عندما يبرز بارونات جدد من قبيل شبكات تهريب متخصصة في الحليب، يفهم الجزائري لماذا تتكرر ظاهرة ندرة الحليب، ولماذا ترتفع أسعار هذه المادة المدعمة من قبل الدولة، ولماذا تزيد أسعار مشتقات الحليب. في هذا الملف إطلالة على مسببات الندرة، والأطراف التي تفتعلها رغبة في حصد ملايير من أفواه البسطاء الذين لا يعلمون انح ليبهم يهرب إلى تونس وليبيا والمغرب، ويسهر على العملية بارونات جدد ينافسون مهربي المخدرات والعدس والفاصولياء والبنزين، في سرعة تهريب المواد واسعة الاستهلاك. قالت مصادر متابعة لما يحدث هذه الايام من ندرة في الحليب المبستر في ولايات عديدة ان مضاربين ومهربين جدد وجدوا في أسواق ليبيا وتونس المتضررة من اللاستقرار السياسي والأمني "فرصة ذهبية للثراء" بتهريب ما يزيد عن ملياري لتر من الحليب المدعم نحو هاذين البلدين، فضلا عن تهريب هذه المادة، تقليديا، نحو الشريط الحدودي المغربي اللصيق بغرب البلاد. وتفسر المصادر هذا الرقم بتقدير يقول إن 60 بالمئة من انتاج الجزائر للحليب المبستر يهرب، علما ان الانتاج الوطني من الحليب المدعم تجاوز 5 ملايير لتر سنويا. تسبب إرتفاع المادة الأولية لصناعة الحليب في إحداث عجز بإنتاجه وخلل في عملية توزيعه في ولايات عديدة، وعلى رأسها الجزائر العاصمة، ما أدى إلى ندرة أكياس الحليب المبستر، وهو من أكثر المواد الإستهلاكية الضرورية بالنسبة للمواطن البسيط. سجلت الجزائر خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من سنة 2013 عجزا كبيرا بإنتاج الحليب، ما أدى إلى تفاقم أزمة الندرة الحادة بأكياس الحليب، ولم يعد الديوان الوطني لإنتاج الحليب يلبي طلب المستهلكين، رغم التطمينات التي يقدمها من حين لآخر، وبات توزيع صناديق الحليب مقتصرا على بعض الأحياء ليضطر محدودي الدخل إلى الإستغناء عنه أو إستبداله بحليب غير مدعم، مع أن أسعاره لا تتوافق مع قدرتهم الشرائية. وأمهل الوزير الأول سلال الديوان الوطني لإنتاج الحليب عبر مختلف ولايات الوطن مدة ثلاثة أشهر لاستبدال أكياس الحليب بأكياس كرتونية، بعدما اكتشف أن الأكياس تشكل مخاطر صحية على المستهلكين. تراجع واردات الحليب وقرار سلال أدى إرتفاع أسعار المادة الأولية الخاصة بصناعة أكياس الحليب في السوق العالمية واحتكار السماسرة لمسحوق الحليب إلى تسجيل عجز بالإنتاج المحلي للحليب، وبلغ تراجع نسبة واردات الحليب إلى ما يقارب 4 بالمائة. وأكد خبراء في الاقتصاد أن الجزائر احتلت المرتبة الثانية عالميا في إستهلاك الحليب حيث يصل إستهلاك الجزائر من تلك المادة حوالي 5 ملايير لتر سنويا، ، بينما ما تنتجه الجزائر من حليب الأكياس لا يتجاوز 3.5 مليار لتر سنويا، أي عجز سنوي بمليار ونصف المليار لتر سنويا، أما قيمة إستهلاك الفرد الواحد فقدرت ب140 لترا. وهناك عوامل كثيرة أدت إلى تراجع الإنتاج المحلي للحليب، منها إعتماد الدولة على مسحوق الحليب وإستيراده