تخلي أكثر من ألف تلميذ عن مقاعد الدراسة في السنوات الفارطة يعلم الكثير من المسؤولين في المسيلة الأرقام الدقيقة لعدد التلاميذ الذين التحقوا بمؤسساتهم خلال كل دخول المدرسي، إلا أن لا أحد من هؤلاء يعرف العدد الحقيقي للتلاميذ المسرحين من المتوسطات والثانويات وحتى المدارس الابتدائية. تشير إحصاءات استقتها "السلام" من مصادر مطلعة، إلى اتساع مقلق ومتزايد لهوة التسرب المدرسي في كافة المستويات التعليمية، حيث أصبحت المؤسسات التربوية تلفظ سنويا آلاف التلاميذ وهي أعداد تتجاوز بكثير طاقة هياكل التكوين المهني لاستيعابهم، فتحول هذا التسرب إلى ترسب اجتماعي خطير أدى إلى إجهاض كل المحاولات الهادفة للتخفيف من نسبة الأمية، لاسيما وأن الظاهرة أخذت بعدا خطيرا مس تلاميذ التعليم الابتدائي، تؤكد المعلومات التي بحوزتنا، تخلي أكثر من ألف تلميذ في الطورين عن مقاعد الدراسة في المواسم الدراسية لسنوات خلت مما يؤكد أن هذه الظاهرة، التي كانت تعرفها المدرسة الجزائرية في عهد الاستعمار، قد بُعثت من جديد بعد سنوات من الحديث عن ديمقراطية ومجانية التعليم. في انتظار إجراء عملية جرد وتقدير لحجم التخلي الحقيقي عن حق التعليم لهذا الموسم، فإن جهات تربوية تتوقع ارتفاعا متزايدا، من منطلق تنامي الظاهرة بشكل تدريجي خلال السنوات السابقة بسبب التردي المستمر للحالة الاجتماعية والاقتصادية للعائلات منذ بداية العشرية السوداء، الناجم بشكل عام عن التسريح الجماعي للأولياء العاملين بالمؤسسات التابعة للقطاع العام. تشير بعض المعطيات، إلى أن مرحلة التغييرات السياسية التي مرت بها البلاد وتدهور الأوضاع الأمنية، وكذا تراكمات فساد النظام السابق خلقت تذبذبا في التخطيط المدرسي أثر سلبا على مردودية التعليم. أكثر من ذلك، تخلي العديد من الأولياء عن واجب تدريس أبنائهم، خاصة المتمدرسين في الطور الابتدائي، الذين لم يجدوا إلا الشارع ليرتموا في أحضانه، وهي الظاهرة التي أضحت تميز الديكور العام لشوارع بلديات الولاية 47، خاصة بمقر الدوائر، حيث انتشر الأطفال المتسولون وباعة الأكياس بالأسواق اليومية وانقلبت الموازين الاجتماعية وتحول هؤلاء الضحايا، بحكم الظروف القاسية وجهل الأولياء، إلى معيلين لأسرهم في سنّ مبكرة، فاقتناء كيس حليب ورغيف خبز أفضل، في نظرهم، من الإنفاق وإعداد العدة للدخول المدرسي المكلف.ويضيف ملاحظون، إلى جانب المشاكل الاجتماعية، هناك مشكل نقص التأطير التربوي وتذبذب وسائل النقل المدرسي، خاصة بالمناطق النائية وغياب التنسيق بين المدرسة وأسرة التلميذ. وسط هذه المعطيات وواقع تنامي ظاهرة التسرب وانعكاساتها على مصير رجال الغد، تساءلت مصادرنا عن دور المسؤولين تجاه هذه الشريحة، خاصة وأن مديرية التربية تنظر إلى هذه الظاهرة بعيون الأرقام تقيّدها سنويا لتشطب المتسربين من خانة اهتماماتها.