شهدت عدة مؤسسات تربوية بولاية تيزي وزو، خلال السنوات الأخيرة، تنامي ظاهرة التسرب المدرسي، خاصة لدى فئة الذكور، الذين كلما فاقت أعمارهم سن 12 سنة ينهمكون مجبرين على قوت عائلاتهم الفقيرة، خاصة ببلديات بوغني، ذراع الميزان، آيت تودرث، إبودرارن، واغني قغران، الواقعة على أعلى قمم جبال جرجرة الشامخة بسبب انعدام النقل المدرسي والإطعام، فضلا عن المسافات الطويلة التي يقضونها في قساوة، خاصة في فصل الشتاء للالتحاق بمدارسهم. تشير إحصاءات، استقتها "الشروق"، من مصادر مطلعة، إلى اتساع مقلق ومتزايد للتسرب المدرسي في كافة المستويات التعليمية لدى فئة الذكور لعوامل عديدة، حيث أصبحت المؤسسات التربوية تلفظ سنويا مئات التلاميذ. وهي أعداد تتجاوز بكثيرة طاقة هياكل التكوين المهني لاستيعابهم، فتحول هذا التسرب إلى أمر خطير أدى إلى إجهاض كل المحاولات الهادفة إلى التخفيف من نسبة الأمية، لاسيما أن الظاهرة أخذت بعدا خطيرا مسّ تلاميذ التعليم الابتدائي. وتؤكد المعلومات، التي بحوزتنا، تخلي أكثر من 500 تلميذ في الطورين عن مقاعد الدراسة في الموسم الدراسي الفارط، ما يؤكد أن هذه الظاهرة أخذت أبعادا خطيرة، في انتظار إجراء عملية جرد وتقدير لحجم التخلي الحقيقي عن حق التعليم. في هذا الموسم؛ تتوقع جهات تربوية ارتفاعا متزايدا من منطلق تنامي الظاهرة بشكل تدريجي خلال السنوات السابقة بسبب التردي المستمر للحالة الاجتماعية والاقتصادية للعائلات، الناجم بشكل عام عن التسريحات الجماعية للأولياء العاملين بالمؤسسات التابعة للقطاع العام. وتشير بعض المعطيات إلى أن مرحلة التغييرات السياسية التي مرّت بها البلاد وتدهور الأوضاع الأمنية خلقت تذبذبا في التخطيط المدرسي أثّر سلبا على مردودية التعليم. وأكثر من ذلك، تخلي العديد من الأولياء عن واجب تدريس أبنائهم، خاصة المتمدرسين في الطور الابتدائي الذين لم يجدوا إلا الشارع ليرتموا في أحضانه. وهي الظاهرة التي أضحت تميز الديكور العام لشوارع بلديات الولاية، حيث انتشر الأطفال المتسولون وباعة الأكياس بالأسواق اليومية وانقلبت الموازين الاجتماعية وتحول هؤلاء الضحايا بحكم الظروف القاسية وجهل الأولياء إلى معيلين لأسرهم في سن مبكرة. فاقتناء كيس حليب ورغيف خبز أفضل في نظرهم من الإنفاق وإعداد العدة للدخول المدرسي المكلف. ويضيف ملاحظون أنه إلى جانب المشاكل الاجتماعية هناك مشكل نقص التأطير التربوي وتذبذب وسائل النقل المدرسي، خاصة بالمناطق النائية وغياب التنسيق بين المدرسة وأسرة التلميذ. ووسط هذه المعطيات وواقع تنامي ظاهرة التسرب وانعكاساتها على مصير رجال الغد تساءلت مصادرنا عن دور المسؤولين تجاه هذه الشريحة، خاصة أن مديرية التربية تنظر إلى هذه الظاهرة بعيون الأرقام التي تقيدها سنويا لتشطب المتسربين من خانة اهتماماتها، ليبقى هذا المنتج الرديء يبحث لنفسه عن جهة أخرى تأخذ على عاتقها مهمة التكفل به، لاسيما أولئك المسرحين بحجة أن سنهم أكبر من الدراسة لكن في نفس الوقت أصغر مما يسمح به القانون لولوج مؤسسات التكوين.