بأسعار خيالية، عوض تقديم وزارة الفلاحة الدعم المتواصل لمربي الأبقار وتشجيعهم على إنتاج الحليب الطازج والوصول إلى الاكتفاء الذاتي منه لاحقا. وأرجح الخبراء أن يكون قرار الوزير الأول المتمثل في تعويض الأكياس بالكرتون سببا في إرتفاع أسعار الحليب المدعم بما لا يتوافق مع القدرة الشرائية لمحدودي الدخل. إرتفاع أسعار مشتقات الحليب ب30 بالمائة أوضح الطاهر بولنوار عن إتحاد التجار ل"السلام" أن نسبة إرتفاع أسعار مشتقات الحليب بلغت 30 بالمائة، مرجعا السبب الرئيس في هذا الإلتهاب المفاجيء إلى إرتفاع سعر بودرة الحليب المستوردة من الأسواق العالمية. وأضاف المتحدث أن ندرة أكياس الحليب أدت إلى مضاربة التجار بأسعار أنواع أخرى من الحليب على غرار "كانديا" و"لويا" وهي بديل وحيد بالنسبة للمستهلكين. وأشار بولنوار أن سماسرة بودرة الحليب باتوا يحتكرون عملية توزيعها بهدف تحقيق الربح، وهو ما تسبب في قلة العرض مقارنة بالطلب. ودعا المتحدث إلى ضرورة رفع الإنتاج المحلي من خلال دعم تربية الأبقار بمساهمة وزارة الفلاحة ودعم وزارة التجارة فرقا خاصة بشريا ولوجيستيكيا لمراقبة الأسعار. تجار يستغلون الموقف شهدت أسعار الحليب غير المدعم ومشتقاته بمختلف أسواق العاصمة إرتفاعا مفاجئ تزامنا مع حلول السنة الجديدة ولم يعد ثمنها يتناسب مع القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود. وبعدما مس إلتهاب الأسعار مختلف المواد الغذائية إنتقلت العدوى إلى حليب الرضع الضروري بالنسبة للأطفال، والذي لا يمكنهم الإستغناء عنه. وأكد تجار التجزئة ل"السلام" أن الأسباب الرئيسية لإرتفاع أسعار مشتقات الحليب هو مضاربة تجار الجملة بأسعاره، كما أشاروا إلى أن أسعار حليب الرضع عرفت إرتفاعا محسوسا وقارب سعر بعض الأنواع منها 500 دينار أما مسحوق الحليب فقفز ثمنه من 270 دينار إلى 350 دينار. وعرفت مشتقات الحليب هي الأخرى إرتفاعا بمختلف المحلات التجارية، حيث وصل سعر بعض الأنواع من الياغورت إلى 25 دينار، بعدما كانت أسعارها في وقت سابق بين 15 و20 دينارا. وإستغل التجار ندرة أكياس الحليب وتعمدوا المضاربة بأسعار الحليب غير المدعم. وتباينت الأسعار حسب المحلات التجارية بين 95 دينار و100 دينار. بارونات جدد في السوق إستغلت الشبكات المتحكمة في سوق الحليب مرور البلدان المجاورة بأزمة إقتصادية وحالات لا استقرار سياسية وأمني، مثلما يحدث في ليبيا وتونس، فعملت على تهريب الحليب، أكياسا ومسحوق حليب ومشتقاته بطرق غير شرعية، ما أدى إلى إطالة عمر ندرة الحليب بمختلف الولايات في الجزائر. وقال الطاهر بولنوار، من إتحاد التجار، للسلام، أن أزمة ندرة الحليب مفتعلة من قبل شبكات مختصة في تهريب الحليب ومشتقاته عبر المناطق الحدودية لبيعها بأسعار خيالية، مشيرا إلى أنه يتم تهريب حوالي 60 بالمائة من الحليب المدعم إلى الدول المجاورة (تونس والمغرب وليبيا) كما يتم تحويل جزء منها