موقف العديد من الأسر الجزائرية حول هذه القضية يؤكد عدم تغير نظرة غالبية أفراد المجتمع تجاه هذه الفئة التي تتمتع بذات حقوق وواجبات الفرد العادي، رغم أن الشريعة الإسلامية تكفل للمعاق الحق في الحياة بشكل طبيعي، إلا أن واقع مجتمعنا يقول خلاف ذلك، ويتضح ذلك أكثر من خلال المعاملة القاسية التي لا تضع في أي اعتبار أو حسبان احتياجات هذه الفئة إلى الاستقرار النفسي والاندماج الاجتماعي• فالمعاق غالبا ما يصطدم بواقع مرير، بمجرد أن يطرح فكرة الزواج للنقاش أمام الأهل، فما بالك بأهل الفتاة الراغب الارتباط بها• هذا الواقع "الجائر" الذي لا يراعي مشاعر هذه الفئة ذات الإحساس المرهف، دفعت "الفجر" إلى الخوض في هذا الموضوع المتعدد الأبعاد، وتسليط الضوء على هذه النظرة الخاطئة ذات النزعة العدوانية وما تحمله في طياتها من أحكام مسبقة على أناس يتمتعون في الغالب بقدرات ومزايا يفتقر إليها الشخص السليم• المجتمع الجزائري لم يتخط بعد الأفكار البالية السلبية التقينا بالسيد "مراد• ك" 42 سنة تعرض في صغره لحادث مرور فقد إثره أحد أطرافه السفلية، استقبلنا في ورشته الخاصة بالنقش على النحاس بأحد أحياء قسنطينة العتيقة، حدثنا عن رغبته في الاستقرار وبناء أسرة وما اعترضه من عوائق حالت دون تحقيق تلك الرغبة التي يطمح، فبعد استقراره ماديا أراد "مراد" كغيره من أقرانه الزواج لاستكمال نصف دينه فهذه سنة الحياة أن تكون له أسرة وبيت وزوجة وأولاد. وبعد جهد جهيد استطاع أخيرا إقناع أهله بضرورة الموافقة على مطلبه هذا الذي يعتبر أحد حقوقه المشروعة في الحياة ما دام قادرا على إعالة عائلته، فتقدم لخطبة إحدى الفتيات، خاصة أنه كان على اتفاق مع الفتاة وبالفعل وافقت أسرتها، تم الاتفاق على تفاصيل الخطبة والزواج، وكانت الأمور تسير بشكل طبيعي للغاية وفي غمرة الفرحة والسعادة جاءت التدخلات الخارجية - كما يقول مراد- لمنع هذا الزواج، وهو ما حدث بالفعل لما أسهمت به هذه التدخلات من أثر كبير في تغيير قرار الأهل في الموافقة على الرغم من رضا وقبول الفتاة• ويشير محدثنا إلى أن المجتمع الجزائري يعتبر صاحب الإعاقة إنساناً غير مكتمل ولا يحق له الزواج والإنجاب وأنه إنسان غير منتج أو مبدع، رغم أن الأساس في الإنسان هو عقله وقدرته على الإبداع• لذلك يتمنى من المجتمع أن يغير نظرته اتجاه ذوي الاحتياجات الخاصة من سلبية إلى إيجابية فهم مبدعون ومؤهلون، مطالبا منحهم فرصا لإثبات الذات.. لأن التجارب أثبتت في الكثير من المرات قدرتهم على النجاح و التميز فهم قادرون على الاندماج في المجتمع إذا ما توفر لهم ذلك وتحقيق العديد من النجاحات في مختلف نواحي الحياة العملية• ويتمنى مراد أن تلوح في الأفق القريب بوادر التغيير التي من خلالها يتقبل أفراد المجتمع التعايش في انسجام مع هذه الشريحة ليحصل ذوو الاحتياجات الخاصة على حقوقهم المشروعة التي كفلها القانون• المؤثرات الخارجية كانت دافعا قويا للنجاح وتكوين أسرة ويتذرع البعض بأسباب ودوافع مبنية على أحكام مسبقة بفشل العلاقة الزوجية لأنها غير متكافئة لما يكتنفها من ضبابية وريبة في إمكانية نجاح واستمرارية هذه العلاقة، وعدم إمكانية الطرفين التصدي للمشاكل ومواجهة المؤثرات الخارجية التي تساهم بشكل أو بآخر في إحباطهم، لأن واقع الحياة الزوجية مغاير تماما للتوقعات المسبقة، وهي أحد الذرائع المحورية التي يتبناها غالبية الأفراد الذين التقينا بهم لرفض زواج المعاقين، غير أن نجاح بعض العلاقات الزوجية على الرغم من قسوة الظروف وصعوبة التأقلم مع النظرة السلبية للمجتمع تجاه أطراف العلاقة يعتبر في حد ذاته نجاحا لا نظير له وتحديا يؤكد مرة أخرى أن الإعاقة تقهر المستحيل، وليست حاجزا يمنع صاحبها من تحقيق أهدافه المشروعة في الحياة• "سعيدة" طبيبة مختصة في طب الأطفال ولدت بتشوه خلقي