تعد جوهرة المتوسط «مستغانم» من المدن الساحلية التي اكتسبت شهرة عالمية لما تزخر به من شواطئ عذراء ومناظر طبيعية خلابة، فشريطها الساحلي الممتد من المقطع غربا إلى شاطئ البحارة ببلدية أولاد بوغالم شرقا، تفتح ذراعيها في كل موسم اصطياف لاستقبال ضيوفها القادمين من مختلف جهات الوطن وحتى من الخارج من جنسيات عديدة، فضلا عن أبناء الولاية الموجودين بالمهجر الذين يفضلون في كل صيف قضاء عطلتهم بين الأهل والأصدقاء. تستقطب مدينة مستغانم عشاق خضرة الطبيعة الزاهية لما تحويه الولاية من غابات كثيفة تطل على ضفاف المتوسط، خصوصا بالجهة الشرقية منها، كما أنّ الهدوء والأمان الممزوجة بزرقة مياه البحر النقية ورمالها الصفية والأودية الكثيرة، بالإضافة الى جبال الظهرة الشامخة التي زادت تلك الأمكنة روعة وجمالا، جعلتهم يجدون ضالتهم بهذه المناطق الساحرة التي لا تزال قبلة لأكثر من 10 ملايين مصطاف في كل سنة. وتبذل مديرية السياحة لولاية مستغانم جهودا لإنجاح موسم الاصطياف في كل سنة، قصد تقديم خدمات للمصطافين، من خلال توفير كل الشروط الضرورية للزوار من مرافق إيواء ونقل ووقاية وأمن في كل الشواطئ ال21 المسموحة للسباحة، لكن هذه الأخيرة لا زالت لم تصل للمعايير المطلوبة وتفتقر إلى التهيئة وأبسط البنى التحتية، كانعدام طرق المؤدية لبعض الشواطئ خاصة التي فتحت حديثا أو أنها تعاني الاهتراء نتيجة غياب التهيئة اللازمة. كما تشكو تلك المواقع السياحية انعدام المرافق الضرورية، كالماء والإنارة الكافية التي تحولت في السنوات الأخيرة الى كابوس يؤرق المصطافين والسياح نتيجة الانقطاعات المتكررة التي لازمت سكان الولاية منذ عقود من الزمن والتي تعد النقطة السوداء في كل صائفة لاسيما بالجهة الشرقية منها والتي تتمركز بها معظم الشواطئ التي تبقى محافظة على عذريتها كما هو الحال ببلدية أولاد بوغالم المحاذية لولاية الشلف. واقع فجّ وسلبيات بالجملة بالرغم من توفر الأمن بتلك المناطق السياحية الساحرة والتي جعلت معظم العائلات القادمة من شتى ولايات الوطن، خاصة من الجنوب تفضل قضاء أيام الراحة والاستجمام بها في ظل وجود الهدوء ونظافة تلك الشواطئ وبساطة سكانها، لكن ذلك لم يعد كافيا لاستقطاب العدد الأكبر من المصطافين، كما كان في السباق لغياب ادنى شروط الراحة المطلوبة. ولا تتوفر تلك الشواطئ المخصصة للسباحة سوى على بعض (البانغالوهات) التي تعد على الأصابع والتي شيدت في بداية الثمانينيات والتي تبقى ترثي حالها في غياب التهيئة اللازمة، بالإضافة إلى مسطحات تفتقر لكثير من الشروط الضرورية، كما أن محدودية مدا خيل تلك البلديات في إقامة هياكل سياحية جديدة زاد من حدة الوضع. كما ساهم إسناد مهمة تسيير الشواطئ للخواص لفترات تناهز الخمس سنوات في تأزيم أكبر للوضع، حيث لم ينجح هذا الاجراء لغياب ثقافة سياحية، حيث الإعلان عن المزايدات لم تؤتي أكلها في العديد من البلديات الساحلية الإحدى عشر، لتجد السلطات المحلية حينها عاجزة في استغلال ما جادت به الطبيعة، وتبقى 4114 هكتار من مناطق التوسع السياحي على حالها. أشغال لها أول وليس لها آخر والأغرب من ذلك أن حتى الدراسات المخصصة لذلك لازالت مجمدة منذ 1988، واقتصرت فقط على شلة من الشواطئ كصابلات ببلدية مزغران، كلوفيس وكاف أيفي ببن عبد المالك رمضان، أما باقي مناطق التوسع الأخرى لم تر النور بعد في ظل غياب الاستثمار المحلي وكذا الأجنبي الذي أبدى نيته في العديد من المناسبات في استغلال الكثير منها لكن ذلك لم يحدث الى يومنا هذا، ليقتصر الامر على بعض المشاريع السياحية الصغيرة