حرمان دئم..ومصير مجهول حرمن من الزواج بسبب إعاقتهن فهربن إلى جحيم الشارع إنهن نساء وفتيات مدفونات في عالم الأحياء.. محبوسات بين جدران صماء وسط نظرات قاتلة تستعجلهن في الرحيل للتخلص من عبئهن الثقيل الذي تثاقله القريب قبل البعيد. * * مراهقات منعن من المراهقة وحرمن من التعبير عن الحب أو رسم ابتسامة تعبر عن الأمل في الحياة، هو عالم امتزجت فيه مشاعر الألم بالأمل الممنوع.. حاولت "الشروق اليومي" تقصيه بمعايشة الواقع المرير لنساء حكم علين بالسجن العاطفي مدى الحياة. * يؤكد الواقع المعاش أن المرأة مهما كانت درجة إعاقتها حتى لو كان إصبع مقطوع بحادث تقلل من فرصها بالزواج أو عيش حياة عاطفية سليمة فكل واحد يريد أن يتزوج بفتاة صغيرة وشابة وجميلة وكاملة، فالنظرة إلى المعاق في الجزائر تختلف كليا عن النظرة إلى المعاقة، فهو من حقه الزواج وتكوين أسرة والحصول على امرأة سليمة تعيله وتهتم به وتقوم على خدمته، مهما كانت درجة إعاقته، وإذا كان متخلفا عقليا يكون بحاجة أكثر للزواج كي ترتاح العائلة منه، أما إذا تعرضت امرأة لحادث وسبب لها إعاقة حتى لو كانت متزوجة فأقل ما يفعله الرجل أن يتزوج بامرأة أخرى لأنه يعتبره حقه الطبيعي، وإذا منّ عليها يبقيها على ذمته إن لم يطلقها فهو لن يتحمل مسؤولية الاعتناء بها أو أن تنقص عليه الخدمة فهو بحاجة دائمة لمن تقوم على خدمته وتلبي حاجاته الجنسية بغض النظر عنها هي، في حين إذا حدث العكس وأصبح الرجل هو المعاق فمن المعيب جدا أن تتركه المرأة ويجب أن تبقى على خدمته، فالمجتمع ينظر إليها بغير ما ينظر للرجل، ففي حالته يكون الأمر طبيعيا ويبرر له المجتمع ويعتبر حقه، أما هي فتعتبر مذنبة، فالكفيف يتزوج بامرأة لتكون عيناه أما هي إن كانت كفيفة فلا يمكن لأحد أن يرتبط بها لأن الجميع يعتبرها غير قادرة على القيام بخدمة أسرتها، ويعتبرون أن الإعاقة عائقا لإنجاب الأطفال إن لم يكن خوفاً من أن تكون الإعاقة وراثية فيأتي الأطفال معاقين، أو لأنها غير قادرة على خدمة أطفالها كما يرغب المجتمع والمحيط... * كل هذه التناقضات في معاملة المرأة والرجل هي واقع مر صنع سجنا كبيرا يستقبل كل معوقة أو مصابة بتشوه خلقي كان بسيطا أو معقدا لتبقى فيه مدى الحياة، فالأسرة الجزائرية في غالب الأحيان تنكر وجود المعاقة وتحاول قدر الإمكان إخفاءها حتى لا تؤثر على باقي أفراد الأسرة في الزواج. * * عجائز تلاحقهن لعنة التشوهات وفتيات يقاطعن الأفراح والحمامات * قصص من تراجيديا الواقع صادفناها لنساء من مختلف الأعمار شاء القدر أن تنقلب حياتهن رأسا على عقب، فمنهن من كانت تلقب بالأميرة الحسناء وتحولت إلى البقرة الفاسدة على غرار العجوز "ح. فاطمة" التي تجاوزت عتبة السبعين من عمرها. * وقصة "البقرة الفاسدة" لا زالت تتردد على ذاكرتها كلما نظرت إلى اصبعها المبتور بحادث منزلي منذ 45 سنة، حيث كانت زوجة حسناء خطفت عقل زوجها منذ الصغر، وهما ابني حي واحد في باب الواد، ومنذ ذلك الحادث المشؤوم انقلب عليها زوجها كرها واحتقارا ليلقبها بالبقرة الفاسدة التي أفسدت عليه حياته، ولولا نعمة الأطفال الثلاثة الذين أنجبتهم قبل الحادث لطلقت وطردت لتعيش مع عائلتها. * خالتي فطيمة التي توفي زوجها منذ 04 سنوات لا زالت تستحي من نظر الناس إلى يدها اليمنى التي عادة ما تعمل على إخفائها عن الأنظار تجنبا لأعين الناس، ورغم السنوات الطويلة للحادث فإن العجوز لم ترحم من النظرات الناقصة حتى من طرف أبنائها الذين يرفضون اصطحابها إلى الأفراح والعزائم. * * خوفا من أعين الناس ونظراتهم الناقصة... * أما "ب. م" 30 سنة التي تعرضت يدها اليسرى إلى حروق من الدرجة الثالثة بالزيت منذ خمس سنوات فقد قررت مقاطعة الأفراح والحمامات خوفا من نظرات النساء