تعرف شوارع وطرقات الجزائر العاصمة في الآونة الأخيرة، انتشارا كبيرا لمواقف أو حظائر السيارات، إذ انه بعدما كان عدد هذه الأخيرة معروفا على مستوى البلديات والولايات، أصبح اليوم من غير الممكن إعطاء إحصائيات دقيقة عن حقيقة تواجدها، نظرا لبروز العديد منها بصفة عشوائية لكون الشباب هم الذين قاموا بوضعهاغير أبهين إن كان في ذلك تجاوز على الملكية العمومية أم لا. وأمام هذه الوضعية وجد المواطن الراجل وحتى المواطن السائق نفسه مجبرا على التعامل معهم دون أن يتفوه بكلمة واحدة. ورد في حديث الخبير في امن الطرقات السيد “محمد العزوني” مع “السلام” بان الحظائر العشوائية التي انتشرت كالطفيليات حتى أصبحت الديكور الغالب لأحياء وشوارع العاصمة “ما هي إلا تقليد مطلق للغرب بسبب التأثير الذي أحدثته السينماالغربية في المجتمع الجزائري”، كما ذكر بان “هذه الحظائر في بروزها ترجع إلى فترة التسعينيات أو ما يسمى بالعشرية السوداء، والتي عين خلالها المندوبون التنفيذيون البلديون كبدلاء لرؤساء البلديات الذين فروا خوفا من ويلات الإرهاب، بحيث عمد هؤلاء المندوبون إلى تطبيق “السياسة الشعبوية” من خلال خلق مناصب شغل غير شرعية تكون مبنية على أساس قرارات لم يتم التصديق عليها من قبل المجلس البلدي، هذا ما اثر سلبا على عقلية ونمط تفكير الشاب الجزائري، حتى أضحى يفضل الكسب السهل على الكسب الذي يتطلب منه التعب وبذل الجهد، بدليل قيام أحد الشبان في باب الوادي بالاستحواذ على قطعة أرضية شاغرة عمد إلى تسييجها وفتح بابا لها، ليجعل منها حظيرة خاصة به أمام أعين رجال الشرطة الذين لم يحركوا ساكنا لمنع ذلك. وبالفعل لقد أصبحت الحظيرة التي قام بتشييدها قبلة للعديد من مالكي السيارات الذين يقومون بركن سياراتهم داخلها مقابل دفع مبلغ معين. وعليه فأصحاب هذه الحظائر تمكنوا من فرض أنفسهم في المجتمع من خلال فرضهم لهذا النوع من النشاط، بحيث طبقوا سيطرتهم على كل الطرقات بما فيها المساحات الشاغرة أمام الأحياء، الشوارع وبمحاذاة الإدارات العمومية، المؤسسات الاقتصادية والشركات الكبرى. كما أشار السيد “محمد العزوني” في سياق حديثه إلى أن الجزائر العاصمة، هي الولاية الوحيدة التي تعرف انتشار مثل هذه الحظائر التي لا نجدها في المناطق الأخرى كورڤلة أو حاسي مسعود. عدم تنظيم المجتمع ولا مبالاة الادارة هناك جملة من المسببات التي كانت وراء انتشار الحظائر العشوائية على مستوى الأحياء والطرقات في الجزائر العاصمة، لان توزعها بهذا الشكل لم يكن ولم يأت من العدم، وفي مقدمتها مشكل البطالة الذي يغرق في ثناياه العديد من الشبان الجزائريين، الذين وجدوا في مهنة حراسة السيارات الوسيلة الأخيرة التي تمكنهم من الاسترزاق، بعيدا عن الخوض في مختلف الآفات الاجتماعية، مع العلم بان اغلب هؤلاء الشبان هم من أصحاب الشهادات الجامعية، وأحيانا حتى الطلاب الذين لم ينهوا دراستهم يلجؤون إلى هذا العمل من اجل التمكن من مواصلة دروسهم، وهو ما أكدته لنا إحدى أساتذة علم الاجتماع، بقولها”أن انتشار الحظائر العشوائية مرده إلى عدم تنظيم المجتمع ولامبالاة الإدارة، اللذان أديا إلى استفحال مشكل البطالة بسبب العجز المسجل على مستوى الوظيف العمومي”، كما يعد اتساع حظيرة السيارات من بين مسببات ذلك، بحيث أصبح لكل فرد من أفراد العائلة الواحدة سيارة خاصة به حتى لم تعد الحظائر القانونية قادرة على استيعاب هذا العدد الكبير من السيارات، ما دفع الكثير منهم إلى ركن سياراتهم خارج الحظائر لتصبح هذه المساحات الخارجية التي تكتظ هي الأخرى بالسيارات عبارة عن حظائر، ولكنها تختلف عن الأولى بأنها فوضوية تفتقد للصفة القانونية. كما أكد لنا الخبير في امن الطرقات السيد محمد العزوني: “بأن الخوف لدى المواطن هو من بين أهم الأسباب التي ساهمت في دعم انتشارها، من خلال رضوخه لأصحاب هذه الحظائر بقبوله دفع تسعيرة الركن التي تعد تعسفية”، بحيث أنها ترتفع بحسب أهمية المنطقة والمؤسسات التي توجد فيها. الحظائر العشوائية ورأي المواطن «إن هذه الحظائر قد سهلت علينا عملية ركن سياراتنا، بعدما كنا نقضي ساعات طويلة في البحث عن مكان لصفها”، هذا ما صرح به اغلب