ودّع الباتنيون شهر رمضان الفضيل لعام 2012، في أجواء ساخنة على جميع الأصعدة بعكس أجواء شهر رمضان خلال السنوات الماضية، ومن هذا المنطلق ارتأت “السلام اليوم” أن تعود بقرائها الأوفياء إلى أبرز المحطات والأحداث التي واكبت يوميات الصائمين بولاية باتنة، تزامنا وحلول أولى أيام الشهر الكريم لهذا الموسم إلى غاية آخر يوم منه. لم تشفع خصوصية شهر رمضان المعظم في كبح جشع تجار لا يأبهون لخصوصية شهر الرحمة والرأفة بالمحتاج، فكلما حلت مناسبة خاصة كهذا الشهر الفضيل إلا وشكل ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الواسعة الاستهلاك عبئا ثقيلا يؤرق كاهل المستهلكين، حيث أصبح التهاب أسعار المواد الغذائية من خضر وفواكه ولحوم باختلاف أنواعها ملازما لشهر رمضان، وتحول هذا الغلاء الفاحش إلى لهيب يلفح جيوب الفقراء وميسوري الحال. وشهدت أسعار مختلف المواد الغذائية الأكثر رواجا واستهلاكا وكذا أسعار شتى أنواع اللحوم البيضاء والحمراء ارتفاعا جنونيا مع أول يوم من حلول هذا الشهر، حيث استغل التجار فرصة هذه المناسبة للزيادة والمضاربة في الأسعار رغم الرقابة الصارمة التي فرضتها مصالح مديرية التجارة بباتنة، إلا أن نيران لهيب الأسعار اكتوى بها المواطن البسيط الذي لم يجد من سبيل سوى اقتناء اللحوم بأسعار تجاوزت 1000دج للكيلوغرام الواحد. وعلى الرغم من غلاء أسعار مختلف المواد الاستهلاكية إلا أن المتجول في أسواق مدينة باتنة، يتفاجأ بذلك الكم الهائل من الزبائن والإقبال والتهافت المنقطع النظير على شراء مختلف المنتجات في ظل عودة حركية تجارية ونشاط مكثف صنعه عدد من شباب المدينة الذين نصبوا طاولات لبيع المواد الغذائية ومختلف أنواع الحلويات على حافة الطرقات التي تعج بالمارة والمتسوقين. وهو مؤشر يدل على عودة ظاهرة التجارة الفوضوية لترسم هندسة جديدة عبر أهم الطرق والشوارع الرئيسية منذ شهر رمضان، وهذا نتيجة الزحف الجماعي للباعة الفوضويين القادمين من مختلف المناطق من داخل وخارج إقليم الولاية. ولعل من أبرز سمات رمضان هذا الموسم هو الارتفاع القياسي في درجة الحرارة، والتي وصلت إلى حدود 45 درجة مئوية في بعض الفترات بولاية باتنة وما جاورها من المدن، وهو ما حتم على الصائمين بالمكوث مطولا في بيوتهم هروبا من أشعة الشمس الحارقة، وكذا تفاديا للعطش الشديد وقت الظهيرة، مع الخروج للتسوق واقتناء لوازم المائدة الرمضانية قبيل ساعات قليلة عن موعد الإفطار، ووجدت العائلات الباتنية نفسها مجبرة على التسوق ليلا، بعد أن تعذر عليها الخروج نهارا بسبب الحرارة المرتفعة. طوابير لا متناهية في كل مكان وشلل تام في حركة المرور تشكلت منذ الأيام الأولى من حلول شهر الصيام طوابير طويلة من المواطنين، حيث يصطف العشرات من الزبائن منذ الساعات الأولى من الصباح الباكر أمام محلات بيع المواد الغذائية، المخابز، محلات بيع الحليب ومشتقاته، محلات الحلويات التقليدية الموجودة في بعض الأحياء الرئيسية والتي تعرف إقبالا كبيرا، وهو ما تسبب في ندرة حادة لمادة الخبز، حيث باتت الكميات التي توفرها المخابز يوميا لا تلبي حاجيات المواطن وسرعان ما تنفذ من رفوف المخابز والمحلات التجارية منذ الساعات الأولى بسبب كثرة الطلب والإقبال المتزايد. وهو ما سبب متاعب للمواطنين في التنقل من مكان لآخر في هذا الفصل الحار بحثا عن رغيف الخبز، وسط أجواء من الهستيريا والفوضى التي تعم أرجاء الأسواق الشعبية ومختلف نقاط البيع، مع حدوث ملاسنات ومناوشات بين الزبائن تكاد تصل في بعض الأحيان إلى حد الاشتباك بالأيدي، بسبب الزحام الذي يسود المكان المكتظ عن آخره، وهو ما صعب على أصحاب السيارات أو حتى الراجلين من المرور جانبا. كما امتدت الندرة لتشمل مادة الحليب خاصة عبر العديد من المناطق النائية والمعزولة، وهذا راجع إلى توقف بعض