عمل.. سكن.. مسح الديون.. رفع الحد الأدنى للأجور.. العدل ومحاربة الفساد وإصلاح التعليم ''لا دار ولا دوار.. مللنا من الوعود.. سئمنا تكاليف الحياة.. سمعنا الكثير عن توزيع 'سكنات' لكن كيف ومتى لا ندري.. لن نطلب المستحيل.. فمنا من قد بلغ العقد الأربعين ولم يشتغل يوما في حياته ولا يعرف حتى معنى 'خدام'.. جربنا حظنا في وكالات التشغيل لكن لا حياة لمن تنادي''.. هم شباب مهما اختلفت أعمارهم، توجهاتهم وطريقة تفكيرهم وآراؤهم غير أن الشيء الوحيد الذي وحّدهم هو جملة 'المطالب' التي أثقلت فعلا كاهلهم.. فلم يبقَ من حل سوى التوجه بنداء إلى الرئيس بوتفليقة ''شوف لينا يا بوتفليقة كرهنا المعيشة والحل بين يديك''.. هي عبارات رددها عدة شباب التقيناهم أمس، بشوارع العاصمة، غير أن الذي شد انتباهنا وأثّر فينا كثيرا هو فقدانهم للأمل.. فلم تعد لهم أية ثقة في الصحافة.. حين أخبرني شباب بصريح العبارة ''وهل عن طريق جريدتهم سيصل صوتي إلى بوتفليقة وهل السلطات ليست على علم بمشكلنا نحن الشباب؟''.. ربما هي العبارة التي أثرت فيّ كثيرا، والتي رددها أحد الشباب الذي التقيناه أمس، خلال إجرائنا للروبورتاج بحي باب الوادي الشعبي وبالضبط بساحة الكيتاني، حين قال ''لا أعتقد أن السلطات العليا ليست على علم بمشاكلنا وهل سيصل صوتي ومطلبي إلى الرئيس بوتفليقة وهل ستحل مشاكلنا بالمقال الذي سينشر في جريدتكم؟''، فعلا هي تساؤلات واقعية لمطالب مشروعة.. سئمنا من التشغيل المؤقت و''البريكولاج''.. ونرغب في مناصب عمل ''مستقرة'' تستقر بها حياتنا البداية كانت من حي باب الوادي الشعبي، وهناك التقيت بالعديد من الشباب لا تتعدى أعمارهم 36 سنة، اقتربنا منهم، فتوحدت مطالبهم فهم لم يطلبوا لا الجاه ولا السلطان وإنما أرادوا فقط أن يلتف الرئيس بوتفليقة بمطالبهم التي وصفوها بالمشروعة، وأول شاب صادفناه كان جالسا في إحدى الكراسي مركزا في قراءة جريدة، وهو المدعو ''ص. ب'' و البالغ من العمر30 سنة، علامات خصوصية: بطال، نعم هو شاب بطال لا يعرف طريقا للعمل ولا معنى كلمة ''خدام'' طرق جميع الأبواب لكنه لم يفلح يوما، فقال ''أشتغل أياما قلائل وبعدما أعود لاحتضان البطالة'' ولما سألته عن عمله رد مستهزئا ''البريكولاج نهار كاين ونهار ماكاش''، وعن النداء الذي يوجهه للرئيس بوتفليقة أجاب ''خدمة مستقرة أضمن بها مستقبلي، غير أن السكن لا أفكر فيه لأنه بعيد المنال ويبقى شيئا مستحيلا بالنسبة لي''.. حسّنوا مستوى أبنائنا الدراسي.. وامنحونا ''الفيزا'' لكي نجرّب حظنا في الخارج لأتوجه بعدها للحديث مع المدعو مولاي إبراهيم جمال الدين والبالغ من العمر 41 سنة، والذي كان يجلس رفقة ابنه يتنفس الصعداء في يوم مشمس متصفحا جريدة ''النهار''، ليخبرني عن تفاصيل حياته من دون أن يرهقني ''متزوج منذ ثماني سنوات لدي ابن واحد، وأشتغل بمؤسسة نفطال''، ولما حاولت الاستفسار عن مطالبه أجاب بلا تردد ولا تفكير ''لا بد من إعادة النظر في المنظومة التربوية قبل فوات الأوان، فالمستوى التعليمي للتلاميذ جد ضعيف وفي تدهور مستمر''، ولما سألته عن أسباب تدني المستوى التعليمي للتلاميذ أخبرني ''ليس لهم قاعدة حقيقية وقبل الشروع في أية إصلاحات فلا بد من المرور أولا بإصلاح القاعدة والمتمثلة في الابتدائي''.. غير أنه أكد بالمقابل بأنه قد سئم هو الآخر تكاليف الحياة وهو يدعو بوتفليقة إلى أن يمنح له المجال للحصول على ''الفيزا'' لكي يجرب هو الآخر حظه بالخارج لعل وعسى ''يهرب للزمان''_يضيف جمال الدين.. وغير بعيد عن جمال الدين تقدمنا بضع خطوات إلى الأمام باتجاه المدعو ''م. ب'' السن:30 سنة، علامات خصوصية: عاطل عن العمل منذ سنين.. ومباشرة لمّا سألناه عن مطالبه والنداء الذي يوجهه للرجل الأول في البلاد، أخبرنا بكل صراحة ''وظيفة مستقرة ثم وظيفة مستقرة لا أكثر و لا أقل''، ولما استفسرت منه إن كان قد اشتغل من قبل، رد علي ''اشتغلت كدهّان والآن أنا عاطل عن العمل لأن كل شيء بالمعرفة في بلادنا وبلا معرفة ما