عطاف يستقبل المبعوث الخاص للرئيس الصومالي    وزارة الداخلية: انطلاق التسجيلات الخاصة بالاستفادة من الإعانة المالية التضامنية لشهر رمضان    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الجامعة العربية: الفيتو الأمريكي بمثابة ضوء أخضر للكيان الصهيوني للاستمرار في عدوانه على قطاع غزة    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    اكتشاف الجزائر العاصمة في فصل الشتاء, وجهة لا يمكن تفويتها    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الأسبوع الاوروبي للهيدروجين ببروكسل: سوناطراك تبحث فرص الشراكة الجزائرية-الألمانية    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بغرداية : دور الجامعة في تطوير التنمية الإقتصادية    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    عرقاب يستعرض المحاور الاستراتيجية للقطاع    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    هتافات باسم القذافي!    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    سيفي غريب يستلم مهامه كوزير للصناعة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كان الرئيس هواري بومدين ديكتاتورا؟
''الخبر'' طرحت السؤال التالي بمناسبة الذكرى ال34 لرحيله
نشر في الخبر يوم 27 - 12 - 2012

اختلفت الآراء حول طبيعة نظام حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، وتتعدد بين من يعتقد أنه جاء إلى الحكم بواسطة انقلاب عسكري، وأسس لنظام شمولي ديكتاتوري، فصادر الحريات وقضى على المؤسسات التي أوجدها الرئيس المنتخب أحمد بن بلة. وبين من يرى العكس تماما، رغم عدم نكرانه بأنه كان ''ديكتاتوريا''، لكن ديكتاتوريته اتسمت بالوعي بمصالح الجزائر، فأضاف صفة ''الإيجابية'' لهذه الديكتاتورية التي بنت الجزائر المستقلة.
حكم الرئيس هواري بومدين كان شموليا بامتياز
لا شك أن الرئيس هواري بومدين يستحق التقدير والاحترام باعتباره مجاهدا ورئيسا للدولة الجزائرية، له إيجابياته وسلبياته. ولا غرو في ذلك، فهو إنسان غير معصوم، أصاب وأخفق حينما كان يدير شؤون البلاد وفق قناعته السياسية المعتمدة على قوة الجيش، بدت له شرعية ما دام الهدف نبيلا، تجلى في بناء دولة قوية عادلة، تحقق الكرامة للشعب، وفق منظور فلسفة حكمه، القائمة على الثالوث (ثورة ثقافية وثورة زراعية، وثورة صناعية).
صحيح أن مكاسب كثيرة قد تحققت بعد مرور نصف قرن على استرجاع الاستقلال، لكن الجزائر لم تنجح في بناء دولة قوية لا تزول بزوال الرجال مثلما كان يحلم الرئيس بومدين، وأكثر من ذلك عجزت السلطة عن توفير الحد الأدنى من الكرامة (السكن والعمل) لشريحة هامة من المجتمع. وبالرغم من توافر إمكانات النجاح المتمثلة في المال والثروات الطبيعية والفلاحة والموارد البشرية، فإن الوطن لا يزال يرزح تحت نير التخلف في أسوأ مظاهره. وقد أنجب الإخفاق السياسي حربا أهلية لم يتم الإقرار بوجودها، أهلكت الحرث والنسل، وتركت جرحا غائرا لا يزال مستعصيا على الالتئام.