على مستوى اليد اليسرى، تحكي لنا قصتها مع المجتمع الذي طالما كانت نظرة أفراده إليها نظرة مليئة بالشفقة، خاصة أنها على مستوى من الجمال والذكاء والأخلاق، إلا أن إعاقتها كانت دوما تذكرها بعجزها وتحسسها بالنقص ليس لأنها ضعيفة الشخصية أو ضعيفة الإيمان وإنما إيماءات وأحاديث المحيطين بها كان لها وقعها في نفس سعيدة بحكم طبيعة الذات البشرية الضعيفة• غير أن نظرة الشفقة هذه، تقول سعيدة، عززت ثقتها بقدراتها التي لا يجب للإعاقة أن تكون حاجزا يحول دون تحقيق أهدافها وطموحاتها، فإعاقتها كانت دافعا قويا لتثبت للآخرين مقدرتها أن تكون عنصرا فاعلا في المجتمع، وكان للعامل النفسي دور كبير في ذلك بفضل مساندة خطيبها الدائمة لها، على الرغم من عدم تقبل أهله لارتباطه بها، غير أن التوافق والمودة والاحترام المتبادل بينهما كان السبيل إلى الاستقرار النفسي لكليهما وتعزيز قناعتهما بضرورة نجاح هذه العلاقة وتتويجها بالزواج الذي كان بمثابة التحدي الأكبر للجميع، خاصة وأن الأهل والأقارب كانوا يتوسمون فشل العلاقة• وإذا كان المجتمع يرفض زواج المعاق أو المعاقة من فئة الأصحاء، فالمفاجأة أن بعض المعاقين يرفضون الزواج من معاقين مثلهم، مؤكدين أحقيتهم في أن يحظوا بأزواج أو زوجات أصحاء• تقول أم كريم، الذي ولد أصما، أن ابنها يرفض تماما الارتباط بزوجة تكون من نفس الشريحة لقناعته بأن المعاق بحاجة إلى من يساعده ويقف بجانبه لمجابهة محن الحياة التي غالبا ما تتسم بالقسوة والإجحاف، تقول الأم أن كريم لا يفضل الارتباط بامرأة مثله على اختلاف إعاقتها لأسباب عديدة، منها خوفه من أن تلعب الوراثة دوراً في إصابة الأطفال بنفس إعاقة أحدهما• وتطالب أم كريم أفراد المجتمع فتح بيوتهم وعقولهم وقلوبهم لذوي الاحتياجات الخاصة.. فالإنسان يُحترم لعقله وعطائه وإبداعه ونجاحه وقدرته على الزواج، فضلا عن تدينه وخلقه• التوعية وحملات التحسيس الرهان الكفيل بتغيير نظرة المجتمع يقول الدكتور نور الدين بن الشيخ، رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة قسنطينة، أن المجتمع بحاجة إلى المزيد من التوعية وحملات التحسيس التي يجب أن تتجاوز مناسبات معينة، في حين تبقى اهتمامات هذه الشريحة مغيبة طوال السنة• ويشير إلى دور وسائل الإعلام خاصة منها المرئية لما تلعبه الصورة من أثر وانعكاس سريع على المتلقي في تغيير هذه النظرة المتدنية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، مطالبا بضرورة تقبل المجتمع الجزائري لزواج أصحاب الإعاقة لان من حقهم الزواج والإنجاب وتكوين بيت و أسرة، باعتبار ذلك حق مشروع في الحياة• مشيرا إلى أن زواج ذوي الاحتياجات الخاصة يسهم إلى حد كبير في اندماج العشرات من هذه الفئات في المجتمع وتحويلهم إلى أشخاص فاعلين فيه، وهو ما يخلق لهم شخصيات أكثر صلابة وأكثر توازنا• مطالبا بأخذ موافقة الفتاة أو الشاب بعين الاعتبار في اختيار شريك الحياة طالما أنه ذو أخلاق وقادر على تحمل مسؤوليات الزواج، مؤكدا أن دور الأسرة لا يتجاوز حدود النصح والإرشاد ليبقى اتخاذ القرار مسؤولية الشخص المعني بالزواج وتحمل تداعيات وعواقب قراره لاحقا• معتبرا أن نظرة المجتمع الراسخة اتجاه هذه الفئة، وما يكتنفها من ترسبات وأفكار وقناعات مسبقة لا يمكن تغييرها إلا على مراحل والأهم من ذلك يجب إلا ننظر لهم نظرة عطف وشفقة بل على أنهم جزء مهم بالمجتمع منتج ومبدع وليس على أنهم مجرد أناس عاجزون وغير مرغوب فيهم.. فهذه نظرة خاطئة وعلينا تغييرها بالتوعية والإرشاد على جميع المستويات، وذلك بتكثيف عمل الجمعيات و المؤسسات التعليمية و ما يلعبه الإرشاد الديني من دور فعال في تغيير هذه القناعات ذات التفكير السطحي. باختصار.. علينا أن نتعلم ثقافة احترام ذوي الاحتياجات الخاصة ونراعي احتياجاتهم، يضيف الدكتور بن الشيخ•