يعتبر ضريح ''سيدي لخضر بن خلوف'' بمستغانم قبلة الصائمين في هذا الشهر الفضيل ولاسيما في العشر الأواخر منه، حيث يعرف ضريحه إقبالا كبيرا في هذه الأيام رغم وجوده في أعلى هضبة محاطة بغابة كثيفة الأشجار تطل على مدينة سيدي لخضر على بعد 3 كيلومترات، إلا أن بعد هذا المقام الصالح لم يقف حائلا أمام زواره الذين يقصدونه من كل مكان للتبرك به والدعاء لذويهم اعتقادا منهم بأهمية هذه الزيارة وما عليها من فضل كبير يعود على زوارها بالخير والبركات خصوصا في شهر رمضان الكريم. يشهد ضريح سيدي لخضر بن خلوف في شهر رمضان المعظم نشاطات دينية مكثفة، حيث ينظم داخل هذا الضريح في شهر رمضان مهرجان الولي الصالح سيدي لخضر بن خلوف وقد عرفت طبعة هذه السنة مشاركة زهاء 15 فرقة محلية قدمت استعراضات مختلفة منها فرق الڤرارة وأولاد علي الفلكلورية وأهل الديوان والمستقبل والعيساوة، وكذا عروض في الفروسية، فضلا عن تقديم تلاوة جماعية للقرآن الكريم بضريح سيدي لخضر بن خلوف. إلى جانب ذلك قدمت مداخلات حول مناقب ومآثر الشيخ المجاهد والشاعر سيدي لخضر بن خلوف وأمسيات شعرية من تنشيط شعراء هواة محليين مع مواصلة تلاوة القرآن الكريم طيلة ليالي المهرجان بعد صلاة التراويح، حيث اصبح الضريح قبلة للزوار الذين يتوافدون عليه بكثرة في هذا الشهر الكريم للتبرك به من جهة وحضور هذه النشاطات التي تقام داخل الضريح من جهة أخرى. نشأة مادح الرسول صلى الله عليه وسلم ولد لخضر بن خلوف، واسمه الحقيقي أبومحمد لكحل بن عبد الله بن خلوف المغراوي من أشهر وأكبر الأولياء الصالحين في الجزائر، في حدود سنة 899 هجرية (1479 ميلادية) وتوفي في سنة 1024 هجرية الموافق ل(1585 ميلادية)، وبالتالي فقد عاش كل القرن التاسع الهجري مثلما أكده هوفي إحدى قصائده، ما يعني أنه كان شاهدا على واقعة مزغران. ينحدر هذا الولي الصالح من قبيلة الزعافرية، عاش 125 سنة وستة أشهر، قضى الجزء الأكبر منها في بلدة مزغران، ويعتبر أحد حراس مدينة مستغانم السبعة، وهو محبوب في كل منطقة المغرب العربي بفضل أشعاره التي تخطت شهرتها حدود مسقط رأسه بل وكل الجزائر. تزوج بن خلوف امرأة تدعي ''غنو'' وهي ابنة الولي الصالح سيدي عفيف شقيق سيدي يعقوب الشريف المدفون بغرب مدينة سيدي علي. وقد رزق منها ببنت اسمها حفصة، وأربعة ذكور هم (احمد، محمد، أبا القاسم، الحبيب) وهي كلها أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، أما ابنته فاسمها حفصة. وسمي لخضر بدلا من اسمه لكحل، وذلك راجع إلى سنة حميدة للنبي صلي الله عليه وسلم، تقضي باتباع الفال الحسن، فلكحل معناه الأسود ويرمز إلى الجحيم، عكس لخضر الذي هولون الإسلام والسلام. وقد خلد سيدي لخضر بن خلوف أيامه الأخيرة عبر قصيدة الوفاة الشهيرة، وهو ينحدر من السلالة الشريفة، إذ يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، الذي خصه بمكانة مميزة في قصائده. بن خلوف يؤرخ لمعركة مزغران قام المؤرخ محمد بيخوشا بجمع حوالي 31 قصيدة للشيخ منشورة وكان ذلك عام 1985 في الرباط تحت عنوان ''ديوان سيدي لخضر بن خلوف''. كتب بن خلوف المئات من الأبيات والقصائد، حكى في بعض منها مغامراته وحياته، لكنه خصص الجزء الأكبر منها لمدح سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وعرف بمادح النبي صلى الله عليه وسلم. لقد جعل بن خلوف الشعر الشعبي أو ما يعرف بالشعر الملحون في متناول الجميع، كما عرّف بكبار شيوخ هذا الفن من أمثال المغراوي، المجدوب، النجار، سيدي معمر وغيرهم فهو يعتبر أحد الحراس السبعة لمدينة مستغانم. واللافت للنظر أنّ شعر الولي الصالح لخضر بن خلوف يعرف بسهولته وحسن سبكه ورقّة الألفاظ وخفّة الأوزان ما اكسبه شهرة كبيرةً وانتشارّا واسعا. ويشير كتاب ''سيدي لخضر بن خلوف حياته وقصائده'' الصادر حديثا عن دار الغرب للنشر، إلى أنّ إنتاج سيدي لخضر بن خلوف الشعري تأثر بنزعته الصوفية، فانقطع إلى مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلم ولم يخرج عن ذلك إلاّ في قصيدة قصّة مزغران التي طرق فيها فن الحماسة تلك المعركة الشهيرة التي انتصرت فيها القوات الجزائرية ضد قوات الاسبانية وذلك يوم 28 أوت 1558م. يعد سيدي لخضر بن خلوف مرجعا هاما لحقبة مميزة من تاريخ الدولة الجزائرية، التي تكالب عليها الاستعمار الإسباني ذو النزعة الصليبية، من خلال الوصف الدقيق للأحداث في قصيدتين يروي فيهما ما وقع في ساحات الوغى التي خاضها شخصيا ضد الغزاة الإسبان. المعركة الأولى تعرف ب ''قصة شرشال'' مدونة تاريخيا، وهي رحلة طويلة في المقاومة كانت بدايتها الجزائر شمالا مرورا بالبليدة والأصنام ومستغانم ثم مزغران غربا، حيث يقول: ''في جبل شرشال حطينا للقتال، يحق في ذاك اليوم امرا بكاية'' ويصف في هذه القصيدة التي هي في الحقيقة ملحمة، حالة الجيش الجزائري ومكانته فيه بعد أن كلفه السلطان خير الدين بتجنيد المقاتلين والصلح بين القبائل والبطون المتناحرة ودعوتها إلى الوحدة للتصدي للأعداء، الواقعة التي قتل فيها 150 كافر، مما يبين شجاعة وبسالة الرجل دفاعا على أرض العروبة والإسلام ضد جحافل الإسبان الكفار والمعركة الثانية التي كتب وتكلم عنها كثير من المؤرخين هي معركة مزغران الشهيرة التي وقعت أحداثها يوم 22 أوت 1558 بعد أن تمكنت قوات الغزاة الإسبان دخول بلدة مزغران التي بتعد ب 4 كلم عن مستغانم نتيجة تفوقهم عددا وعدة، وصادف ذلك عودة المجاهدين وسيدي لخضر بن خلوف من بينهم، إلى مستغانم، وانطلقت الحملة الإسبانية من وهران تحت قيادة الكونت دالكوديت الذي جر وراءه جيشا مدججا بالأسلحة والمدفعية قوامه 12 ألف جندي تسندهم جماعات من الأعراب الخارجة عن طاعة أولي الأمر من قبائل الغرب، وسفن حربية راسية بخليج ارزيو تراقب الوضع عن قرب لتأمين الشريط الساحلي ولتزويد العساكر بالذخيرة والمؤن، قبل أن تعترضها السفن الجزائرية، وبعد مقاومة قصيرة استسلمت سفن الغزاة فكانت الهزيمة والغنيمة ما حفز وشجع المجاهدين الجزائريين، ونزل ذلك كالصاعقة على الإسبان فانهارت معنوياتهم قبل الدخول في المعركة ضريح بن خلوف.. والنخلة على بعد كيلوترات معدودة من المدينة