وأمام هذه الحصيلة الكارثية، ارتسم سؤال كبير في أذهان الكثير من الجزائريين، مؤداه: إلى أي مدى يتحمل الرئيس هواري بومدين وزْرَ هذا الإخفاق؟ هل أخطأ في حسابه حينما كرّس حكما فرديا، على حساب الديمقراطية؟ ومِنْ ثَمّ هل كان نظام الحكم في عهده ديكتاتوريا صرفا ؟
للإجابة عن هذه الإشكالية، لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس هواري بومدين قد وصل إلى سدة الحكم عن طريق القوة، حين قام بانقلاب عسكري على الرئيس أحمد بن بلة يوم 19 جوان .1965 وأمام استحالة تبرير فعله هذا باسم الديمقراطية، فقد حاول إضفاء الشرعية الثورية على حكمه، علما أن هذه الأخيرة قد انتهت مهمتها عند عتبة استرجاع السيادة الوطنية سنة .1962 وهكذا لم يصل هواري بومدين إلى سدة الحكم عن طريق الإرادة الشعبية، التي كان من المفروض أن تكون هي المعبر الوحيد نحو السلطة. والأدهى من ذلك أنه أدار البلاد بقبضة حديدية لمدة تزيد عن عشرية كاملة دون دستور، ودون برلمان، ودون معارضة، ودون وجود سلطة مضادة تحافظ على توازن الدولة. أما مبدأ فصل السلطات الذي يعد بمثابة حجر الزاوية للدولة الديمقراطية، فلم يكن واردا في سياسته، ناهيك عن مبدأ التداول على السلطة الغائب.
ومما يؤكد التوجه الشمولي لنظام هواري بومدين، أن الكثير من المجاهدين الذين ظلوا مخلصين للقيم الديمقراطية، قد عارضوه، فهذا الرائد لخضر بورقعة يصف النظام الشمولي، الذي أقامه الرئيس أحمد بن بلة بدعم من وزيره للدفاع هواري بومدين بكونه ''اغتيالا للثورة''. أما الرئيس الأول للحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية فرحات عباس، فقد انتقد بشدة النظام الشمولي للرئيسين المذكورين، ووصفه بكونه ''مصادرا للاستقلال''. أما السياسي المحنك عبد الرحمن فارس الذي ترأس الهيئة التنفيذية للفترة الانتقالية في سنة ,1962 فقد ذكر في مذكراته أن انقلاب هواري بومدين، وما انجرّ عنه من قرارات غير ديمقراطية كحل المجلس الوطني، كان ضمن العوامل التي دفعته إلى الانسحاب كلية من الساحة السياسية، بعد أن تأكد أن الأوضاع السياسية لم تكن تسير في الاتجاه الديمقراطي الصحيح.
ومن المؤشرات الأخرى الدالة على شمولية نظام هواري بومدين، أنه وضع مصير الجزائر في قبضة ما أسماه ب''مجلس الثورة''، تشكل من حوالي 26 عضوا، معظمهم من العسكر. وحتى هؤلاء الأعضاء تخلص الرئيس من بعضهم بمجرد ما عبّروا عن آرائهم المعارضة لبعض مواقفه. كما أن محاولة الانقلاب العسكري التي قام بها قائد الأركان الطاهر الزبيري سنة ,1967 دليل آخر يدين حكم بومدين. أما عن هلاك واختفاء رموز الثورة وقادتها، ورجالات الدولة في عهده، فحدّث ولا حرج، الأمر الذي أثار القلق حتى في أوساط دائرته الضيقة، لذا فضل البعض الآخر من أعضاء مجلس الثورة وغيرهم، مغادرة الساحة السياسية، والجزائر أحيانا، قبل أن يصيبهم ما أصاب رفقاءهم.
