يفتح الأمين العام للمنظمة الوطنية لتواصل الأجيال، عبد الحفيظ لحول، في هذا الجزء من شهادته ملف مهامه الخاصة لصالح المخابرات الجزائرية، ويكشف عن سر توجه الرئيس الراحل هواري بومدين، نحو الصناعات الثقيلة وتفاصيل أخرى تطالعونها في هذه الحلقة . انقطعت عن العمل عام 1976 نتيجة مرض ألمّ بك، لكنك استدعيت بعد شفائك مباشرة وكلفت بمهام خاصة. ما فحوى هذه المهام؟ استمر عملي بالمديرية المركزية للإمداد إلى عام 1976، وأصبت في هذه السنة بالفعل بمرض خطير جدا دخلت إثره في عطلة مرضية طويلة المدى. والحمد لله، شفيت في خلال عامين، وبعد خروجي من مستشفى «مايو» استدعيت للقيام بعدد من المهام الوطنية الخاصة منها متابعة طلبتنا في الخارج، ولم تكن هذه المتابعة جوسسة بل بالعكس كانت بغرض حماية أبنائنا من التيارات التي كانت تتقاذف المشرق العربي في تلك الفترة كتيار البعث وتيار الإخوان، كان للجزائر مجموعة كبيرة من طلبتها يدرسون خارجها، وقيادات النظام كانت متخوفة من امتناع هؤلاء عن العودة إلى الوطن بعد تكوينهم على حساب الجزائر، أو أنهم يعودون بأيديولوجيات جديدة قد تكون سببا في تعكير الجو داخل البلاد. وأنتم تعرفون سياسية الحزب الواحد والقيادة الموحدة، والرأي الأحادي هو الذي كان سائدا آنذاك. ولكنه كان سائدا في ظروف كان يجب المرور بها، ولو لم يكن ذلك النظام الأحادي والقيادة الأحادية ما كنا لنكون على ما نحن عليه الآن، مستحيل. لكن الطلبة عادوا بالفعل بأيديولوجيات مختلفة؟ نعم، ولكنهم لم يزرعوا الفوضى في البلد. قد يكون بعضهم تلقى تغذية روحية أو تبنى أيديولوجية أو أفكارا معينة، لكنني أتحدى أيا كان يقول إن جزائريا واحدا من طلبتنا الذين درسوا في الخارج، في تلك الفترة، قد عاد وزرع الفوضى أو أراد أن يؤسس حزبا أو جمعية أو كتب في الموضوع أو غير ذلك. وعودة لموضوع مهامي، أقول إننا في تلك المرحلة غطينا العديد من الدول. كنا مجموعة من الشباب، طلب منا أن نلتحق بهذه البلدان، وندرس فيها إلى جانب الطلبة الجزائريين ونعيش بينهم وفي الظروف نفسها. وفي بعض الأحيان، نبهنا إلى الظروف المزرية التي كانوا يعيشونها كالمعاناة من نوعية الإطعام وعدم كفاية المنحة، فاتخذ الرئيس هواري بومدين بناء على ذلك، القرار برفع المنحة حتى يكون الطالب الجزائري في الخارج مرتاحا وأعطى تعليمات صارمة لكل سفرائنا كي يفتحوا مكتبا خاصا يعمل يوميا لصالح الطلبة، ويرفعون كل شهر تقريرا إلى الوصاية عن وضعية الطلبة. وهذه التعليمات تمّت بناء على ما قدمناه من معلومات لأصحاب القرار. لم نكن بصدد عمل بوليسي بل كنا مؤطرين بطريقة غير مباشرة، وكنا حلقة وصل بين الطلبة والسفراء الذين كانوا على اطلاع بمهمتنا. فأغلب الطلبة كانت علاقتهم بالسفارات متدهورة. أستطيع أن أقول أننا حسّنا الوضع، وحسّنا معيشة الطالب الجزائري وكانت المهمة ناجحة. ربما كان طلبتنا يحتكون بالإخوان في المشرق العربي، وبالشيوعيين في الاتحاد السوفياتي، والديمقراطيين في أوروبا ولكنني أتحدى أيا كان يقول بأننا أدخلنا السجن أي طالب جزائري درس في الخارج وعاد بهذه الأفكار أو تلك أبدا، أبدا، أبدا.