بالرغم من تطور العادات الاستهلاكية واندثار العادات لا تزال أكلة “البويشة” التقليدية المتوارثة عن الأجداد سيدة الأطباق الجيجلية احتفالا بالمناسبة الدينية عاشورا بالرغم من تغير وتطور العادات الاستهلاكية واندثار الكثير من عادات وتقاليد الأكلات الجزائرية. وحسب السيدة زينب، ربة بيت، فإن معظم العائلات الجيجلية أن لم تكن كلها تتفنن في إعداد هذا الطبق الذي يتكون من ثلاثة مواد رئيسية هي الدشيشة (سميد خشن) وزيت الزيتون والتمر اليابس. وعن كيفية التحضير وطهي هذه الأكلة التقليدية بامتياز- تضيف زينب أن ربات البيوت يقمن بإعداد الدشيشة سواء بشرائها مباشرة من عند البقال أو من خلال غربلة السميد وأخذ الخشن منه، ثم جلب التمر الجاف وزيت الزيتون. وبعد تحضير هذه المواد الأساسية الثلاثة يتم غسل التمر وتقطيعه الى نصفين وتنزع النواة منه، ثم تخلط المكونات بإضافة الماء والقليل من الملح ويترك الخليط ليرتاح حوالي ساعة من الزمن وبعدها يوضع من الأحسن في إناء حديدي ويغلق جيدا ليوضع هذا الإناء الذي يحتوي على الخلطة بدوره داخل إناء ثاني مملوء بالماء على نار هادئة لمدة تصل الثماني ساعات وهي المدة الكافية لطهي ” البويشة “، لتقدم بعدها مع كأس حليب حسب ذوق كل فرد. ولعل من أهم ميزات “البويشة” قيمتها الغذائية الكبيرة، فمكوناتها الأساسية من تمر وزيت زيتون تسمح بإعطاء الجسم طاقة حرارية تسمح لمن يتناولها بالبقاء لمدة طويلة على شبع “البويشة” طبق محلي جيجلي بامتياز. وعن تاريخ “البويشة” سيدة أطباق عاصمة الكورنيش، تقول زينب أن هناك العديد من الروايات عن تاريخ الطبق، فهناك من يقول أن أصلها تركي والبعض يقول بريطاني اشتهرت أثناء الحروب لما لها من قوة في اعطاء الطاقة والتحمل للجنود ومقاومة الجوع وغيرها من الروايات. أما رئيس جمعية جيجل العتيقة لإحياء التراث الثقافي المحلي جمال الدين حاجي، فقد استبعد فرضية كون أصل “البويشة” تركيا أو بريطانيا بل “أصلها جيجلي ” وما يؤكد ذلك أن “الأتراك عاشوا في عدة ولايات من الجزائر على غرار الجزائر العاصمة وقسنطينة وتلمسان والمدية وغيرها إلا أن هذه الأكلة لا تتواجد بهذه الولايات باستثناء جيجل، يضاف الى ذلك أن تركيا لا تشتهر بالتمر اليابس المستعمل كعنصر أساسي في إعداد الطبق بل هو متواجد عندنا”. كما أن استبعاد البريطانيين من فرضية كونهم مصدر “البويشة” فيعود – حسب حاجي – إلى أن البريطانيين قدموا إلى جيجل مع بداية الحرب العالمية الثانية وتقريبا مع العام 1942 في حين أن طبق البويشة ظهر قبل ذلك بعشرات السنين، فضلا على أن السكان المحليين آنذاك كانوا لا يتعاملون بكثرة مع الجنود ومن ثم فإن توارث الطبق منهم يبقى مستبعد جدا. وحسب ذات المتحدث فإن البعض يخلط بين “البويشة” التي تقتصر بكثرة على أبناء مدينة جيجل و”البويشة” التي تعدها بعض العائلات في البلديات المجاورة والفرق الأساسي يكمن في أن الأولى حلوة المذاق في حين أن الثانية مالحة المذاق، كما أن البويشة تقدم صباحا للإفطار أما “البويشة” فتقدم في وجبة العشاء وهي مليئة بالخضار واللحم. وباستبعاد الفرضيتين التركية والبريطانية – يقول جمال الدين – يبقى الأصل وهو كون الطبق محلي جيجلي بامتياز، وأن اختلف البعض في أصل وتاريخ هذه الأكلة التقليدية المتوارثة إلى اليوم فقد أجمع كلهم على لذة “البويشة” وارتباط طبخها بالاحتفال بيوم عاشوراء.