والحاصل أن جل المؤشرات توحي بأن حكم الرئيس هواري بومدين كان شموليا بامتياز، أنجب نظاما أحاديا فاسدا ما زلنا نعاني من تداعياته إلى يومنا هذا. لكن من باب الإنصاف أن أشير إلى أن ''شمولية'' هواري بومدين كانت في نظر شريحة هامة من المواطنين ''ديكتاتورية متنوّرة''، غايتها بناء دولة قوية الأركان أولا، ثم تأتي الديمقراطية في مرحلة لاحقة. فهل القدر هو الذي حال دون تحقيق المرحلة الثانية هذه، أم أن واقع الإخفاق السياسي الراهن من جنس البذرة التي زرعها، على أساس قاعدة ''من زرع الريح حصد العاصفة''؟
الدكتور محمد أرزقي فراد
بومدين... رمز الديكتاتورية البناءة
استعمل الرئيس هواري بومدين، الذي نحيي اليوم ذكرى رحيله ال34، القوة العسكرية في انقلابين على سلطات شرعية ظاهريا في كلتا الحالتين، ارتبط الانقلاب الأول بصائفة 1962 الذي أطاح بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي كانت تتمتع بشرعية وطنية ودولية، لا سيما بعد أن أصبحت شريكا للحكومة الفرنسية في اتفاقيات إيفيان، بوابة استفتاء الشعب الجزائري في تقرير مصيره واستقلاله. وكذا انقلاب 19 جوان 1965 الذي أطاح بحليفه السابق الرئيس أحمد بن بلة الذي كان يحظى بشعبية واسعة. وقد انتخب رئيسا للجمهورية في خريف .1963 وكان يقوم بتسيير شؤون البلاد بواسطة مؤسسات دستورية وسياسية شرعية، في مقدمتها المجلس الوطني، واللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني.
طبعا لا يعتبر الانقلاب العسكري وسيلة ديمقراطية للوصول إلى الحكم، وبالتالي من السهل أن نقول عن بومدين إنه كان ''ديكتاتوريا بامتياز''. لكن من الواضح كذلك أن العقيد هواري بومدين قائد أركان جيش التحرير الوطني لم يطلب السلطة لذاتها، فقد كان له مبرره لذلك، وهو ترجمة الانطلاقة الثورية في مشروع تنمية وطنية لفائدة أغلبية الشعب الجزائري. وبناء على ذلك كان يرى في جيش الحدود، خاصة القوة المنظمة الوحيدة القادرة على حماية هذا المشروع، وضمان الاستقرار الضروري لإنجازه.
بومدين إذن عبارة عن ''ديكتاتور إيجابي'' يحمل هما وطنيا، جعل الجزائر المستقلة قوة إقليمية باقتصادها وحيوية شبابها المسلح بنور المعرفة العصرية فضلا عن إشعاعها السياسي وقوتها العسكرية.
ومهما اختلفنا في تقييم تجربة بومدين في التنمية الوطنية، فلا يمكن ألا نسجل في رصيده ما يلي: إنه نجح في إقناع أغلبية الجزائريين بمشروعه الموجه أساسا لإرساء الاستقلال الوطني، على دعائم مادية صلبة، وعدالة اجتماعية لا شلك فيها ولا جدال. وأنه أقنع مشروعه كذلك دولا عظمى مثل اليابان وألمانيا، فلم تبخل عليه بالنصح والمساعدة، لإنجاز الشق الصناعي خاصة من هذا المشروع. وليس بومدين نشازا في العالم بارتداء برنوس ''الديكتاتور الإيجابي''، فهناك العديد من أمثاله في العالم نذكر منهم ستالين، ماو تسي تونغ، فرانكو، عبد الناصر...الخ.
كان بومدين يجسد الطموح المشروع لجزائر الثورة والاستقلال. وبدأ فعلا في ترجمة هذا الطموح في مشاريع ملموسة. ويمكن القول إنه كان قدوة في التقشف وتوظيف المال العام فيما ينفع البلاد والعباد. لكنه ارتكب خطأ قاتلا لتأخره كثيرا في تأمين مشروع التنمية الوطنية، بإقامة نظام حكم ديمقراطي، يمكن أن يتجدد ويتجاوز نفسه بطريقة طبيعية.
لقد أمضى عمره - القصير - للأسف في الاتكال على مساعدين طبيعيين - في الظاهر - لكن لا علاقة لأكثرهم بالمشروع الذي يحمله. ناهيك أن القوى التقدمية لم تكن ترى في أقرب الناس إليه غداة رحيله غير ''سادات الجزائر''.
