عرض فيلم البلح المر المشارك ضمن المنافسة الرسمية لمهرجان الفيلم العربي في خانة الأفلام الروائية القصيرة بسينيماتيك وهران، حيث عاد بنا المخرج جهاد الشرقاوي من خلاله إلى التاريخ القديم لفلسطين وإلى أجداده الكنعانيين الذين جعلوا منها مهدا للحضارات مرورا بالإرث الذي تركه أنبياء الله على هذه الأرض الطيبة، ومن ثم توقف الصورة عند النكبة والاحتلال الإسرائيلي ووعد بلفور الذي شكل مرحلة صنع المعاناة الفلسطينية، أين لا تزال صورها وانعكاساتها مستمرة حتى وقتنا الحاضر. تمكن المخرج جهاد الشرقاوي بطريقة ذكية من مزج وقائع أرشيفية موثقة والعودة إلى تلك الأحداث وربطها بالقصة التي تروي معاناة العجوز الفلسطينية التي وهي تقلب صفحات كتاب تعود إلى كل تلك الأحداث المؤلمة التي مرت بها فلسطين وإلى لحظة ترحيلها من يافا باتجاه مخيمات اللجوء بغزة، فظلت تحمل ألم فراق أرضها وبيتها ومدينتها... لتكون صورة والدته التي اختارها الراوي في هذا العمل الذي رغم بساطته يحمل دلالة عميقة عن الأصل الفلسطيني لأن للشجرة جذور ربما للتأكيد على عمق جذور الشعب الفلسطيني بعيدا عن ذلك التشويه الذي يحاول الصهاينة من خلاله سرقة التاريخ، لأن الشجرة التي لا تمتلك جذورا لن تتمكن من طرح ثمار كما أنها لن تنبت حتى في الأرض الخصبة. حمل الفيلم شلال من الصور المتلاحقة في شكل كر وفر متعمد ومقصود وكأن المخرج يريد من خلاله أن يجعل أعين المشاهد دائما متتبعة ومتفطنة ويقظة، أسلوب جديد ورؤية سينمائية لم نعتد عليها في الأفلام الأخرى ولربما ارتبطت ارتباطا وثيقا بالواقع الفلسطيني لتكون جزء منه، فالإنسان الفلسطيني يعيش ظروفا غير عادية وخاصة، صنعها الاحتلال وفرضها عليه عنوة. تنتظر الجدة في زاوية من البيت رؤية أولادها وأحفادها الذين غادروا الوطن وهي تقشر حبات البلح ولا تتوقف عن التطلع للأفق عساها تلقاهم ثانية، بل هل ستلقاهم مجددا هكذا يقول لسان حالها؟ وتعود البطلة، فتروي تفاصيل من حياتها في يافا وحدائقها وجمالها وتلك الأيام قبل الاحتلال حيث كانت الحياة حياة، لكنها لم تعد كذلك بعد الاحتلال وكأن الزمن توقف بمجيء هؤلاء الغرباء. قدم العمل، صورة واقعية عن معاناة الشعب الفلسطيني، بعيدا عن صورة الصدام المباشر بين الجندي والطفل الفلسطيني والشباب المسلح بالحجارة إلى صورة التاريخ الفلسطيني من الأصل والجذور. رؤية جميلة صاغها المخرج بطريقة سلسة في تناول الموضوع من إنسان فلسطيني إلى إنسان آخر، إلى كل أحرار العالم ليفهموا معنى الألم ويدركوا حقيقته، جرح لا يندمل فمن ذا الذي يتمكن في وصف آلام الجراح غير ذلك الذي عانى منها وتركته مكلوما، وبالتالي فالجراح لن تندمل والذاكرة لن تندثر والحلم في العودة إلى الأصل والجذور وأحضان الأم فلسطين سيستمر. ******************* أبدعته رؤى المغربي فاضل شويكة الإخراجية "اليد اليسرى"...طغيان المعتقدات الشعبية وأثرها على المجتمع صنع الفيلم المغربي الحامل عنوان "اليد اليسرى"، لمخرجه فاضل شويكة، الفرجة المطلوبة خلال عرضه ضمن فئة الأفلام القصيرة في مهرجان الفيلم العربي بوهران، حيث استطاع المخرج أسر المشاهد طيلة 30 دقيقة بالرغم من قلة الحوارية داخله وتغلّب الصورة ليروي من خلالها قصة طفل أعسر يستعمل يده اليسرى في الكتابة والقراءة والأكل والسلام وفي كل تصرفاته اليومية، ما سبب له معاناة كبيرة ناتجة عن فكر المجتمع المسبق اتجاه الذين يستعملون أياديهم اليسرى. سببت هذه العادة أضرارا نفسية وجسدية لبطل الفيلم المغربي القصير "اليد اليسرى"، خاصة من طرف والده شيخ الكتّاب الذي ظل يؤنبه بالعنف الجسدي في كل مرة يستعمل فيها الطفل يده اليسرى، والذي ترسخت لديه فكرة أن مستعمل اليد اليسرى مجرد شيطان، ليصل به الأمر إلى غرز قلم الحبر في كف الطفل الصغير عقوبة له على استعمالها مجددا وكأنه يؤكد له مرارا في كل مرة يعاقبه فيها بأنه مستعد لقطعها إن تطلب الأمر . تستمر معاناة الطفل إلى بلوغه سن المراهقة حين يصبح شابا متزوجا وله طفل، وبينما تفتر العلاقة بين الأهل من العائلة الكبرى والصغرى، التي يمثلها كل من والده معلم الكتاب والطفل الشاب المتزوج الذي يقدم كأس الشاي لأبيه حين زاره في بيته باليد اليسرى فيأبى شربه، وتتطور الأحداث إلى أن يقع انفجار في المقهى الشعبي الذي يتردد عليه الشاب فيفقد على إثره يده اليمنى، وأثناء زيارة عائلته له في بيته تفاجئ الوالد بحفيده الصغير يأكل باليد اليسرى حينها رضخ الأب للأمر بعد أن ذرف دموعا الحسرة على ابنه الشاب الذي لن يستطيع الانصياع لأوامره مجددا باستعمال يده اليمنى لأنه فقدها في التفجير، تفجير لم يمهد المخرج لوقوعه ولا سببه وبدا وكأنه خارج السياق ليكون سببا وحيدا لبتر يد الشاب اليمنى. للإشارة، نقلنا المخرج المغربي، فاضل شويكة، من خلال فيلمه القصير "اليد اليسرى"، إلى تلك التفاصيل البسيطة في مجتمعه الخاص الذي ينحدره منه، والذي تمتزج فيه الأسطورة بالواقع، مبرزا أثر المعتقدات الشعبية وتأثيرها على الحياة اليومية ونفوس البسطاء من عامة الشعب.