بالقول أنه يرفض الحديث عن شؤونه الخاصة.