والسؤال الجدير بالتأمل والجزائر في أوج ''ديكتاتورية الفوضى''، هو ''كيف سيكون حال البلاد لو حافظ الرئيس بن جديد على اختيار التصنيع وأكمله، أو صححه، بفتح المجال أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة منها والعمومية؟
ولعل خير ما نختم به هذه العجالة، شهادة الوزير الأخضر الإبراهيمي، الوسيط الأممي، حيث قال: ''كانت المؤشرات الاقتصادية لجزائر مطلع السبعينات من القرن الماضي، أفضل من مؤشرات كوريا الجنوبية. وكانت بالجزائر محافظة سامية للإعلام الآلي في وقت لم تكن الهند تعرف كبير شيء عن هذه التكنولوجيا الرائدة''.
محمد عباس
بداية بومدين لم تكن ديمقراطية لكنه كان وطنيا
؟ الدكتور
عمّار محند عامر*
يجب قبل كلّ شيء تصحيح بعض الأشياء تقال هنا وهناك حول المسار النضالي لهواري بومدين. لم يكن بومدين مجهولا في الحركة الوطنية بل كان من مناضلي حزب الشعب في الجزائر ثم بمصر قبل .1954 والتحق باكرا بجيش التحرير الوطني (1955) وبعد ذلك ارتقى إلى منصب قائد عام لأركان الجيش (1960).
بعد الاستقلال، كان بومدين من المسؤولين السامين لجبهة التحرير الوطني الذين انضموا تحت لواء الزعيم الجديد للجزائر المستقلّة: أحمد بن بلّة. وهنا المؤرّخ يصحح مغالطة أخرى التي تزعم أنّ بومدين وجيشه (جيش الحدود المتكوّن من 35000 جندي) هو الذي سمح لجماعة تلمسان أي لبن بلة بالوصول إلى الحكم. لكن في الحقيقة إنّ مسألة كبيرة طرحت في تلك المرحلة (أزمة صيف 1962) تعلّقت بمن له الشرعية: الثورية والسياسية. وهنا بومدين وبن بلة لم يكونا في نفس المستوى.
ذاع صيت بومدين وجماعته (جماعة وجدة) بعد الانقلاب العسكري ليوم 19 جوان .1965 تميّز حكم بومدين ببدايته غير الديمقراطية (انقلاب عسكري) على عكس بن بلة الذي تم تعيينه رئيسا للجزائر باستفتاء شعبي (1963).
تميّزت فترة حكم بومدين بتقييد الحريات الفردية والجماعية. ولم تلعب جبهة التحرير الوطني دورها كحزب حاكم وواحد، بل همّشت لفائدة بقايا مجلس الثورة الذي أسّس بعد الانقلاب.
ختاما، نقول إنّ إيجابيات حكم بومدين هي وجود استراتيجية ونظرة اقتصادية، ولو أنّها لم تحقّق أهدافها، إلاّ أنها لها الفضل في الوجود حيث جنّدت آلاف الإطارات الذين كانوا يؤمنون بهذه السياسات، وهذا شيء إيجابي في رأينا.
فشل هذه التجارب ناتج عن غياب توازن في القوى السياسية وانعدام معارضة داخلية معترف بها. هذه الوضعية لم تسمح للبلاد بأن تستفيد من كفاءات وتجارب كلّ أبنائها.
بومدين كان في نفس الوقت وطنيا ومتشبثا بالحكم، وهذا ما كان حال أغلب رؤساء وزعماء البلدان التي خرجت من الاحتلال الأجنبي.
