تمر اليوم 30 سنة قبل اتخاذ الجهات القائمة على تنظيم المشهد الثقافي في البلد، قرارا بتحويل التظاهرات التي تشهدها مدينة مستغانم، للاحتفاء بوليها الصالح، سيدي لخضر بن خلوف، واستذكار مسيرة حياته بمختلف جوانبها، إلى مهرجان وطني رسمي، ابتداء من شهر أوت المقبل . تنظم مدينة مستغانم ابتداء من شهر أوت المقبل، الطبعة ال29 لمهرجان سيدي لخضر بن خلوف الوطني، بشكل رسمي، حيث يكرم الولي الصالح مادح الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنارة الشعر الديني والشعبي بالمنطقة خلال هذه التظاهرة الثقافية الدينية، التي انحصرت منذ العام 1983 في الحدود المحلية الضيقة. عين، عبد القادر بن دعماش، محافظا لهذا المهرجان الوطني، الذي سيقام في مستغانم، مدينة الأولياء الصالحين والمرابطين وعاصمة الطرق الصوفية، موطن الفن والثقافة التي تتحصل اليوم على مكسب جديد يضاف إلى موروثاتها التاريخية والسياحية المساهمة في بعث الحركة السياحية والثقافية بمدينة مولعة بالفن وخاصة المسرح. بن خلوف..اسم من ذهب في قائمة تاريخ زاخر يعتبر سيدي لخصر بن خلوف واحدا من الأولياء الصالحين الذين كتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجل تاريخ الجزائر والأمة العربية بأكملها، واسمه الحقيقي، أبو محمد لكحل بن عبد الله بن خلوف المغراوي، ينحدر من قبيلة الزعافرية ذات الأصول الشريفة، وهو من أشهر وأكبر الأولياء الصالحين في الجزائر، ولد في حدود سنة 899 هجرية (1479 ميلادية) وتوفي في سنة 1024 هجرية الموافق ل(1585 ميلادية)، عاش 125 سنة وستة أشهر في القرن التاسع الهجري وهو ما أكده في إحدى قصائده، حيث كان شاهدا على واقعة مزغران. قضى بن خلوف، الجزء الأكبر من حياته في بلدة مزغران، ويعد أحد حراس مدينة مستغانم السبعة، أشعاره تخطت شهرتها حدود مسقط رأسه وبلده الجزائر، تزوج امرأة تدعي "غنو" ابنة الولي الصالح سيدي عفيف شقيق سيدي يعقوب الشريف المدفون بغرب مدينة سيدي علي، ورزق منها ببنت اسمها حفصة، وأربعة ذكور، أحمد، محمد، أبو القاسم، الحبيب، وهي كلها أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، وسمي هذا الولي الصالح، "لخضر" بدلا من اسمه "لكحل"، ومرجع ذلك إلى سنة حميدة للنبي صلي الله عليه وسلم، تقضي بإتباع الفأل الحسن، فلكحل معناه الأسود ويرمز إلى الشؤم، عكس الأخضر الذي يعتبر لون السلام . ويعد رصيد بن خلوف، الذي تركه من تراث أدبي خاصة في مجال الشعر الملحون، كنزا وإرثا حضاريا، لا زال حاضرا منذ القرن ال 16 إلى يومنا الحالي حيث يتغنى به الشعراء، كما تقول الروايات أنه كتب نحو 700 قصيدة كاملة خبأها في القبور التي كان يرتادها وقد تحدث عنها في قصائده حيث يقول: "عندي خزنة من القصايد مغبورة هي لبن خلوف تشهد ولم يتم العثور على كل القصائد التي ألفها، غير أن كنوزه الشعرية المتوارثة شفهيا، تبقى شهادة حية على مر الزمن، إذ كانت منبعا للأدباء من أمثال الحاج بوفرمة واحد من سلالة سيدي لخضر بن خلوف، ألف ديوانا تحت عنوان "الوجيز المعروف في حياة سيدي لخضر بن خلوف"، حيث أنه وبالنظر لتعلقه بشعر سيدي لخضر حاول في تجربته الثانية في تأليف هذا الديوان الذي سبقه بديوان أول سماه ديوان سيدي لخضر بن خلوف..