الموزعين عن مزاولة نشاطهم خلال هذه الفترة خوفا من تعرض كميات الحليب إلى التلف والفساد جراء الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وارتفاع الحرارة إلى درجات قياسية. ولم تقتصر طوابير الانتظار على أسواق المواد الغذائية فقط، بل امتدت مع حلول العشر الأواخر من شهر رمضان لتشمل أسواق ومحلات بيع الألبسة، والتي عرفت هي الأخرى لهيبا في الأسعار مع اختلاف في الجودة والنوعية، وكل حسب إمكانياته المادية. أسواق تحت مجهر الرقابة والقمامة كشفت تدخلات مصالح الرقابة وقمع الغش بمديرية التجارة بباتنة، عن تزايد مؤشر التجاوزات من قبل الباعة والتجار من خلال تماديهم في إلهاب نيران الأسعار التي مست أجنحة الخضر والفواكه واللحوم، دون الحديث عن انعدام المقاييس الصحية والوقائية الواجب توفيرها لضمان صحة المستهلك، وعرفت مختلف أسواق ولاية باتنة ترويج مواد استهلاكية فاسدة وأخرى وشيكة التلف في ظروف غير صحية، تحت درجة حرارة عالية بعيدا عن مجهر الرقابة، ناهيك عن الانقطاع في التيار الكهربائي الذي زاد من الأمر أكثر تفاقما، وجعلت الفوضى بمختلف الأسواق الشعبية بباتنة أهم ميزة لها هذه السنة لم يسبق وأن تم تسجيلها في السنوات الماضية، إذ تنتشر تجارة مختلف المواد الواسعة الاستهلاك على الأرصفة وخارج المحلات على الطاولات دون مراعاة أدنى شروط النظافة والتبريد والبيع تحت درجة حرارة عالية قاربت 45درجة مئوية في بعض الأوقات الأمر الذي يعد في غاية الخطورة خصوصا فيما يتعلق بمشتقات الحليب والمشروبات الغازية وغيرها. وبلغة الأرقام فقد تمكنت مصالح الرقابة وقمع الغش بباتنة من حجز 6 قناطير من المواد الغذائية الفاسدة والموجهة للاستهلاك، وشملت هذه المواد الغذائية الحليب ومشتقاته، الزيت والدقيق، وهذا كحصيلة إجمالية ل 1200 تدخل للمصالح المعنية من طرف مديرية التجارية للولاية طيلة شهر رمضان، كما تم بالمقابل تحرير 720 محضر مخالفة للشروط المنصوص عليها في قانون المعاملات التجارية، تم إحالتها على العدالة للبت فيها. من جهة أخرى زاد تراكم القمامة وانتشارها عشوائيا وبكثافة داخل الأحياء والتجمعات السكنية، من إمكانية إصابة العديد من ساكني الأحياء بالأمراض المزمنة والخطيرة، كالربو والحساسية وأمراض تتسبب فيها لسعات البعوض وغيرها من الأمراض التي تنتشر بسبب قلة النظافة، حيث أصبحت القمامة المتراكمة من الصور التي ألفها المواطن في الكثير من الأحياء وهو ما يعد مصدر قلق وهاجس يؤرق السكان جراء الرمي العشوائي للمواطنين وهو ما ساعد في انتشار روائح كريهة في ظل ارتفاع قياسي لدرجة الحرارة وانتشار الحشرات في فصل الصيف، وهو ما نتج عنه جملة من المشاكل الصحية والبيئية بحيث شوهت المحيط وأساءت للمنظر العام لمدينة باتنة. احتجاجات عارمة بسبب ندرة المياه وانقطاع الكهرباء شهدت ولاية باتنة عبر مختلف دوائرها وبلدياتها منذ حلول شهر رمضان، نشوب العديد من الحركات الاحتجاجية، بسبب التذبذب في توزيع المياه وكذا هاجس الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، وهو ما دفع بالعشرات من المواطنين للخروج إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم ورفضهم للأوضاع المتردية التي أصبحوا يتخبطون فيها من ندرة للمياه عبر الأحياء والتجمعات السكنية إلى انقطاع الكهرباء الذي ينغص يومياتهم في أوقات الضرورة ولمدة طويلة تزامنا وارتفاع درجات الحرارة الفصلية، حيث أقدم في أكثر من مرة سكان المعذر، مروانة، بريكة، الجزار... على غلق الطرق الرئيسية وشل حركة المرور أمام المارة، مستعملين الحجارة والمتاريس وحرق للعجلات المطاطية، وهو مادفع بالسلطات المحلية للتدخل من حين لآخر لتهدئة الأوضاع، غير أن استمرار هاجس الانقطاعات الكهربائية أجبر المواطنين على الإفطار، فيما تبقى من أيام شهر رمضان تحت ضوء الشموع.