تقضي والو وحتى عون أمن ما صحتليش''.. بوتفليقة رجل عظيم.. بصح يد وحدة ما تصفق لم أغادر الكيتاني، واتجهت حينها إلى شاب آخر، هو كذلك قد اختار لنفسه مكانا يجلس فيه، يتنفس الصعداء ويستنشق الهواء في يوم مشمس، متصفحا جريدة، اسمه باني عبد الرحمن، السن: 24 سنة، علامات خصوصية: غير متزوج.. اقتربت منه وكشفت له عن هويتي، فراح يتحدث بكل صراحة، ''أنا نخدم سباغ، نحب السياسة وعندي ثقافة عالية، وحبيت نقول بلي بوتفليقة رجل عظيم لكن يد واحدة ما تصفق وحدو ما يقدر يدير والو'.. ولما استفسرنا منه عن مطالبه التي يوجهها للرئيس بوتفليقة، رد قائلا ''محاربة الفساد والفوضى والعدل بين الجميع بين القوي والضعيف وبين الغني والفقير وخلونا من كلمة فلان ووليد فلان''.. سمعنا الكثير عن توزيع سكنات.. لكن كيف ومتى.. والله لا ندريِ! هم ثلاثة شباب سمير، منير وياسين، وجدتهم جالسين يتبادلون أطراف الحديث عن هموم الدنيا، كل واحد منهم يحاول أن يعبر عن مكبوتاته التي ظلت حبيسة عقولهم سنين وسنين، فلا أحد التفت إلى مطالبهم ومشاكلهم التي أتعبتهم وهم في أول الطريق، اقتربت منهم، فالتمست في بداية حديثي إليهم رفضهم التعامل معي كون ما سأكتبه وما سأحرره لن يصل إلى السلطات العليا للبلاد ولن يحل أي مشكل، تفكيرهم صحيح، لكن ورغم ذلك حاولت إقناعهم بأن ما سأكتبه لن يكون على لسان ''حزب سياسي'' ولا جمعية ولا برلماني ولا هم يحزنون وإنما ما سأحرره في هذا الروبورتاج سيكون على لسانهم هم الشباب، حينها نطق سمير قائلا ''العديد من شباب الحومة قد تجاوزوا سن ال36 ولم يتزوجوا لحد الساعة لأن ظروفهم الاجتماعية كارثية، لا سكنى ولا عمل، فكيف سيمكنهم الزواج والارتباط، فهناك من 2 حتى ثلاث عائلات يقطنون في شقة واحدة تتكون من غرفتين فقط، ولكم أن تتصوروا وضعيتهم'' ليضيف صديقه ياسين ''لا دار ولا دوار''، ليقاطعه سمير مرة أخرى ''فعلا سمعنا الكثير عن توزيع سكنات لكن كيف ومتى والله لا ندرِ فلم يحصل لنا شرف الحصول على سكن، وما نطلبه نحن هو السكنى حتى وإن كانت خارج العاصمة، فحينها سنترك لهم باب الوادي إلى الأبد''.. ولما حاولت الاستفسار عن ما إن كانوا يشتغلون، ردوا علي ضاحكين ''نشتغل أحيانا ونعود للبطالة أحيانا أخرى، فلم نرزق لحد الساعة بوظيفة مستقرة نسترزق منها'' ليضيف منير ''حتى مخططات التشغيل التي أحدثتها الدولة للقضاء على البطالة تالبونا فيها''.. تركت الحي الشعبي باب الوادي وغيّرت وجهتي لأنتقل بعدها إلى ''الڤولف''، و بالضبط بشارع الإخوة قاسم والذي لا يبعد سوى ببضعة كيلومترات عن رئاسة الجمهورية.. وهناك كان لي حديث مع بعض شباب الحي الذين لم تختلف مطالبهم عن مطالب شباب باب الوادي.. الرفع فمن الحد الأدنى للأجور.. ومسح ديون ''لونساج'' كان يقف بالقرب من إحدى العمارات، بشارع الإخوة قاسم، شباب في الثلاثين من عمره، يرتدي لباسا رياضيا، يدخن سيجارة ويرتشف فنجان قهوة، اقتربت منه وبمجرد أن بدأت الحديث معه حتى أخبرتي ''خاطيني السياسة في حياتي ما خدمتش وهذا وين فطنت من الرقاد''، لتلتحق بنا أخته التي تشتغل بالقناة الإذاعية الثالثة، وبمجرد أن اقتربت منا حتى راحت تطالب السلطات العليا في البلاد بضرورة النظر إلى هؤلاء الشباب بدءا بتحسين ظروف المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور تفاديا للانفجار.. ليلتحق بنا أحد أبناء الحي المدعو ''طويل نسيم'' والذي يشتغل بالقطاع الصحي بالقبة كموظف متعاقد منذ 8 سنوات، ''لقد جربت حظي في بداية الأمر في أحد مخططات الإدماج المهني، فوقع اختياري على مهنة ''النجارة'' لكنني مع مرور الأيام لم أفعل بسبب العراقيل التي واجهتني، فغيرت الوظيفة وانتقلت للعمل بالقطاع الصحي للقبة ومنذ ثماني سنوات ولحد تاريخ اليوم لا أزال أعمل كموظف متعاقد.. فمتى سيأتي الفرج يا ترى''.. وعن النداء الذي يوجهه لبوتفليقة قال ''مسح ديون لونساج والرفع في الحد الأدنى للأجور''.. غادرت الڤولف للعودة من حيث أتيت لعل الأمور ستتحسن يوما...