حياته وقصائده يحتوي على 49 قصيدة ، كما يتحدث فيه عن حياة الشاعر كاملة، مضيفا بأن لديه حوالي 110 من قصائد سيدي لخضر كما كان للباحث، عبد القادر بن دعماش، المحافظ الحالي للتظاهرة، الذي دأب على السهر على مهرجانات هذا الولي الصالح يملك150قصيدة . وتشير قصائد وأبيات هذا الولي أنه كان ملما بجميع مناحي الحياة، حيث تغنى في بعضها بمغامراته على غرار ماقاله: "يا رب لا تخيب ضني بجاه صاحب الشفاعة أمي مكلفة بمحاني من صدرها رضعت رضاعة وخدمتها بكل مسالة بحسن دعوتها كافاني القهار ارحم عظام أمي كلها يا رب نرغبك بحوادث الأجفار". غير أن الجزء الأكبر من تراثه الشعري، قد خصصه لمدح النبي عليه الصلاة والسلام، حتى سمي بمادح سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "إذا جعت من مدحك نشبع وإذا عطشت العسل شرابي صلى الله على فارس الوغى والوكيد قدر ما في ملك الله وما يريد" وتقول الروايات انه رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من 99 مرة . كما أرخ هذا المجاهد الباسل للكثير من المعارك التي كانت مسرحا لجرائم المستعمر طيلة حياته وكان مرجعا هاما لحقبة مميزة من تاريخ الدولة الجزائرية حيث صور في قصيدتين مشهورتين معركتين ضد الاستعمار الاسباني المعركة الأولى تعرف ب "قصة شرشال" مدونة تاريخيا، وهي رحلة طويلة في المقاومة كانت بدايتها الجزائر شمالا مرورا بالبليدة والأصنام ومستغانم قال فيها : "في جبل شرشال حطينا للقتال يحق في ذاك اليوم امرة بكاية" والثانية معركة مزغران الشهيرة التي وقعت أحداثها يوم 22 أوت 1558 غير البعيدة عن مدينة مستغانم بقوله: يا فارس من تم جيت اليوم …. غزة مزغران معلومة ياعجلانا ريض الملجوم ….. رايات اجناب الشلو موشومة ويقول في مقطع آخر ذاكرا القائد الاسباني: احتاطوا بالأمير شنظاظوش … يالشيلية والقوس والبطاش كما جعل سيدي لخضر بن خلوف، من شعره الملحون في متناول الجميع، لسهولته وحسن سبكه ورقّة ألفاظه وخفة أوزانه ما كان سببا في شهرته وانتشاره، حيث بيّن إنتاجه الشعري نزعته الصوفية، سيما في مدح النبيّ صلّى الله عليه . ضريح الولي الصالح بين أحضان مدينة تتنفس سياحة تحول ضريح سيدي لخضر بن خلوف إلى مزار للعائلات التي تقصده من شتى ربوع الوطن وعلى مدار السنة، حيث يكثر الإقبال عليه في كل صائفة بحكم الطابع الساحلي للمنطقة التي تشهد توافد أكثر من 6000 مصطاف سنويا، فالأسر الوافدة لا تفوت زيارة هذا الصرح الديني الذي اشتهرت به مدينة سيدي لخضر. ويزداد توافد المواطنين على المكان خلال "الوعدات" أو ما يعرف محليا ب"الطعم"، ذات الطقوس المختلفة التي تبرمج على مدار عدة أيام، بمشاركة فرق الفنتازيا، إضافة إلى الأمسيات الشعرية التي تزيد من سحر هذا المكان الروحي، بشهادة كل من زاره . ويحيط بضريح الولي الصالح، نخلة عجيبة لا زالت شامخة رغم مرور الزمن ورغم كل ما تعرضت له من محاولات القطع والحرق خلال العشرية السوداء، حيث تبقى شامخة لتشهد التاريخ على حكاية هذا الشاعر المجاهد الصوفي..وقد قال فيها:"النخلة المثبتة من بعد اليبوس .. حذاها يكون قبري يا مسلمين"، الأمر الذي يؤكد أنه ترك وصيته بدفنه بالقرب من تلك النخلة الشامخة، وبالقرب منها يوجد أيضا قبر زوجته السيدة "كنو"، قبل الوصول إلى خيمة الشعر التي تبعد عن المقام ب 100 متر وهي عبارة عن قبو صغير قيل بأن الولي الصالح كان ينصبها ليشرع في تدوين قصائده، وغير بعيد من هنا يرقد الولي مع نخلته التي تطلع من الضريح تعانق السماء الفسيحة وبالقرب من هناك مقام الكرامة الذي يحتوي على آثار فرسه وعصاه على الصخر.. مدرسة بن خلوف القرآنية رمز لتواصل الأجيال يتراءى لك وأنت تجوب المقام على جانب المدخل يسارا مكتبة المقام التي يقبع بها شيوخ ومدرسي القرآن الذين يسخرون أوقاتهم من أجل تعليم العديد من أبناء المنطقة تعاليم الدين وتحفيظ القران الكريم، وتجويده، ما جعلها مزار شيوخ الزاويا الكثيرة بالولاية، فسيدي لخضر بن خلوف، أمير المرابطين ومؤلف القصائد الصوفية بمنطقة الظهرة، يبقى شعره ترثا أدبيا وتاريخيا يتطلب المزيد من البحث والتنقيب خاصة وأن الكثير من القصائد تبقى مجهولة، كما تفتقر تلك الأعمال التي تركها لنا إلى أعمال تليفزيونية وأشرطة وثائقية .