*باحث بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران
الدكتور رابح لونيسي ل''الخبر''
شعور بومدين بأنه حامل رسالة العدالة وخدمة الفقراء حوله إلى رجل مستبد بالرأي
يعتقد المؤرخ رابح لونيسي أن هواري بومدين أصبح يتحدث أن الدولة والأمة والوطن ومصالح الشعب تتجسد في شخصه، وكل من عارض سياساته فهو ضد الدولة والجزائر. وأضاف لونيسي في حوار ل''الخبر'': ''لقد أقام نظاما شموليا يسيطر على كل شيء، فلا مكان للتعبير الحر أو القضاء المستقل أو تعددية حزبية أو فصل للسلطات''.
الجزائر: حاوره حميد عبد القادر
كيف يرى مدرس التاريخ شخصية هواري بومدين، بعيدا عن التأثيرات السياسية؟
يصف بعض الباحثين والسياسيين الرئيس هواري بومدين ب''المستبد''، لكن يختلف هؤلاء في تفسير ما يعتبرونه استبدادا، فالبعض يرى بأنه طبيعة موجودة لدى البعض من النخب التي تربت في كنف الحركات التحريرية والثورية العنيفة، ويفسرها آخرون بولع بومدين بالسلطة وما الاستبداد إلا طبيعة نفسية فيه. ويقول آخرون إن الظروف آنذاك فرضت على بومدين ذلك، لأن الشعب لم يكن مستعدا للحياة الديمقراطية، أما الذين ينفون عن بومدين صفة الاستبداد، فيذهب البعض منهم إلى حد القول إن بومدين قبل وفاته كان يستعد لإدخال نوع من الحياة الديمقراطية في الجزائر بإنشاء منابر سياسية داخل حزب جبهة التحرير الوطني مثلما فعل السادات في مصر. لكن أعتقد أن كلام هؤلاء يدخل في إطار مسايرة الموجة الديمقراطية التي عرفها العالم، ومنها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وما كلامهم إلا محاولة لإعطاء صورة ''ديمقراطية'' عن بومدين.
وكيف نحكم على مسار الرئيس بومدين؟
كي نحكم على أي رئيس دولة أنه ديمقراطي، لا يكفي أن يصرح بذلك، لأنه كم من مدع للديمقراطية وهو يمارس نقيضها، ولا يمكن لنا أن نحكم على ذلك إلا من خلال عدة عوامل وهي: ذهنية وثقافة الشخصية المدروسة وطريقة وصولها إلى السلطة ونظرتها إلى المعارضة ومدى احترامها للحريات وحقوق الإنسان وحرصها على فصل السلطات، وكذلك طريقة بنائها للدولة ومؤسساتها. وتعد طريقة الوصول إلى السلطة عاملا رئيسيا في تحديد كل العوامل الأخرى، لأن الكثير من الذين يأخذون السلطة بالقوة فإنهم يعتبرون ما أخذوه ملكية لهم لابد من الدفاع عنها بشراسة ضد كل من يحاول الاقتراب منها، فيحولون الدولة بذلك إلى ملكية شخصية، ويعتبرون المعارضة عدوا شرسا يسعى لأخذ الدولة - الخاصة بهم، فيعاملونها بقسوة ووحشية.
لا يمكن أن ينفي أي كان أن بومدين قد أخذ السلطة بالقوة، وهذا ليس فقط بانقلابه على بن بلة عام ,1965 بل كان وراء أول انقلاب وقع في الجزائر عام 1962 ضد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، لكنه اختفى حينها وراء رمز تاريخي هو بن بلة، لأنه لم يكن معروفا لدى الشعب، وعند أخذه السلطة دفعته عدة عوامل إلى التفرد بها، ومنها ثقافته السياسية والظروف السائدة آنذاك، كما أن هناك عاملا آخر وراء هذا السلوك البومديني، ويتمثل في إيمانه الشديد بالمبدأ الاشتراكي والعدالة الاجتماعية، فقد تأثر بالصراع الأيديولوجي السائد عالميا آنذاك حول لمن الأولوية: للعدالة الاجتماعية أم للديمقراطية، وقد أخذ بومدين بأولوية العدالة الاجتماعية معتبرا مثل الكثير من المتأثرين بالماركسية آنذاك بأن الديمقراطية مرتبطة بالرأسمالية.
