* ما هي _حسب رأيك- المعايير المعتمدة لاختيار نادي الصحافة بدبي لك كصاحب أفضل عمود صحفي على مستوى العالم العربي؟ - لا أعرف على وجه التحديد، لكنني ألاحظ أن النادي اختار ما كتبته في إطار العمود ولم يتجه إلى صور أخرى من الكتابة الصحفية كالتحليلات السياسية والمقالات المتسلسلة والتي عرفتُ بها في السنوات الأخيرة، ولعلي أتصور أن الأعمدة بشكل عام أصبحت تستقطب اهتماما أكثر لأنها تستجيب أكثر لروح العصر، حيث القارئ في حاجة لحجم أقل من السطور التي تحتوي على أكبر حجم ممكن من الأفكار. ولقد حدث ذلك بدون علمي وعرفت به في آخر لحظة، وبالرغم من أنني لم أرسل أي نماذج من كتاباتي لمجلس إدارة الجائزة، وهو ما يفرض علي هنا أن أحيي من سهر على ذلك وبوجه الخصوص الأستاذتين مريم بن فهد ومنى بو سمرة. * ألا ترى في ذلك اعتراف المشرق، ولو بتأخير، بوجود كتاب وصحافيون متميزون في المغرب العربي ؟ - التقصير منا، فأنا مثلا أكتب منذ منتصف الستينيات، غير أنني، خلال مسيرتي المهنية في الجيش ثم إلى جانب الرئيس هواري بو مدين وبعده مع الرئيسين رابح بيطاط والشاذلي بن جديد، كنت أكتب باسم مستعار حتى لا أحرج المؤسسة التي أنتمي لها، ولم أتصرف مثل كثيرين في المشرق العربي، ولم أنتهز فرصة المسؤولية السامية لأعرف القراء بنفسي. *ماهو تعليلك لدعوة العرب ليتقربوا من فنانات غربيات شهيرات على غرار بريجت باردو أو جون فوندا؟ - من تفضلت بذكرهن لهن مواقف تستحق التقدير والإعجاب. مثلا، وبعد انتصارات الثورة الجزائرية المتزايدة، أدرك الجنرال شارل دو غول، طبقا لما أورده في مذكراته، بأنه لا مفر من إعطاء الجزائر استقلالها، إنقاذا لفرنسا نفسها من حرب لا يُمكن أن تحقق فيها النصر الذي تريده. غير أن غلاة "الجزائر الفرنسية" حاولوا الانقلاب عليه، فلجئوا إلى تكوين "منظمة الجيش السري" سيئة الذكر لتخريب كل محاولة للاتفاق مع جبهة التحرير الوطني، واستعملوا في ذلك أبشع أساليب الترويع ضد المواطنين، ووصل بهم الأمر إلى محاولة اغتيال دوغول نفسه وللتزود بالمال أرسلت المنظمة الإجرامية للفنانة رسالة تهديد تطالبها بدفع مبلغ مالي ضخم وإلا...، ولكنها رفضت وردت بتصريح صحفي نددت فيه بجرائم المنظمة وعندما اقتربت الفنانة من سن الأربعين اعتزلت فنيا، ولم تحاول، كبعض فنانات "إيطاليا" اللجوء إلى عمليات شد الوجه وحشو الصدر بالسيليكون ثم اقتحام الفضائيات للتظاهر بالوطنية التي تعتمد البلاغيات الجوفاء، ولكنها قادت حملة ضد صيد صغار الفقمات التي كانت تقتل بأسلوب وحشي، ونجحت في حملتها برغم شراسة تجار الفراء. *ما هو تفسيرك للهالة الإعلامية التي تحيط بأحلام مستغانمي ولماذا هي الروائية المغاربية الوحيدة التي اجتازت حدود المغرب العربي الى المشرق؟ - أحلام مستغانمي صديقة عزيزة، وقد تابعت تطورها الأدبي منذ كانت تقدم برنامجها الإذاعي المشهور وهي ما زالت طالبة في الثانوية، وبالتالي فشهادتي عنها قد تكون مجروحة. وأعتقد أن السؤال يجب أن يُوجّه لعشاق الأديبة الكبيرة في المشرق العربي. * لماذا- من وجهة نظرك- يسود الاعتقاد لدى العامة وحتى لدى النخبة في المشرق أن المغاربيين" متفرنسون" وأنهم عموما لا يحسنون الحديث أو الكتابة باللغة العربية ؟ - نحن عبيد الأجوبة السهلة الجاهزة، تماما كما أننا جميعا عبيد لكل إنتاج غربي حتى في مجال الكماليات، وهكذا نأخذ عن الفرنسيين أوصافهم وتصنيفاتهم، وكلها تصنيفات تحمل خلفيات مشبوهة، وتركز على التهليل لكل من يكتب من الشمال إلى اليمين، متخم أحسن الكتاب باللغة العربية، وهم من خيرة الإعلاميين في الفضائيات العربية. لكنني أعترف بتقصيرنا في التعريف بأنفسنا وبإنتاجنا. * عملت وزيرا للثقافة في عهد الرئيس عبد العزيز بو تفليقة: ما هو أفضل إنجاز أنت فخور بتحقيقه ؟ - لم أنجز الكثير لأنني لم أمكث في الوزارة إلا أشهرا معدودة، ولكن أهم ما أعتز به هو تظاهرة "الجزائر عاصمة للثقافة العربية"، وتنظيمي لأول معرض دولي للكتاب بعد توقف دام نحو 16 سنة، وكذلك تنظيم مهرجان الموسيقى العربية، ولعلي أضيف إلى هذا إعفاء الكتب المستوردة في إطار معرض الكتاب الدولي من الرسوم الجمركية، وباختصار، خلق حيوية جديدة في قطاع الثقافة بعد السنوات الدامية. * اليوم وأنت بعيد عن كرسي الوزارة هل تعتقد أنك أخطأت في قرار أو أسأت التقدير في أمر ما ؟ - أعتقد أنني ارتكبت أخطاء كثيرة، وربما كان من أهمها أنني لم أفهم أهمية التحالفات الأفقية في التعامل مع السلطة، وظللت متمسكا بالولاء الرأسي، وسأتناول ذلك في كتاب جديد. * بإيجاز ومن خلال تجربتك: كيف ترى العلاقة بين "السلطان" وبين"المثقف" في الوطن العربي؟ - من تجربتي الشخصية أقول بأن "السلطان" الواعي يتفهم ضرورة وجود مثقف إلى جواره، والمثقف الوطني قادر على القيام بواجبه بشرطين، ألا يكون جبانا وألا يكون طماعا. ولابد أن يدرك البعض أن كلمة تقال بهدوء في إذن الحاكم خير من مائة مقال ناري تنشره الصحف، هذا إذا كان الهدف هو الصالح العام. وفي غير ذلك يجب أن يدرك المثقف أن دور المثقف "الفرد" يجب أن يترك مكانه الآن للمثقف "المجموع" الذي يقوم بصياغة مشروع مجتمع يدعو له ويدافع عنه لتتولى القيادات السياسية، في السلطة وفي المعارضة، استثماره، ومن مجموع المؤمنين بهذا المشروع تنبثق السلطة التي تقود جماهير مؤمنة به مستعدة للعمل من أجل تطبيقه وحمايته. * ما ردك على من يتهمك بأنك كنت على امتداد مسيرتك السياسية الطويلة مهادنا للسلطة ومستشارا مجاملا للرؤساء الذين عملت معهم؟ - أنا كنت منسجما مع نفسي في أدائي لمهمتي، وأعتقد أن على من يتناقض مع السلطة أن يستقيل منها، والواقع أنه لم تكن بيني وبين القيادة أي تناقضات جوهرية، وكنت أقول رأيي بكل صراحة للمسؤول الذي منحني ثقته، ولكن بدون تظاهر أحمق بالشجاعة أو مزايدة على مواقف الرئيس، ولعل مما كان يساعدني على تمرير أفكاري هو أنني كنت أكتب دائما بتوقيع مستعار، كان الرئيس يعرفه بكل تأكيد. *لك كتاب ":أنا وهو وهم"، لماذا "هن" دائما غائبات في مواقع القرار في الجزائر وغيرها من الدول العربية؟ - كان العنوان سيكون مضحكا لو أضفت له "هنّ"، والواقع "أنهن" موجودات في إطار الحديث عن "هم". والمرأة عندنا نجدها في كل مواقع المسؤوليات العامة بفضل مساهمتها في الثورة التحريرية، ونتيجة للدور الرائع الذي قامت بها إلى جانب الرجل، وهي موجودة على الساحة الأدبية بفضل جهودها وإصرارها على النجاح، وبالتالي فلا فضل لأحد في تبوئها لمكانتها، والموقع الوحيد الذي أعتقد أن عليها عدم التطلع له هو منصب الإمامة في المسجد. لكنني ضد فرض "كوتا" إجبارية تفرض وجود المرأة في مناصب الدولة، وأرى أن عليها أن تنتزع مواقع المسؤولية بكفاءتها وليس كمنحة من الرجل، حيث أن هذا سيكون مرهونا بإرادة معينة قد تكون لها خلفياتها. * هل ما زلت تعتقد بأن الرئيس الراحل هواري بومدين مات مسموما؟ - أنا لم أقل يوما ذلك، لكنني لست على استعداد لكي أقسم بأن وفاته كانت طبيعية، ولقد تناولت هذا في كتابي. * ما هو تقييمك لمشاركة المنتخب الجزائري في كاس العالم الأخيرة لكرة القدم؟ - أتصور أن وصول فريقنا للمونديال كان بداية جيدة لدولة تغيب عن حدث كهذا نحو ربع قرن، وقد آلمني ادعاء بعض الأشقاء بأن وجودنا في "المونديال" لم يكن مشرفا للوطن العربي، في حين لا أتصور أن فرقهم كانت ستفعل خيرا مما فعلناه، ولا أتوقع أن أيا منها كان سيهزم البرازيل أو الأرجنتين أو حتى الولاياتالمتحدة التي هزمتنا، أو أن منها من ظلت شباكه عذراء أمام البريطانيين الذين تعادلنا معهم. * ألم تندم على تركك مهنة الطب للتفرغ للسياسة والأدب والصحافة؟ - عندما طلبني الرئيس بو مدين لأكون مساعدا له ترددت نحو ستة أشهر لأنني كنت أحب مهنتي، وقلت للرئيس له أنني، كأول طبيب متخرج من جامعة عربية، أواجه تحديا أريد أن أواصل نجاحي فيه، وأجهز الرئيس على معارضتي بقوله : ذلك نجاح على مستوى الفرد وأنا أريدك أن تنجح على مستوى الدولة. * ماهو دور المرأة في حياتك ؟. - أهم دور هو للمجاهدة جميلة بو حيرد، التي قبض عليها وأنا أدرس في السنة الأولى بكلية الطب جامعة عين شمس بالقاهرة، وفي ظروف صعبة يجاورنا فيها الجزع والعوز، وهالني أن تواجه جميلة كل ما واجهته وأنا أتنعم بالدراسة، وهكذا اتخذت قراري بقطع دراستي والالتحاق بجيش التحرير في 1957 * هل ترى فروقاً تذكر بين المرأة في المغرب وفي المشرق؟ - ثورة الجزائر أعطت المرأة وجودا فعالا في الحياة العامة انتزعته بنضالها إلى جانب الرجل، مقاتلة وممرضة ومعلمة وناقلة بريد. ولن تستطيع المرأة العربية أن تحتل مكانتها في المجتمع إلا إذا انتزعت تلك المكانة بجهودها وبإرادتها وبإدراكها أنها نصف المجتمع بالتكامل مع النصف الآخر وليس بالتشبه به، وبعيدا عن أسطورة التغني بالمساواة بدون تحمل أعبائها.