طاوش ميلود ممثل ومؤلف مسرحي استهوته الخشبة وعالمها الساحر، فعشق التمثيل المسرحي وقرأ لكبار الكتاب الدراميين و عاصر جيلا من المبدعين وعمالقة المسرحيين الجزائريين علولة، مجوبي، ولد عبد الرحمن كاكي، فكان هؤلاء مدرسته الأولى وتعلم من الأجواد، الحافلة تسير، ديوان الصالحين، حمام ربي، حمة الفايق، عالم الباعوش، جلول الفهايمي في زمن كان المسرح يصنع الفرجة، يحتضن هموم الشعب ويحيي من أجل الجمهور ويصنع من أجله أيضا، فكانت الخشبة تسحر الأفئدة قبل العقول . عن بداياته، عن التجارب التي خاضها في عالم التمثيل والكتابة المسرحية، عن المشهد الثقافي المتبدد والمبعثر حدثنا طاوش ميلود، وفتح قلبه ل«السلام اليوم” فكان هذا الحوار الصريح: متى كان أول احتكاك لك بالخشبة؟ البداية كانت في ريعان الشباب في القسمة الأولى على مستوى حي الدرب الشعبي، مع الفقيد محمد حولية وعز الدين عماري سنة 1976، وأول عمل مسرحي قدمناه مع الراحل محمد حولية كان مسرحية الحملة والتي تطرقت لموضوع انحراف الشباب، والتي شاركنا بها في فعاليات مهرجان مسرح الهواة بمستغانم. من التمثيل إلى إنشاء فرقة كيف كان هذا التحول؟ حبي للخشبة دفعني لإنشاء فرقتي الخاصة سنة 1979 بمعية المسرحي بن طيفور محمد وعز الدين عماري، والتي أطلقنا عليها اسم “ثلاث نقاط”، و كان أول عمل مسرحي بعنوان “السوسة” والذي تناولنا فيه موضوع الثورة الثقافية، وكان لنا الحظ للمشاركة بها في أول قافلة ثقافية انطلقت من مدينة وهران، وجابت العديد من ولايات القطر الوطني حتى الجنوب الجزائري لمدة شهر كامل بمساهمة اللجنة التطوعية الجامعية، وتواصل نشاط الفرقة فكان عمل مسرحي ثان بعنوان “بيع الهواء” حول آفة الدجل والشعوذة، في سنة 1984 مسرحية “الغلطة منين” والتي تطرقنا فيها لقضية الخلافات الزوجية والطلاق. لاحظنا بأنك تميل إلى المواضيع الاجتماعية في جل مسرحياتك ما الدافع؟ المسرح هو لغة الشعب ومخاطب البسطاء وليس سفرا أفلاطونيا في الخيال، فلا يجب أن ينقطع المسرح أو يبتعد عن معالجة قضايا عموم الناس لأنه وجد لهم ومن أجلهم، فالمسرح رسالة وخطاب وليس مجرد حركات أو نصوص جامدة لا روح فيها. لما توقف مسار الفرقة بعد كل هذه الأعمال الناجحة؟ توقف نشاط الفرقة نتيجة ظروف وسفري إلى مرسيليا سنة 1985، وهناك كونت فرقة “طريطو دي مارساي” وهو مسرح حر وكان أول إنتاج قدمته مسرحية “لوسيد” للمسرحي الفرنسي العملاق “كورناي”، في سنة 1987 سافرت إلى مدينة نابولي وشاركت ضمن فرقة “تراجيديا دي مورو” الايطالية وقدمنا مسرحية “هرقل” بأربع لغات الايطالية، العربية، الانجليزية والفرنسية وكان عرضا ناجحا. ماذا أضاف لك احتكاكك بالوسط المسرحي الأوروبي؟ لأوروبا تجربة عريقة في المسرح ومن المؤكد أنني اكتشفت أنواعا مسرحية وأنماطا من التمثيل والأداء تختلف عن ما عرفته هنا وخصوصا مسرح الشارع وكذا المسرح الحر وهي جميعها تجارب أضافت لي الكثير. وماذا بعد هذا المشوار؟ بعدها كانت العودة إلى الوطن والتفرغ التمثيل والكتابة والتأليف المسرحي وفي رصيدي خمسة عشر نصا، رأت خمس مسرحيات منها النور و ترجمت على الخشبة هل من مشاركات؟ من بين مشاركاتي مسرحية حول البيئة والطفل في الفاتح جوان 2011 على خشبة المسرح الجهوي عبد القادر علولة بوهران في 2012 قمت بمعية المسرحي محمد بن طيفور، بتقديم عمل مسرحي تكريما للمسرحي الراحل ولد عبد الرحمن كاكي والتي تزامنت مع ذكرى وفاته، تحت عنوان “ظروف الحياة”، والتي هي عبارة عن مونولوغ يروي جزءا من معاناة الفنان الذي يعطي دون ان يلقى العرفان بالجميل والتقدير كمسرحي ماهو تصورك للمشهد الثقافي في وهران؟ وهران مريضة ثقافيا و مشهدها الثقافي باهت لا حياة فيه و لا روح، فالهيئات الثقافية مستقيلة من مهامها نتيجة توقف عجلة الإبداع و من يبدع فاءنه يواجه صعوبات العرقلة و الإقصاء ، فكثيرا ما توصد الأبواب مما يجعل الجمود سيد الموقف مع الأسف. من المتسبب في هذه الوضعية في اعتقادك؟ أهل الحل والعقد ممن أوكلت إليهم مهام الإشراف على الارتقاء بالثقافة فوهران مدينة نابضة بالحياة والمبدع فيها يدفع فاتورة الإقصاء وما يوجد على الساحة خصوصا في الميدان المسرحي - ماهو إلا اقتباس فلا وجود للنصوص المؤلفة، برغم أن الساحة تعج بالكتاب المسرحيين المبدعين، فليس هناك من مسؤول يفسح المجال للمؤلف مما يجعل نصوص المبدعين محكوم عليها أن تبقى حبيسة الأدراج للأبد. هل هذا يعني انك كمسرحي تعارض الاقتباس؟ الاقتباس تقاعس خصوصا إذا كان لنصوص لا تأتي بالجديد فيلجأ أحدهم إلى شراء رواية أو قصة لا يتجاوز ثمنها 50 دينار أحيانا ويحول مضمونها إلى نص مسرحي، أين هو الإبداع في هذه الحالة؟ كثيرون يبحثون عن السهولة من خلال النصوص الجاهزة وأنااسميه “مسرح فاستفود” ومع ذلك يلقى الدعم وتصرف عليه الملايير وأحيانا يعرض مرة أو ثلاثة وسرعان ما يعزف عن مشاهدته الجمهور ويطويه النسيان، وأتساءل أين نحن من نصوص عبد القادر علولة، الاجواد، القوال لا تزال حية بالذاكرة الجماعية، وقوة تلك المسرحيات يرتوي منها جيل من المسرحيين الشباب وطلبة الفنون الدرامية بالجامعة حيث أضحت مرجعا لهم ونهر عطاء لا ينضب، نحن في منأى عن ذلك اليوم وما يقدم على خشبة علولة هي أعمال تنفق عليها الملايير وسرعان ما تتلاشى من الذاكرة، فممارسة المسرح لدى البعض بات وسيلة للحصول على الدعم ومن اجل المال فقط وهذا لايثمن الإبداع الخلاق. هل يعني هذا انك وجدت أبواب المسرح موصدة في وجهك؟؟ أتحدى أي كان يدعي بأن هناك مسرحا وبأن الأبواب مفتوحة على مصراعيها للكتاب المسرحيين من أجل تقديم أعمال جديدة على الخشبة. ما السبب في رأيك؟؟ إنها سياسة “الكلانيزم” التي لا تزال تعشش في عقول بعض المسؤولين القائمين على شؤون الثقافة في وهران، هذه السياسة التي عصفت بكل المبادرات الرامية للارتقاء بالمسرح نحو الأجود والأفضل وتقديم الجديد، هناك مسرحيات عرضت أزيد من 50 مرة، وهذا دليل على عقم الساحة المسرحية برغم وجود المؤلفين بحيث توكل دائما مهام انجاز أعمال مسرحية ولذات الوجوه التي ألفها المشاهد وما يتغير هو عناوين المسرحيات لا غير. وقوفا عند مسألة التأليف المسرحي نعرف بأنك جربت الكتابة للطفل، ما هو تقييمك للأعمال الموجهة لهذه الشريحة من الجمهور؟ جل المسرحيات التي تقدم للأطفال منبعها نصوصا مقتبسة فلا وجود للابداع، وفي مجملها هي اعمال تبتعد عن الواقع. كيف تتصورون مستقبل المسرح في وهران في ظل هذه الظروف؟ وهران تفتقر لمهرجان ينعش الحركة المسرحية ويفتح الآفاق للإبداع ويخرج النصوص الجامدة من الأدراج ويضع حدا للقتل المتعمد لكل المبادرات والمساعي لخلق مسرح تفاعلي ومتفاعل يتعايش مع الواقع ويكون جزءا منه. كثيرا ما لوحظ تشرذم الممثلين المسرحيين في وهران، ألم يضر هذا بالمسرح أكثر من أي شيء آخر؟ غياب نقابة فنية تدافع عن الممثلين المسرحيين والفنانين عموما ولجنة انتقاء النصوص صارمة تؤدي مهامها بعيدا عن المحاباة، والوجوه هو عامل شجع وكرس التشرذم بالإضافة إلى أبواب دار الثقافة “زدور ابراهيم بلقاسم” التي ظلت موصدة منذ 2008 ومصير أشغال ترميمها مجهولا، وهي التي كانت بمثابة الحضن الدافئ وملتقى المبدعين ومنبع العديد من الأعمال المسرحية. بعيدا عن هذا المشهد القاتم هل من مشاريع لك في الأفق؟ أعكف حاليا على كتابة عمل مسرحي جديد بعنوان “الطاحونة” وهو يتناول مشاكل بعض الفلاحين يتعرض محصولهم إلى الاستحواذ من قبل بعض احد أصحاب الأموال، وستكون جاهزة للعرض في شهر مارس من السنة المقبلة. في النهاية، أقول دعونا نبدع، دعونا نعمل افتحوا لنا الأبواب وكفانا اقصاءا يا اهل الحل والعقد.