وما هي مظاهر الانحراف لدى بومدين؟
أغفل بومدين تماما بيان أول نوفمبر الذي كان ينص على ضرورة الجمع بين مبدأي العدالة الاجتماعية والديمقراطية، أي إقامة دولة ''ديمقراطية واجتماعية'' كما نص على ذلك البيان المكتوب أصلا باللغة الفرنسية، قبل أن يحرف هذا البيان بمحو الواو ويحول إلى ''ديمقراطية اجتماعية'' بعد ترجمته إلى العربية، وهي ترجمة تحمل دلالة أخرى مناقضة للنص الأصلي للبيان، وأبقي على هذا التحريف بهدف إعطاء شرعية ثورية للسياسة التي اتبعها بن بلة ثم بومدين في الجزائر.
ولم يع بومدين بحكم عدة عوائق أن عدم تطبيق الديمقراطية إلى جانب سياسته الاجتماعية ستكون عاملا رئيسيا وراء فشل مشروعه الاجتماعي، فلا يمكن أن ينكر أي باحث جاد بأن بومدين قد وضع إستراتيجية ومشروعا تنمويا طموحا جدا، وسعى بواسطته إلى اكتساب الشرعية بواسطة التنمية، لكن انعدام النقاش الحر في المجتمع منع بومدين من إدراك الخلل والهفوات الموجودة في مشروعه وإستراتيجيته لتصحيحها في الوقت المناسب، كما أن تغييبه للمعارضة وللتعبير الحر وللمجتمع المدني القوي والمستقل أدى إلى غياب الرقابة والتوازن بين مختلف مؤسسات الدولة، فنتج عن ذلك ميلاد بورجوازية جديدة يمكن أن نسميها ب''البورجوازية البيروقراطية'' متكونة من بعض النخب الحاكمة، فقوضت هذه الطبقة الجديدة فيما بعد كل أحلام بومدين في تحقيق العدالة الاجتماعية.
كما أن شعور بومدين أنه حامل رسالة العدالة وخدمة الفقراء حوله إلى رجل مستبد بالرأي، فاعتبر كل مخالف له بأنه بورجوازي ورجعي وعميل للإمبريالية وعدو للطموحات الشعبية، وينظر إلى الأشخاص والتيارات الأيديولوجية المخالفة له في الطرح بأنها خائنة وينعتها بشتى النعوت كالعمالة والبورجوازية وعديمة الوطنية، وهو الاعتقاد الذي يدفع حتما إلى الإقصاء والممارسات الدكتاتورية، فبسبب ذلك قمع وسجن أشخاصا وزعماء أعطوا النفس والنفيس من أجل تحرير الجزائر من الاستعمار، ليقعوا فيما بعد تحت تسلط وقمع بومدين ونظامه. ويمكن أن نصنف بومدين ضمن السياسيين الذين يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، وينطبق هذا السلوك البومديني على الكثير من الأيديولوجيين المنغلقين الذين يحولون أيديولوجيتهم إلى حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش والمراجعة، بمن فيهم بعض الديمقراطيين الذين يحولون المبدأ الديمقراطي إلى أيديولوجية مغلقة بدل أن تكون مجرد آليات لحل مشكلة السلطة بواسطة التداول السلمي عليها واحترام الحريات والتعددية وغيرها من مبادئ الديمقراطية.