التي لا ترحم، فالشعور بالنقص بات يلازمها منذ الحادثة، فرغم تفهم الأهل لوضعيتها ومعاملتهم بطريقة جيدة فإنها لا تحب الشفقة من أحد، لدرجة أنها قررت عدم الخروج من المنزل في أيام الصيف إلا للضرورة القصوى. * ومما زاد من تعقد حالتها النفسية أنها كانت محل إعجاب العديد من الرجال الذين قصدوا بيت أهلها للخطبة، لكن سرعان ما انقلبوا على أعقابهم عندما اكتشفوا تشوه يدها اليسرى. * ومن بين أكثر القصص مأساوية هي التي حدثت لسمية من بجاية 20 سنة، حيث تعرضت لحادث مرور فقدت على إثره ساقها الأيمن منذ تسع سنوات، كانت حينا على وشك اجتياز شهادة التعليم الابتدائي، ونظرا لفاجعة الحادث قرر اهلها توقيفها عن الدراسة لفترة مؤقتة، لكن سمية قررت مقاطعة المدرسة نهائيا، خاصة بعد إصابتها بعقدة نفسية لمدة سنة ونصف بعد الحادث تداول عليها خمسة أطباء نفسانيين لم يستطعوا رسم البسمة على محياها، واليوم تعيش سمية جوا من العزلة والمقاطعة متفرغة للعبادة والصلاة ومنتظرة اليوم الذي تلاقي فيه ربها والتخلص من الإعاقة التي تلازمها في جنة لا إعاقة فيها ولا تشوهات والكل فيها سواء... * * مراهقات سجينات الكبت العاطفي وأخريات تمكن من الزواج * أكد رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين حركيا أن المراهقات المعوقات يعانين من كبت رهيب لمشاعرهن التي عادة ما تدفن في الأعماق، ففي المدرسة التابعة للاتحاد تصادف المعلمات حالات انفجار عاطفي للفتيات المعاقات اللواتي عادة ما يبحن بما يجول بخاطرهن للمعلمات اللواتي بدورهن تربطهن علاقة وطيدة بالمتمدرسات المحرومات من المراهقة التي عادة ما تتميز بنمو الجانب العاطفي والوجداني للفتيات اللواتي عادة ما يتحدثن عن حالات إعجاب وعلاقات حميمية مع قرنائهن من الذكور المعوقين الذين بدورهم يعانون من كبت عاطفي. * والجدير بالذكر في هذا المجال، حسب المعلمات، أن المراهقات المعوقات يرفض التعبير عن حبهم اتجاه أوليائهن أو إخوانهن، فشعورهن الدائم بالنقص يوهمهن أنهن مكروهات ومرفوضات من طرف الجميع، وأكد رئيس الاتحاد أن جهود المعلمين مكنت من تزويج 10 معوقات من رجال أسوياء في ولايات البليدة والمدية والبويرة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على المجهودات التي يبذلها الاتحاد لإخراج المعوقات من السجن العاطفي الذي يكابدنه، ومنهن من أنجبت أولادا حققوا نجاحات باهرة في المجال الدراسي... * * معوقات يتعرض للاغتصاب ونساء يطلقن بعد التشوه * أكدت رئيسة شبكة وسيلة للدفاع عن حقوق المرأة، الدكتورة رقية ناصر، أنها صادفت العديد من حالات الاغتصاب التي تعرضت لها نساء معاقات، منها ما تسبب في حالات حمل وإنجاب، خاصة فيما يتعلق بالنساء المصابات بإعاقة ذهنية لا تمكنهن من التمييز بين الخطأ والصحة. * وتضيف المتحدثة أن انتشار هذه الظاهرة يرجع إلى تخلي العائلات عن بناتها المصابات بهذا النوع من الإعاقة واللواتي عادة ما يرتمين في أحضان الشوارع المليئة بالذئاب البشرية، وقالت الدكتورة إن الجرائد تحدثت في الكثير من المرات عن حالات اغتصاب تتعرض لها المعاقات داخل المصحات ومراكز الإيواء، مما يدفعنا إلى التفكير في تعزيز وسائل الدفاع عن هذه الشريحة التي ظلمتها الإعاقة وظلمها الأهل وظلمتها الوحوش البشرية التي لا ضمير ولا عقل لها. * وتضيف السيدة رقية ناصر أنها استقبلت في مكتبها الواقع بقرية الأطفال بدرارية عددا معتبرا من النساء اللواتي تعرضن للطرد والإعاقة بعد إصابتهن بتشوهات جسدية أو إعاقة بعد الزواج، وفي الكثير من الأحيان يكن مصحوبات بأطفالهن، وهذا يدل حسب المتحدثة على ذهنية الرجل الجزائري الذي يرفض تماما المعوقة أو المصابة بتشوهات خلقية ولو أنجب معها الأولاد وعاشرها لسنوات طويلة...