مالكي السيارات في حديثهم مع “السلام”، اذ اعتبر هؤلاء المواطنين هذه الحظائر بمثابة الواقع الذي فرض نفسه والذي لا يمكن تجاهله أو العدول عنه. فهم يعتبرون هذه الحظائر بالمناسبة الحل الأمثل الذي جنبهم عناء البحث عن مكان لركن سياراتهم، ومكنهم من ربح الوقت بعدما كانوا يقضون ساعات طويلة في البحث عن مكان لذلك. بحيث اعتبرت الدكتورة “فريدة” بأن أغلبية أصحاب هذه الحظائر هم من فئة المراهقين والشباب الذين يتميزون بحملهم للعصي والهراوات التي يستعملونها كوسائل لتهديد وابتزاز المواطنين بها، لإجبارهم على الدفع وخاصة النساء منهم، لمعرفتهم بأننا سننصاع لما يطلبون بمجرد أن نلمح تلك العصي بين أيديهم “، وعن تجربتها الخاصة قالت لنا “في إحدى المرات ركنت سيارتي بالقرب من المسبح ونسيت أن ادفع مسبقا، وعندما عدت وجدت ثقبا في عجلة السيارة بعدما أخذتها للمعاينة تبين بان ذلك الثقب قد تم إحداثه عن طريق سكين، ومن تلك التجربة أصبحت احرص على الدفع مسبقا خوفا من العواقب التي قد تكلفني أضعافا مضاعفة على التسعيرة التي كان يتوجب عليّ دفعها لصاحب الحظيرة”، في حين ذهب السيد كريم، وهو تاجر إلى اعتبار الفئة التي تقوم بهذا العمل غير مؤهلة لان منهم أصحاب السوابق العدلية، الذين يقومون بالتنسيق مع بعض العصابات لتسهيل سرقة السيارات أحيانا، كما يقومون أحيانا أخرى بتحويل هذه الحظائر إلى أوكار لبيع المخدرات مع سدول الليل. أما السيدة منيرة، الموظفة بإحدى المؤسسات العمومية، فقد أكدت ارتياحها وتأييدها لهذه الحظائر على شرط أن تتخذ الصبغة القانونية، لأنها تفضل على حد تعبيرها دفع هذا المبلغ على أن تتعرض سيارتها للسرقة أو التحطيم . في الوقت الذي تساءل فيه الموظف كمال، عن سبب عدم وجود المراقبة على مستوى الحظائر غير الرسمية في الأحياء الشعبية، كما هو الشأن بالنسبة للأحياء الراقية التي تمتاز بتوفر الأمن والتنظيم في الوقت الذي يرخى فيه الحبل في مناطق أخرى من قبل رجال الشرطة، حتى أصبحت الطرق هي الأخرى عبارة عن حظائر تعيق المواطن الراجل في تنقله. شرعية “الباركينغ” ضرورة لا بد منها اجمع المواطنون في حديثهم مع “السلام” على أن هنالك عددا محدودا من الحلول التي إذا ما طبقت ساهمت في التقليل من الانتشار الواسع لهذه الحظائر، وهي تتمثل في إنشاء حظائر بطوابق قادرة على استيعاب هذا العدد الهائل من السيارات، وإقامة حظائر خارج التجمعات السكانية للتقليل من الضغط على الطرقات للحيلولة دون المساهمة في زيادة اكتظاظ الطرقات. في حين أكدت الدكتورة “ثريا التيجاني” المختصة في علم الاجتماع، بان “الحل الأمثل يتمثل في تنظيم هذا العمل”، كما يجب على السلطات أن تقوم بتشريع هذا العمل بإعطائه الصبغة القانونية التي تجعل منه مهنة شرعية، يلتزم فيها الشاب أو الفرد صاحب تلك الحظيرة بدفع ما يترتب عليه من مسؤوليات كدفع الضرائب. وفي نفس السياق، ذهب احد المواطنين إلى القول بأنه يتوجب على السلطات سن قوانين توضح لصاحب الحظيرة الكيفية المثلى التي يتوجب عليه العمل في إطارها، حتى يكون المواطن السائق متأكدا من أن سيارته ستكون في أمان. وفي هذا الإطار ذكر السيد “محمد العزوني” بأن وزير الداخلية “دحو ولد قابلية” قد صرح في وقت سابق، بان الدولة ستعمل على ترخيص هذا العمل ليصبح قانونيا وشرعيا من كل جوانبه، كما هو الشأن بالنسبة لإحدى بلديات ولاية تلمسان، التي يعمل فيها أصحاب هذه الحظائر بتراخيص كما يحملون بطاقات خاصة بالعمل، ويقومون بإعطاء التذاكر التي تسمح للمواطنين بالتأمين على سياراتهم من التعرض للسرقة، التحطيم أو التكسير،كما يؤمّنون في نفس الوقت على أنفسهم من خلال امتلاكهم لدفتر أعمال خاص بمهنتهم. ومن ناحية أخرى أكد السيد “محمد العزوني” بان انتشار هذه الحظائر بصفة عشوائية يمكن للمواطنين أن يقللوا منه بعدم دفع التسعيرة المترتبة عن الركن في الأماكن التي لا يجب أن تكون فيها مثل هذه الحظائر. وفي الأخير، يمكننا القول بأن هذا التجاذب في الآراء للمواطنين والمختصين، يؤكد حقيقة أن المشكل وحلّه يكمن في التشريع القانوني، الذي تفرضه الدولة بالموازاة مع جهود المواطنين الذين يقومون بها لانجاح ذلك.