وبفعل هذا الانغلاق الأيديولوجي قام بومدين بقمع المعارضة بكل أطيافها وسجن ونفي زعمائها، ولم ينج من ذلك حتى المقربون منه، فتعرضوا للمضايقات إلا لأنهم خالفوه الطرح، وعندما نقرأ مذكرات الشاذلي بن جديد نجده يقولها بشكل غير مباشر بأن مدغري وقايد أحمد وشابو قد ماتوا في ظروف غامضة بعد خلاف مع بومدين في الطرح، وحتى داخل مجلس الثورة فإنه لا يستشير إلا أقرب المقربين إليه، ما دفع الطاهر الزبيري إلى القيام بمحاولة انقلابية ضده عام .1968
أما بشأن بناء الدولة فإن بومدين لم يقم مؤسسات قوية ومستقلة، وبنى سلطة قوية لكن بدولة ضعيفة وهشة في مؤسساتها، كما لم يميز بين النظام أو السلطة القائمة والدولة، وهو وراء هذا الخلط الموجود اليوم لدى الكثير من الجزائريين، بل حتى بين السياسيين معتقدين أن الدولة هي السلطة والنظام، وكل من عارض سياسة السلطة فهو ضد الدولة في نظرهم، وهو أمر خطير جدا، لأن كلنا الدولة، سلطة وشعبا وأرضا ومؤسسات وأحزابا سواء كانت معارضة أو مؤيدة للسلطة القائمة التي هي ليست ثابتة بل متحركة وتتغير من انتخابات وتفويض شعبي لآخر، عكس الدولة ومؤسساتها، وذهب بومدين إلى أبعد من ذلك حيث أصبح يتحدث أن الدولة والأمة والوطن ومصالح الشعب تتجسد في شخصه، وكل من عارض سياساته فهو ضد الدولة والجزائر.
وكيف يمكن وصف طبيعة نظام بومدين؟
أقام بومدين نظاما شموليا يسيطر على كل شيء، فلا مكان للتعبير الحر أو القضاء المستقل أو تعددية حزبية أو فصل للسلطات، وسيطر على الحزب الواحد الذي تحول إلى مجرد بوق لسياسته، ومنع كل صوت معارض إما بالسجن أو النفي، كما منع قيام أي مجتمع مدني مستقل، فكل شرائح المجتمع انتظمت في منظمات جماهيرية تابعة للحزب الواحد الذي يتحكم فيه.
إن هذا النظام الذي وضعه بومدين تجذر وتصلب، وبرزت من داخله لوبيات تدافع عن مصالحها الخاصة والضيقة تحت غطاءات شتى كالوطنية والاشتراكية والعروبة والإسلام والثورة والوحدة الوطنية، وغيرها من الشعارات التي تستخدم كرأسمال رمزي للوصول إلى السلطة والريع، كما استخدمتها أيضا لقمع وإسكات أي صوت نابع من قلب أي وطني أراد الوقوف ضد هذه الانحرافات الخطيرة التي يمكن أن تهدد مستقبل دولة وأمة استشهد من أجلها الملايين.
وقد تغولت هذه اللوبيات إلى درجة أنه أصبح من الصعب جدا إدخال أي إصلاحات على آليات عمل النظام السياسي في الجزائر والقيام بعملية انتقال ديمقراطي بفعل عرقلة هذه اللوبيات لها وانتشارها في بعض دواليب الدولة، وترى في أي إصلاحات أنها تهديد لمصالحها الضيقة، ويبدو أن هؤلاء هم وراء عرقلة وإجهاض كل المحاولات والدعوات إلى إصلاحات جادة لآليات عمل النظام السياسي الجزائري منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى حد اليوم، ويبدو أن الكثير من هذه اللوبيات والدائرين في فلكها هي التي تحولت إلى قوة و''مافيا مالية - سياسية''، حسب تعبير بوضياف، ولم يصلوا إلى ذلك إلا بفعل استغلالهم المناصب تحت شعارات الاشتراكية في عهد بومدين وانعدام قوى مضادة آنذاك تحد من سطوتهم بسبب غياب الحريات الديمقراطية.
