حلت هذا الأسبوع الذكرى 19 على رحيل المفكر الجزائري صاحب المقولة الشهيرة “إذا تكلمت سأموت وإذا سكت سأموت إذن سأتكلم وأموت” والتي تبقى خالدة وراسخة في ذاكرة كل من عرفه وحضر مراسيم تشييع جنازته بعد اغتياله في حي “باينام بالجزائر العاصمة”. استعادت قرية “أولخو” في دائرة أزفون الساحلية ذكرى اغتيال ابنها البار بمزيج من الألم والفخر على رجل أنجبته وترعرع بين أحضان جبالها وأزقتها ليتذكر كل ركن من أركان القرية الصغيرة مآثر طفلها البريء الذي حلم بأن يصبح كبيرا يوما ما بكتاباته ورواياته الأدبية، وأن يضع للجزائر قيمة بين البلدان برفع علمها عاليا وشامخا، كونه ينتمي إلى كبار المثقفين الجزائريين الذين يسعون دائما إلى المضي قدما وكان من بين آولائك الذين لا يعترفون بالعراقيل و لا بالصعوبات التي تصادفهم أمامهم كل حين، و فعلا إستطاع ذلك الطفل الصغير الكبير في قدرته الفكرية أن يحقق حلمه ذات يوم عندما أشرق وجوده في الحياة يوم 11 جانفي 1954 بقرية “أولخو” في دائرة أزفون الواقعة على بعد حوالي 50 كلم عن عاصمة الولاية تيزي وزو، كان نجمه يسطع في السماء يوما بعد يوم وكانت أحلامه تكبر وتتحقق بكتاباته التي بدأها وهو في عز شبابه بعدما نال شهادة الليسانس في الرياضيات وعمره لم يتجاوز 20 سنة ولم يكن ليغدر وطنه لولا آلة الموت التي يسوقها الدمويون مع بداية سنوات التسعينيات والحقد على المثقفين الجزائريين، لتحصد دون استثناء كل من يريد قول كلمة الحق في الوطن الذي احتضن الآلام والدم طيلة عشرية من الزمن الأسود فقدت فيهم الجزائر من عصروا أذهانهم في سبيل العلم لإثراء رصيد الجزائر بالفكر وكبلوا كلمات لها ألف معنى ومعنى، استيقظ “طاهر جاووت” في حيه ببينام في الجزائر العاصمة صبيحة ذلك اليوم المشؤوم 26 ماي 1993 لتستقر في رأسه رصاصتين غدرتا به وتلاحقه الموت إلى المستشفى التي أخذت روحه أسبوعا من الحادثة يوم 03 جوان 1993 لينتقل بالرفيق الأعلى إلى الأبد. ورغم رحيله إلا أن كلماته لم ترحل وطيفه ظل يطارد بائع الحلويات الذي غدر به وتبقى كتبه التي ألفها وواجه بها لغة الرصاص والدم، على غرار “البحث عن العظام”، “الطائر المعدني” و”المطرود” وغيرها خير جليس في الأنام وخير دليل على ذكرى رجل أنجبته الجزائر.