سكن الولي عند نخلته الخالدة التي أوصى أن يدفن عندها عندما علم بقرب أجله قائلا ''النخلة المثبتة من بعد اليبوس، حذاها يكون قبري يا مسلمين''. كانت النخلة أول ما يظهر من علامات الوصول إلى المقام ذلك الطريق المؤدي إلى سيدي بولحية الذي يوجد به قبر السيدة كلة أم الولي سيدي لخضر بن خلوف وقبر زوجته السيدة كنو، وقبل خيمة الشعر التي تبعد عن المقام ب 100 متر يرقد الولي مع نخلته التي تطلع من الضريح حيث ثراه باحثة عن السماء حيث روحه، وبالقرب من هناك مقام الكرامة الذي يحتوي على آثار فرسه وعصاه على الصخر. للإشارة فالنخلة التي اقترن وجودها بمداح الرسول (ص) وامتد جذعها كالحارس الأمين والأبدي لضريح الولي الصالح قد تعرضت إلى القطع في العشرية السوداء بواسطة منشار، إلا أنها قاومت وضمدت الجرح ويقيم سنويا أحفاد الولي الصالح سيدي لخضر ولائم تتخللها أفراح وأهازيج مصحوبة بعروض للفروسية. وهو الحفل الذي يسمى ب''الطعم'' وهو مناسبة للتبرك بالولي الصالح بعد زيارة ضريحه الطاهر، كما يقام سنويا الركب، من طرف محبي سيدي لخضر بن خلوف بمعية أحفاده لمدة يومين، وتشارك فيه فرق البارود في النهار قبل أن تحل محلها ليلا فرق الموسيقى الشعبية، ولا تغنى فيه إلا قصائد من نظم سيدي لخضر بن خلوف في مدح الرسول (ص). وتذكر بعض الروايات أنّ الوالي الصالح سيدي بومدين الشعيب كان له عظيم الأثر في نزعة لخضر بن خلوف الصوفية، وتوجيه ملكته الشعرية نحو مدح النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يؤكد أنه رآه في المنام 99 مرة. ..حيطان الأمنيات كما يوجد في المقام حيطان مقدسة هي حيطان الأمنيات، فيها عبارات كثيرة لحجاج جاءوا من كل ربوة وفج، بعضهم يطلب عملا، وبعضهن تطلب زوجا صالحا، وآخر يريد أن تصبح تجارته مباركة وآخر طلب زوجة صالحة ومالا يقيه شر الحاجة، وآخر يطلب الوصال من حبيبته وقد كتب اسمه إلى جانب اسمها، وتختلط الأمنيات، في تلك الحيطان، حيث السماء الزرقاء والبحر الذي يبدوسرمديا، والولي الذي مازال يرقد عند النخلة، تلك النخلة التي عمرها يقدر بالقرون ومازالت يافعة كأنها شابة في العشرين من العمر، ومازالت حكايات الولي سيدي لخضر بن خلوف عن كرمه بلا نهاية. كما ركب الولي الصالح لخضر بن خلوف عادة قديمة وثقافة عريقة ضاربة بجذورها في أعماق سكان مستغانم بالغرب الجزائري مع كل ما يتطلبه ذلك من قيم دينية وروحية، فالأمر يتعلق برمز ليس كبقية الرموز، له علاقة بعادات وتقاليد ورؤى وعقليات أهالي الظهرة يهدف إلى تخليد مآثر أحد أشهر أعلام المنطقة والمغرب العربي. ويبدأ الركب بتجمع العديد من الناس يتقدمهم أحفاد الولي الصالح في مكان يعرف بحي تحديت ويتجهون إلى زاوية سيدي بلقايم ثم سيدي تغنيف واخيرا سيدي لخضر، حيث يوجد ضريح لخضر بن خلوف. بعد الوصول إلى المقام يجتمع أتباع هذا الولي في حلقات ذكر يتلون كتاب الله، ويتذكرون مناقب هذا الرجل الصالح الذي جمع بين الدين والدنيا، بين التصوف والجهاد، وتختتم السهرة بإحياء بوصلات غناء شعبي مستمد من الديوان الشعري للولي الصالح.