ويمكننا إطلاق صفة ''المستبد المستنير'' على الرئيس بومدين بسبب الكثير من إنجازاته، ومنها خاصة التعليم والتوزيع العادل للثروة وسعيه لتحديث المجتمع دون أن يحقق الحداثة، لأن هناك فرقا شاسعا بين المفهومين، إلا أن تغييبه للحريات الديمقراطية أدى إلى فشل مشروعه، ويمكننا أن نقول في هذا الفشل نفس ما قاله محمد عبده عن أسباب فشل مشروع محمد علي في مصر في القرن 19 عندما حصرها في استبداد محمد علي، أي انعدام الحريات وفصل السلطات وغيرها من مبادئ الدولة الحديثة الديمقراطية.
الدكتور رابح لونيسي
بول بالتا
من خلال المقابلات التي كانت تجمعنا سويا عدة مؤشرات كانت تدل على أنه كان يود القيام بانفتاح سياسي ابتداء من عام .1976 كانت جريدة ''لوموند'' قد استدعتني لتحويلي إلى إيران لتغطية أحداث الثورة، وكنت قد التقيت به في أواخر أوت من سنة 1978 لإخباره بالموضوع وأودعه، لكنه أبدى اعتراضه وأصر علي بالبقاء قائلا: ''إنك عشت معنا وشاهدت المؤسسات ولذلك عليك بأن تكمل مشاهداتك وستكون هناك تغييرات هامة، أتصور أنها تكون نهاية السنة أو بداية 1979 مؤتمر كبير لجبهة التحرير الوطني ويتوجب علينا تقييم الحصيلة وإحصاء الإيجابيات وخاصة معرفة أسباب الفشل وتصحيح الأخطاء وتوضيح الاختيارات الجديدة، وبما أنك شاهد على تجربتنا فأنت الأقدر على الحكم عليها وعلى تطورها. وشعرت عندها أنني في ورطة، فطرحت عليه عدة تساؤلات: هل تنوي إقامة تعددية حزبية؟ وهل تنوي إعطاء مكانة أوسع للقطاع الخاص؟ وهل تنوي تحرير الصحافة؟ وتشجيع الحركة الجمعوية؟ وكانت الطريقة التي ابتسم بها توحي بالموافقة، ثم قال لي: أنت الأول الذي حدثته بهذا الأمر. لن أزيد أكثر من هذا في الوقت الحالي، ولكن ضع ثقتك في، سوف لن يخيب ظنك''.. وتوجب عليّ الذهاب إلى طهران وعندها بلغني نبأ مرضه ثم موته.
بومدين عرف كيف يجعل من مجموعات مبعثرة من المقاتلين خلال الثورة وحدات قتالية حقيقية. بعد الاستقلال، نجح في إدماج أفراد الولايات التاريخية ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي. ذلك ليس بالأمر الهين أبدا. لقد كان بومدين، من دون منازع فعلا، مؤسس الجيش الجزائري بالمعنى العصري للكلمة.
قالوا عن بومدين...
سيمون مالي
؟ ''قبل أن يموت بومدين بأربع سنوات في ديسمبر من عام 1978 كنت قد سألته وكنت آخذ الشاي معه، هل فكر في من يستخلفه خاصة وأن الجزائر مستهدفة... ابتسم لحظة قبل أن يسر لي قائلا: ''الله كبير يا أخي وعندما يتوفاني إليه، أظن أن بعض إخواني سيجدون خليفة ممتازا''. فذكرت له سي عبد القادر مثلا ؟ ذكرت له الاسم الحربي لعبد العزيز بوتفليقة، الذي كان ذراعه الأيمن وكاتم أسراره ومن معاونيه المقربين، فأجابني: ''لم لا، إنك تعرفه جيدا وتراه باستمرار في الأمم المتحدة. إنه عنصر ثوري ملتزم ويعرف كيف يكمل المهمة، ولقد ساهم كثيرا في جعل الجزائر مكة جميع حركات التحرر''.
؟ قالوا عنه: ''كان رحمه الله ينسى نفسه في العمل ولا يتفقد مواعيد الطعام إلا عندما يجوع...''.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.