التي تفتقد هي الأخرى إلى المواصفات العصرية والتي تمركزت أساسا بالقطب السياحي «صابلات». وتبقى الأشغال متواصلة لإنجاز 19 مشروعا سياحيا بالإضافة إلى 80 مشروعا مماثلا سيتم برمجتها في إطار المخطط الخماسي 2010-2014. لكن كل ذلك يبقى غير كاف مقارنة مع الثروة السياحية الهائلة التي لا تقدر بثمن، والتي من شانها الرفع من وتيرة التنمية المحلية في حالة استغلالها وفق استراتيجية محكمة. ولذلك يطالب المواطنون بضرورة الاهتمام بكل الشواطئ بدل التركيز على مناطق دون أخرى خاصة بتلك التي تعاني من المديونية وتفتقر إلى مداخيل إضافية، كما هو الحال ببلديتي خضرة وأولاد بوغالم، التي تبقى شواطئها تحمل الاسم فقط، ونتيجة ذلك أعاب المواطنون على المشرفون على قطاع السياحة بالولاية الذين كثفوا جهودهم من أجل بعض الشواطئ كصابلات، كلوفيس، عين إبراهيم والميناء الصغير بسيدي لخضر دون بقية الشواطئ الأخرى. ورغم النقائص العديدة بها، إلا أن العائلات التي تحب الهواء النقي والهدوء لازالت تشد الرحال اليها في كل موسم اصطياف. لجمالها الخلاب بشهادة كل من زارها خاصة الأسر القادمة من الصحراء وكذا الجمعيات المختلفة، الأمر الذي يستدعي من أهل الاختصاص ضرورة الإسراع في استغلال هذه الشواطئ، من خلال برمجة انجاز مشاريع سياحية تتناسب وخصوصية كل منطقة فلا مركبات سياحية ولا مطاعم فاخرة أو فنادق أو أماكن التسلية بهذه الشواطئ البعيدة. ولعلّ استغلال هذه المناطق الساحلية العذراء سيزيد حتما في عدد المصطافين كما أنه سيخفف الضغط على الشواطئ الكبيرة كصابلات وعين إبراهيم، حيث مرافق الإيواء لم تعد تستقبل الكم الهائل من المصطافين في ظل نقص مراكز الإيواء وضعف طاقات الاستقبال مما جعل الأسعار بها تلتهب في كل صائفة، ويؤثر سلبا على عدد الوافدين الذين يغيرون وجهتهم الى ولايات ساحلية أخرى، بينما تضطر الكثير من العائلات إلى استئجار شقق أحواش وسكنات قصد قضاء عطلتها على شواطئ هذه الولاية المضيافة. ظاهرة كراء السكنات اتسعت رقعتها بهذه الولاية بشكل كبير خاصة في المدة الأخيرة، حيث عمدت بعض العائلات لاستعمالها كوسيلة في الحصول على مداخل إضافية خلال هذا الفصل فيما عمد الكثير من المستفيدين الجدد من السكنات الاجتماعية والتساهمية الى بيعها لأشخاص من ولايات الشلف وغليزان وغيرها. والظاهرة في تزايد مستمر خاصة ببلدية أولاد بوغالم في ظل غياب الرقابة اللازمة من أهل الاختصاص، بالرغم من أزمة السكن الخانقة التي تعاني منها هذه البلدية منذ عقود من الزمن بسبب غياب الوعاء العقاري، حيث لا تزال المئات من العائلات تقطن في بيوت قصديرية وأخرى آهلة للسقوط. غياب الاستثمار السياحي: نقطة سوداء وبتجوالنا في بعض الشواطئ، شد انتباهنا الارتفاع الجنوني للأسعار، فنجد أن سعر كراء المظليات الشمسية يفوق 300 دينار عند الأمسية ويصل إلى 500 دينار ليوم كامل، وحتى أصحاب المقاهي والأكلات الخفيفة ينتهزون الفرصة ليضاعفوا سعر سلعهم إلى أكثر من 50 بالمائة، رغم أن بعض السلع لا تستوفي قواعد النظافة، فتجد الباعة المتجولون من كلا الجنسين وأغلبهم أطفال يسوقون مواد معرضة لأشعة الشمس طوال النهار قد تتسبب في حدوث تسممات غذائية.غياب الاستثمار السياحي عير شواطئ الولاية كان له الأثر السلبي في تقلص عدد السياح الأجانب من جنسيات مختلف، الذين كانوا يتوافدون عليها في كل موسم اصطياف قبل العشرية السوداء، حيث لم نعد اليوم نرى هؤلاء بالرغم من عودة الهدوء واستتباب الأمن منذ أكثر من 10 سنوات، مما يؤكد أن مستغانم التي كانت تسمى جوهرة المتوسط فقدت مكانتها السياحية.