يسعى القائمون على تسيير الزراعة في الجزائر إلى تذليل إشكالية السقي الزراعي في البلاد من خلال خطة “اقتصاد المياه” التي تروم تغطية 1.2 مليون هكتار من الأراضي الجافة بحلول العام 2013، فيما يدعو خبراء إلى توخي تصور شامل لاستراتيجية جديدة تضمن إعادة هيكلة وتأهيل منظومة المياه في الجزائر، مع الإشارة إلى أنّ 70 بالمائة منها يذهب إلى القطاع الزراعي. ويرى رشيد بن عيسى وزير الزراعة والتنمية الريفية، أنّ مصالحه ستدعم اقتصاد المياه خلال السنة الحالية، ويبرّر بن عيسى منح الأولوية للمياه، بكون الجزائر تعاني نقصا مقلقا في مجال المياه، لذا ينبغي تكثيف الاستعمال العقلاني لمختلف الوسائط المساعدة على تحسين الإنتاجية على مستوى المستثمرات الزراعية ولدى المربين. وأشار بن عيسى إلى أنّ الرهان الأساس لدى قطاعه هذه السنة، سيرتكز على تقوية الديناميكية التي تولّدت منذ العام الماضي لدى جمهور المزارعين والمربّين وجعلها مستدامة، وقال بن عيسى إنّ استمرار وتوافر عناصر النجاح، سيرفع من معدلات الإنتاج الزراعي في الجزائر. وأحصى الوزير إنتاج 2.6 مليون طن من البطاطا، إضافة إلى 2.8 مليون هكتار من الحبوب خلال سنة 2009، علما أنّ الجزائر تعودّت على إنتاج ثلاثة ملايين هكتار سنويا خلال الأعوام القليلة الماضية، واعترف المسؤول الأول عن قطاع الزراعة في الجزائر بوجود تحسن محتشم على صعيد إنتاج الحبوب، في وقت لا تزال وزارته تريد الوصول إلى سقف إنتاجي لا ينزل تحت عارضة الأربعة ملايين طن سنويا. من جانبه، صرّح جمال زارب مسؤول بالمعهد الوطني للتربة والسقي وصرف المياه، أنّ الأهداف المندرجة في إطار البرنامج الخاص باقتصاد المياه، تتطلب جهودا حثيثة من طرف كافة فاعلي القطاع، ويشير زارب إلى ضرورة توفير التجهيزات التي تمكّن من اقتصاد المياه سواء بواسطة الرش أو التقطير أو السقي المحدد أو عن طريق التقليص بنسبة 50 بالمئة من السقي عن طريق الاستعانة بقوة الجاذبية. وبحسب المسؤول ذاته، فإنّ تجسيد مشروع تنمية المناطق الجافة وشبه الجافة، سيسبقه إعداد برنامج للمرافقة التقنية الخاصة بتنفيذ هذا المخطط العملي، مع إنشاء لجنة محلية مركزية ذات تفريعات جهوية لمتابعة وتقييم برنامج تنمية تقنيات السقي الحديثة على مستوى سائر المزارع. بدوره، يرى الخبير مراد حيون، أنّ مضاعفة حجم الأراضي المسقية يتطلب حجما من المياه ب8.9 مليار متر مكعب، الأمر الذي يفوق الكمية المتوفرة من المياه المتوقعة في إطار المخطط المحلي للماء، مما يستوجب اللجوء إلى الأنظمة المقتصدة للمياه، هذه الأخيرة تفرض بمنظار حيون - تطويرا أكبر عن طريق توسيع نطاقاتها وإعادة تحويل أنظمة السقي بالجاذبية المتوفرة إلى أشكال أخرى مقتصدة للمياه، وتخصيص لقطاع الزراعة ما يعادل حجم المياه المعبأة بواسطة محطات التحلية واللجوء إلى المياه غير الطبيعية المحصّل عليها عن طريق معالجة المياه المستعملة. واستنادا إلى معايير ميدانية، فإنّ تطوير زراعة الحبوب في المساحات المسقية، يقتضي تعبئة ثمانمائة مليون متر مكعب لكل مائة ألف هكتار من البطاطا، مقابل خمسمائة مليون متر مكعب تخص كل 50 ألف هكتار من الأعلاف، و150 مليون متر مكعب لكل 50 ألف هكتار من أشجار الزيتون. ويحصر مختصون مصاعب على صعيد تنفيذ هذا البرنامج، بحكم غياب دراسات لتحديد الأحجام، ما يؤدي غالبا إلى عدم فعالية شبكات السقي المعدّة، خصوصا مع قدم تجهيزات السقي وقنوات صرف المياه ببعض المحيطات وفضاءات السقي المتسببة، وهي اعتبارات تقلّص من جدوى هذه الشبكات. كما أنّ نوعية التجهيزات المستعملة تكون في الغالب دون المستوى المطلوب، بما يؤدي إلى تدني ملموس لفعاليتها إلى جانب الاستعمال غير العقلاني للموارد المائية، وهذا ناتج عن الجهل بتقنيات السقي المقتصدة للماء ونقص المراجع التقنية. وتشير بيانات رسمية إلى أنّ المساحات الزراعية المسقية قفزت من 350 ألف هكتار سنة 2000 إلى حدود تسعمائة ألف هكتار، مع تعزيز سنوي وصل إلى حوالي 70 ألف هكتار، في وقت يُتوقع أن تصل الأراضي المسقية عن طريق الأنظمة المقتصدة للمياه إلى 810 ألف هكتار في غضون السنتين القادمتين، وهو ما يمثل 78 بالمئة من المساحة الإجمالية. وبدأت الجزائر قبل سنتين مخططا سمح بتوظيف المياه المستعملة في سقي المساحات المزروعة، وجرى تطهير نحو 86 بالمائة من إجمالي المياه المستعملة –ما يعادل 375 مليون متر مكعب – تحسبا لاستغلالها في القطاع الزراعي، علما إنّ إحصائيات أشارت إلى أنّ الجزائر كانت تستخدم في السابق 90 مليون متر مكعب من المياه المستعملة دوريا لأجل أغراض زراعية، وتعادل هذه الكميات المسترجعة، ما تستوعبه عشرة سدود متوسطة السعة.