لصناعة الياغورت لدى الخواص. وحسب مصادر أمنية موثوقة، هناك شبكات ناشطة عبر المناطق الحدودية على غرار تبسة وعنابة وتلمسان مختصة في تهريب الحليب، حيث تمكنت مصالح الدرك من حجز براميل من الحليب كانت موجهة للتهريب. وذكرت المصادر أن مربي الأبقار في المناطق الجبلية القريبة من المناطق الحدودية يعملون على تهريب كميات معتبرة من حليب الأبقار إلى الدول المجاورة. إضطراب ليس الأول ولا الأخير أكد التجار أن ندرة أكياس الحليب ترجع إلى حدوث خلل بعملية التوزيع في العاصمة، وهذه ليست المرة الأولى، ما أدى إلى عدم تموينهم بالحليب من قبل شركة "لونالي" بداية هذه السنة وحتى اليوم. وإضطر التجار إلى بيع عدد قليل من صناديق حليب البقر على أرصفة الشوارع لسد إحتياجات السكان وأكدوا أنهم يبيعون الكيس ب50 دينارا. وحمل موزعو الحليب المسؤولية إلى المستهلكين، مؤكدين أنهم يقتنون أضعاف حاجتهم، ولا يتركون الفرصة لغيرهم بغياب الثقافة الإستهلاكية لديهم مصانع الحليب الخاصة منافس لمركبات الإنتاج الحكومية بلغت نسبة إنتاج الديوان الوطني للحليب المتواجد ببئر خادم أكثر من 400 ألف لتر في اليوم، وتعتمد بلديات العاصمة على هذا الديوان لسد إحتياجات المواطنين، ومع إرتفاع المادة الأولية لصناعة الحليب تراجع حجم إنتاج الملبنات الحكومية وأصبحت الملبنات الخاصة منافسا قويا لها بعد تراجع إنتاج الديوان الوطني للحليب، ما ساهم في تحقيق أرباح طائلة من خلال تسويقها نسبة كبيرة من منتجاتها بالمحلات التجارية. ومع زيادة إقبال المستهلكين على الحليب غير المدعم بمختلف أنواعه، وبعد تسجيل نقص فادح بأكياس الحليب في مختلف أحياء العاصمة، زاد إقبال المستهلكين على الحليب غير المدعم بمختلف أنواعهمن انتاج الخواص. وخلال زيارة قادت وزير الفلاحة إلى هذا الديوان تفاجأ بالوضع المزري لهذا المركب من عدم توفر شروط النظافة إلى إهتراء الأجهزة المستخدمة في صناعة الحليب. ولجأت المبنات الخاصة بالجزائر كملبنة الصومام في بجاية إلى إستيراد الأبقار لتنمية انتاج الحليب ومشتقاته بهدف تقليل نسبة الإعتماد على مسحوق البودرة ومضاعفة إنتاجها. وأكد السيد حميطوش، المدير العام لملبنة صومام في تصريح ل"السلام" أنه يعمل على تطوير الملبنة بتقنيات وأجهزة حديثة، مع الإعتماد على عمال ذوي خبرة، مشيرا إلى أنه يقوم بدعم مربي الأبقار لمضاعفة إنتاج الحليب الطازج محليا. وأشار المتحدث إلى أن أغلب مشتقات الحليب لصومام يتم تزويدها بحليب البقر الطازج، ما يضمن قيمة غذائية ونوعية جيدة للمستهلكين. وعلى غرار المميزات التي توفرها الملابن الخاصة في منتجاتها، فإن سرعة تلف أكياس الحليب أدى إلى عزوف المواطنين عن إقتنائه وتفضيل كرتونات الحليب الطازجة، طويلة الحفظ. ملبنات تتلاعب بالإنتاج المحلي توجه الدولة مسحوق الحليب إلى الملابن الخاصة لإنتاج الحليب ولكن نسبة كبيرة منها توجه من قبل الخواص في صناعة مشتقات الحليب، على