أجمع خبراء اقتصاديون ومتتبعون أمس، على أنّ الحل الأنجع لمعضلة الدواء في الجزائر يكمن في قيام صناعة وطنية حقيقية في منأى عن ممارسات من يسمونهم «البارونات»، للخروج من الدوامة واللغط القائم بين وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات مع ما يسمى «بارونات الاستيراد» و«لوبيات المضاربة»، منذ انتهاج الجزائر اقتصاد السوق منذ تسعينيات القرن للماضي. في ندوة خاصة نظمتها «السلام» وشارك فيها أكثر من متخصص ومتابع لحيثيات المنظومة الدوائية في الجزائر، ألّح الجميع على ضرورة تجسّد مطلب صناعة وطنية لإنتاج الأدوية، وهي صناعة كفيلة في نظرهم بتوفير معظم الأدوية التي يحتاجها المواطنون في ظلّ الندرة المتكرسة، سيما تلك الأصناف الموجهة للفئات الهشة على غرار المصابين بأمراض مزمنة. ويصف من تحدثوا ل»السلام»، الانفتاح الذي ارتضته الجزائر منذ سنوات ب»الفوضوي» و»العشوائي»، خصوصا بعد تخلي الدولة عن دورها في توزيع الأدوية في مقابل رصدها لأغلفة مالية باهظة آخرها 120 مليون دولار فاتورة الأدوية خلال النصف الأول من السنة الجارية، ومع ذلك تشدّد النقابات على معاناة المستشفيات الجزائرية من ندرة عديد الأدوية الضرورية سيما بالمصالح الاستعجالية. واستغرب عبد الكريم بهلول الخبير الاقتصادي، عدم استمرار السلطة في العمل بالخطة التي انتهجها عبد الحمد طمار وزير الصناعة وترقية الاستثمارات في 2006 فيما يتعلق باستراتيجية صناعة الأدوية، معتبرا في سياق حديثه بأنّ قطاع الأدوية أخذ حصة الأسد في مجال استراتيجية التصنيع في الجزائر، حيث وصف تلك الفترة بالذهبية على اعتبار أنها سعت إلى تحقيق صناعة وطنية لإنتاج الأدوية الصيدلانية. وركّز بهلول على ضرورة معرفة رؤية واستراتيجية السلطة فيما يتعلق بهذا القطاع، متصورا أنّ الجزائر إذا ما أرادت التحوّل إلى بلد مصنّع للدواء، فإنّ الأمر يستلزم وضع قوانين ردعية وصارمة تمنع استيراد الأدوية المنتجة في البلاد خلال الخمسة عشر سنة القادمة، بغرض تشجيع المستوردين على الإنتاج المحلي وتطويره بشكل يضمن التكفل الصحي بالمرضى. وأشار بهلول إلى أنّ ندرة الأدوية تفتح احتمالات المضاربة الناجمة عن منح امتيازات الاستيراد للخواص كخيار ثان تنتهجه السلطات الوصية، ما سمح لهؤلاء بإغراق السوق الجزائرية بكم ضخم من الأدوية المغشوشة أحيانا. كما كذب الخبير الاقتصادي التصريحات الأخيرة لمسؤولي قطاع الصحة فيما يتعلق بارتفاع نسبة إنتاج الأدوية المحلية إلى 40 بالمائة، حيث قال: «إحصائيات وزارة الصناعة الأخيرة توصلت إلى أن نسبة الإنتاج تتراوح بين 25 إلى 30 بالمائة»، متوقعا أن تواجه الدولة معضلة التسويق في المرحلة التي تلي تحكمها في إنتاج الأدوية الصيدلانية محليا، واصفا العملية إياها ب»المعقدة» لأنها ترتبط بالأطباء في حد ذاتهم بعدما باتوا يعملون كمندوبين لمخابر وشركات الأدوية المتعددة الجنسية، حيث سيعمل هؤلاء مثلما قال - على دفع زبائنهم من المرضى إلى اقتناء ماركات هذه الأخيرة بتشكيكهم لمدى فاعلية الأدوية المصنوعة محليا. من جانبه، اعتبر صالح موهوبي الباحث الاقتصادي والدارس للسياسة الصحية المتبعة في الجزائر منذ سنة 1975، بأنّ الأدوية الجنيسة لها نفس فعالية الدواء الأصلي، مشيدا بالسياسية الجزائرية الرامية إلى تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال إنتاج الأدوية الصيدلانية محليا، عن طريق مجمع صيدال وبعض الشركات الخاصة الجزائرية منها والأجنبية. بيد أنّ موهوبي حذر من كون الجزائر باتت مستهدفة من قبل بارونات الأدوية التي تسعى إلى تكسير قطاع الصحة منذ دخول البلاد اقتصاد السوق، وما أعقب ذلك من فتح المجال لشراء الأدوية من الخارج دون تشديد الرقابة على مصدر الدواء. ويقرّ موهوبي بخطورة الوضع القائم في القطاع، سيما في الشق المتعلق بملف الأدوية، مبرزا أنّ البلاد تعاني من هذا الجانب، ويتعيّن عليها تأسيس صناعة مقتدرة». كما أكد المتحدث على أنّ الدولة تواجه رهان تهريب الأدوية وتبذيرها من جماعات تقف وراء «حروب الأدوية» بين الدول، مقترحا على السلطات الوصية تعديل قوانين السياسة الصحية بالجزائر. إلى ذلك، كشف حفيظ حمو مدير المنتجات الصيدلانية بوزارة الصحة عن تواجد 208 مستورد على المستوى الوطني، 80 منهم يتعاملون مع هذه الأخيرة والبقية مع الصيدلية المركزية للمستشفيات، موضحا بأنّ قطاعه يتدخل كلما جرى إشعاره بنقص أو ندرة الأدوية داخل المستشفيات أو الصيدلية المركزية التي استوردت 25 مليار دينار قيمة الأدوية منذ بداية السنة الجارية. ونوّه حمو باستراتيجية مصالح جمال ولد عباس في أفق 2014، حيث تراهن الجهات المعنية على إنتاج 70 بالمائة من الأدوية الصيدلانية محليا، مع فرض الانتاج على المستوردين. من جهته، أوضح شريف دليح المدير الصيدلي المركزي للمستشفيات بأنّ الكلام الذي يدور حول ندرة الأدوية غير سليم، طالما أنّ كل الأصناف الموجهة للإنعاش والاستعجالات وغيرها متوفرة على مستوى الصيدلية المركزية، مؤكدا بأنّ الأدوية الخاصة بالسرطان متوفرة وكافية لمدة 14 شهرا.