انتقد عبد الحميد بوداود رئيس المجمع الجزائري للخبراء والمهندسين المعماريين أداء واستراتيجيات وإنجازات من تعاقبوا على قيادة وزارة السكن منذ 1977 لحد الآن، مؤكدا أن معضلة السكن في الجزائر سببها غياب التخطيط الفعال بعيد المدى، مبرزا في حديث خص به "السلام"، عجز 34 ألف مؤسسة مقاولاتية وطنية عن مواكبة فعالية وكفاءة مؤسسات البناء، داعيا وزير السكن إلى فتح أبواب للنقاش مع هيئته لبلورة حلول ميدانية كفيلة بكبح جماح أزمة السكن التي أرّقت الجزائريين. أولا ما قولكم بخصوص مقدرة الحكومة الجديدة بقيادة سلال على تجسيد المخطط الإنمائي قبل نهاية أجاله المبرمجة شهر أفريل 2014؟ الحكومة فعلا قدمت برنامجا وهذا شيء يعلمه العام والخاص، لكن كل برنامج يستدعي رجالا أكفاء واستراتيجيات مبنية على دراسات تقنية وميدانية لتطبيقه على أكمل وجه، فهل هذا متوفر حاليا؟، وهو السؤال الذي يطرح نفسه، فقد تداول على وزارة السكن منذ الاستقلال 30 وزيرا قدموا برامجهم وعكفنا على تجسيدها لكن لم تقدم الحلول الشافية، إذ كنا بعد 1962 على بوابة مليون و900 وحدة سكنية، اليوم نحن أمام 7 ملايين سكن وهي مفارقة رقمية تعكس تطورا ملحوظا في المجال، لكن أزمة السكن لا تزال تلقي بظلالها على المجتمع الجزائري، وعليه يمكن القول أن الأزمة "أزمة رجال" انحرفوا عن مسار المهنية الحقّة وتحمل المسؤوليات، وعليه يمكن القول إن الحكومة قادرة على تجسيد مخططها على أكمل وجه وفي أجاله المحددة إذا تمكنت من وضع الرجال المناسبين الفعالين والمتفانين في الأماكن المناسبة، هذا طبعا مع تبني استراتيجيات مدروسة كفيلة بضمان الحلول الفعالة مستقبلا، في حال ما توبعت بلجان رقابة دورية قادرة على تطبيق القوانين في هذا المجال بإحكام وجرأة، وصرامة في حق المخالفين، وعديمي الكفاءة، ومنح الفرص لمن يستحقون ذلك وفقا للشروط التي يحددها قانون العمل الجزائري. ماذا بخصوص الطريقة والمعايير المعتمدة في توزيع مشاريع البناء في الجزائر، في ظل المنافسة الشرسة بين المقاولين المحليين والأجانب، وهل يمكن أن تقدم لنا العدد الرسمي للمقاولين الجزائريين الناشطين في الساحة؟ في بادئ الأمر لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة جدا ألا وهي سيطرة واستحواذ مؤسسات الإنجاز الأجنبية بشكل شبه كلي على مشاريع البناء في الجزائر، الوضع الذي يدفعنا إلى التساؤل، أين هي المؤسسات المحلية من كل هذه المشاريع التي لا تعد ولا تحصى، والتي استحوذ عليها الأجانب خاصة الصينيون منهم؟، الأمر راجع إلى عدم قدرة مؤسساتنا على مواكبة نشاط وتطور، وكذا فعالية وكفاءة المؤسسات الأجنبية التي تتفوق على مؤسساتنا من حيث العتاد المتطور وكم العمال المؤهلين وجودة تقنييها وخبرائها، الوضع الذي جعل مؤسساتنا معزولة ونشاطاتها منحصرة في بعض المشاريع الصغيرة، وعليه يمكنني أن أصفها بالمؤسسات الخجولة، بحكم عجز 34 ألف مؤسسة إنجاز جزائرية من فرض نفسها، فعلى سبيل المثال أثناء عملية عرض مشروع ما ضمن مناقصة وطنية دولية يلزم فيها المتقدمون للعرض بمهلة زمنية محددة، ووفق معايير جودة عالية، نسجل في هذه الحالة تراجعا أو انسحاب مؤسساتنا، وإن تقدمت وخاضت التجربة لن تلتزم بمهلة المشروع، ما سيزيد من تكاليف وخسائر المشروع خاصة في ظل قلة الفعالية وقدم العتاد، الذي غالبا ما يتعرض للعطب في مراحل إنجاز المشروع، الوضع الذي تحرص السلطات على تفاديه، هذا إلى جانب عدم احترام مؤسساتنا لسلم الوظائف، فغالبا ما نجد المهندس المعماري يزاول مهنة البناء والعكس، في المقابل تلتزم المؤسسات الأجنبية بإنجاز المشروع في وقته المحدد، وبفعالية هائلة وجودة في قمة التفاني وفقا لتجارب ميدانية يشهد لها. وعلى ضوء ما سبق ذكره من فوارق وخصائص تميز المؤسسات الأجنبية عن الوطنية، يمكن بلورة استنتاج، مفاده أن المشاريع توزع بطريقة يمكن الجزم بأنها عادلة، وهو ما تقرره اللجنة المختصة الموكلة من الوزارة الوصية إبان إشرافها على توزيع المشاريع. كما هو معلوم تعيش الجزائر منذ سنوات وفي ظل تنامي إفرازات مشكل السكن ما يعرف بأزمة الإسمنت ومواد البناء، سواء بسبب الندرة أو لهيب الأسعار، فهل الأمر مرتبط برأيكم بضعف الإنتاج المحلي أو المضاربة؟ أولا أشارت الإحصائيات التي أوردتها مصالح الوزارة المعنية إلى إنتاج الجزائر ل 18 مليون طن من الإسمنت سنويا، وعليه إذا وزعت هذه الكمية على 35 مليون نسمة سيتحصل كل فرد على 472 كلغ، الأمر الذي قد يجعلنا ولو نسبيا بعيدين عن مشكل الندرة في هذه المادة، وهنا يمكن طرح السؤال التالي: هل هذه الإحصائيات صحيحة؟، ثانيا أزمة مواد البناء بصفة عامة وخاصة مادة الإسمنت كانت وراء توقف الكثير من ورشات الإنتاج عبر مختلف ولايات الوطن عن العمل لعدة أسباب، على غرار الأزمات المالية وقوة المنافسة الخارجية، هذا إلى جانب غياب اليد العاملة الناشطة في هذا القطاع، الأمر الذي يجعلنا أمام حل حتمي يكمن في تكوين دفعات عمال لسد الفراغ الحالي والقضاء عليه مستقبلا من خلال استغلال ال 1187 مركز للتكوين المهني على مستوى الوطن، لتسخير جيل من التقنيين والعمال المختصين في هذا القطاع الحساس، إلى جانب كل هذا يعتبر واقع غياب المراقبة النقطة السوداء التي تعتبر من أهم عوامل الإخلال بالمنتوج وخلق الأزمات عن طريق ما يعرف بسوء التسيير والتخطيط وكذا التبذير، ففي العديد من الحالات التي تشهد العاصمة نسبة كبيرة منها، تبادر السلطات بترميم بنايات وهدم أخرى لإعادة بنائها من جديد، بسبب أخطاء تقديرية تقنية بادر بها سواء مهندسون أو تقنيو معاينة التربة أو بسبب الغش، الأمر الذي سيؤدي حتميا إلى خسائر متنوعة وفادحة في مواد البناء على غرار الإسمنت، وفي هذه الحالة على السلطات المعنية والوزارة الوصية الحرص على معاينة دقيقة عن طريق خبراء أكفاء، للخروج بقرار صائب إن كانت هذه البنايات تستحق الترميم فعلا أو الهدم، وإن كانت نوعية التربة وطبيعة التضاريس قابلة للتشييد فوقها. إذا ما السبيل برأيكم لتجاوز معضلة السكن وشوائبها المتعلقة بأزمة الإسمنت خاصة ومواد البناء عامة التي صارت تأرّق الجزائريين؟ لابد من لفت الانتباه إلى الدعم الذي يعكف رئيس الجمهورية على تقديمه لهذا القطاع الحساس، على غرار التسهيلات الممنوحة للمقاولين، والدعم المادي الذي تتلقاه الوزارة الوصية، على غرار الأخير الذي صودق عليه ضمن قانون المالية لسنة 2013، والقائل بتسخير 4.7 مليار دولار لتشييد 800 ألف وحدة سكنية، وعليه لابد من استغلال هذه الفرصة للنهوض بالقطاع، من خلال انتهاج برنامج منظم يحدد مهام واحتياجات السكن لكل بلدية على حدى، وفقا لقوائم مضبوطة من طرف السلطات المحلية، وتكليف رئيس البلدية بالإشراف العام على مشاريع البناء والاحتياجات السكنية، والتفرغ بعدها لتوزيع المشاريع على المقاولين الأكفاء مع منحهم الإمكانيات والمهلة الزمنية المناسبة لتجسيد هذا البرنامج، وبهذا الشكل يمكن تحديد مواقع الخلل بدقة في حال تسجيل فشل في برنامج بلدية معينة ومعالجته في أسرع الآجال، تفاديا للخسائر الفادحة، وتجسيدا لإمكانية التدارك. كحوصلة كيف تقيم نشاط وزارة السكن منذ استحداثها سنة 1977؟ صراحة تعاقب على هذه الوزارة منذ الاستقلال حوالي 30 وزيرا لم يضف أحد الجديد، بدليل استمرار تخبطنا لحد الآن في مشاكل السكن التي أرقت الشارع الجزائري وأججت سخطه، وعليه يمكن القول إننا ما زلنا بعيدين على مواكبة التطورات التي يشهدها القطاع في باقي دول العالم. بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة، ما توقعاتكم وأمالكم المرجوة في قطاع السكن والبناء؟ نحن بطبيعة الحال نتمنى أن يحمل وزير السكن الجديد حلولا للمشاكل والضغوط التي يشهدها القطاع، هذا وفي ظل التكنولوجيات التي باتت الجزائر حريصة على تبنيها في مختلف القطاعات لمواكبة موجات التطور العالمي، فنحن نتنبأ بمستقبل أفضل لقطاع السكن في البلاد، وفي هذا السياق نرجو وندعو وزير السكن إلى فتح نقاش مع هيئتنا المنضوي تحت لوائها المهندسون وخبراء البناء لتبادل الآراء، وتدارس مشاكل القطاع، وبلورة حلول مشتركة سنبذل كل الجهود لتجسيدها بحكم احتكاكنا ومواكبتنا الدائمين للمستجدات الميدانية وخبايا القطاع.