غرار الأجبان والياغورت واللبن الرائب، بهدف تحقيق الربح مع زيادة إقبال المستهلكين على مشتقات الحليب وإعتماد الجزائري على اللبن الرائب في وجباته التقليدية حيث يصل سعر اللبن الرائب أضعاف سعر الحليب، بينما يتم تحضير عدد كبير من علب الياغورت من الكيس الواحد للحليب. وكشفت مصادر أمنية موثوقة أن المفتشية البيطرية حجزت مايقارب 700 طن من مسحوق الحليب غير الصالح للإستهلاك بعد إستيراده من قبل الخواص. كما أثبتت التحقيقات أن المتورط بالعملية كان بصدد بيع كمية كبيرة منها لمنتجي الياغورت. سماسرة الحليب يخادعون المستهلكين أفاد مصطفى زبدي، رئيس فيدرالية المستهلك، خلل إتصاله أن سيناريو ندرة الحليب بمختلف ولايات الوطن يتكرر، رغم أنه من المواد الأكثر إستهلاكا. وأرجع المتحدث سبب ندرة الحليب بالمحلات إلى إحتكار سماسرة توزيع الحليب للمادة الضرورية في كل مناسبة بهدف تحقيق الربح على حساب المستهلك، مشيرا الى أن مختلف الملبنات سجلت عجزا في توفير بودرة الحليب المستوردة، ما أدى إلى قلة العرض مقارنة بحجم الإستهلاك. وقال زبدي إن القائمين على صناعة أكياس الحليب لا يتبعون المواصفات الصحية العالمية في تحضيره، وقال إن فدرالية حماية المستهلك قامت خلال السنوات السابقة بإجراء تحاليل مخبرية حول كيس الحليب، وأثبتت التحاليل أن نسبة الماء تفوق مسحوق الحليب، ما يدل على أنها لا توفر قيمة غذائية كاملة للمستهلك. وأضاف رئيس فدرالية المستهلك أن هناك تغير بلون ورائحة حليب الأكياس، ما يوؤدي الى التشكيك في نوعية وجودة هذا المنتج، ودعا إلى ضرورة تقنين حليب الأكياس وفقا للمواصفات العالمية. ذوي الدخل المحدود محرومين من إستهلاك الحليب عبر المستهلكين عن تذمرهم الشديد من هذا الإرتفاع غير المبرر، مشيرين الى أن إلتهاب أسعار حليب البودرة يحرم المواطن البسيط من إستهلاكه، كما أكدت أمهات التقينهن أنهن لم يعدن قادرات على سد إحتياجات أطفالهن من الحليب، وقلن إن علب حليب الرضع الإصطناعي البديل الوحيد للنساء العاجزات عن الرضاعة الطبيعية. وأشارت المتحدثات الى أن سعر كيس الحليب المدعم ب25 دينار يتناسب مع قدرتهن الشرائية مقارنة بالحليب غير المدعم. خلل في تموين محلات العاصمة بأكياس الحليب شكا المستهلكون بمختلف أحياء العاصمة من الندرة الفادحة لأكياس الحليب وأعربوا عن تذمرهم الشديد من النقص المفاجئ في المادة الضرورية تزامنا مع حلول السنة الجديدة، وهذه الأيام. وخلال جولة قادتنا إلى سوق العافية ببلدية القبة في ولاية الجزائر، وهو حي شعبي كبير، لاحظنا أن سكان المنطقة يجدون صعوبة كبيرة في العثور على أكياس الحليب، خاصة أنه لم يتم توزيع أكياس الحليب لأغلب المحلات التجارية منذ بداية 2014. وأفاد قاطنو المنطقة أنهم إضطروا إلى إقتناء حليب "كانديا" بأسعار تفوق قدرتهم المادية، مؤكدين أن التجار إستغلوا ندرة الحليب وغياب الرقابة ورفعوا التسعيرة إلى 100 دينار.