يبدو أن ما حدث من تلاعبات في مادة الفرينة المدعمة انتقلت عدواه لمسحوق الحليب الذي عوض استغلاله في إنتاج حليب الأكياس ذي الاستهلاك الواسع المسوق بسعر في متناول الجميع، أصبح يوجه لإنتاج الأجبان وغيرها من مشتقات الحليب، مما أدى إلى تسجيل ندرة في مادة الحليب، مثلما حدث مع مادة الفرينة المدعمة والموجهة لصناعة الخبز حتى لا يرتفع سعره كونه مادة أساسية في مائدة الجزائريين، غير أن بعض الخبازين يحولونها عن وجهتها ويستعملونها في صناعة الحلويات. فقد رافق ارتفاع أسعار حليب العلب ومشتقاته ندرة في حليب الأكياس الذي يعد ملاذ العائلات كبيرة العدد وذات الدخل المحدود، في الوقت الذي يتهم فيه الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين منتجي الحليب بتوجيه مسحوق الحليب المدعم إلى غير وجهته، مما أدى إلى نقص حليب الأكياس في الأسواق. ووصف الاتحاد العام للتجار والحرفيين على لسان ناطقه الرسمي، الحاج الطاهر بولنوار، في تصريح ل"المساء”، أمس، ارتفاع أسعار حليب العلب ومشتقاته بنسبة تتراوح ما بين 25 و30 بالمائة بغير المقبولة، مشيرا إلى أن المبررات التي قدمها منتجو الحليب غير مقنعة، حيث أرجعوا هذا الارتفاع إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق الدولية. وفي هذا السياق، تساءل محدثنا عن سبب عدم التزام منتجي الحليب في ببلادنا بأسعار السوق الدولية عندما يتعلق الأمر بانخفاض الأسعار بهذه الأخيرة، ويكتفون برفعها فقط عندما ترتفع في الأسواق العالمية. وعرفت محلات بيع الحليب، أمس، ندرة حقيقية بمعظم ولايات الوطن، أرجعها موزعو ومنتجو الحليب إلى تصرفات المستهلك الذي تخوف من تسجيل ندرة في هذه المادة وضاعف من الكميات التي كان يقتنيها مقارنة بباقي الأيام من جهة، ولجوء بعض المواطنين الذين كانوا يقتنون حليب العلب وحليب ”الغبرة” إلى شراء حليب الأكياس بعدما عرفت أسعار حليب العلب و«الغبرة” ارتفاعا من جهة أخرى. غير أن بعض التجار أكدوا أنهم لم يتم تزويدهم أصلا بهذه المادة، أمس، وبالتالي فالندرة ليس مردها بالأساس إلى تهافت المواطنين. وأضاف الناطق باسم اتحاد التجار في هذا السياق أن منتجي الحليب برروا هذه الندرة بقلة الإنتاج التي أرجعوها إلى اتخاذ وزارة الفلاحة قرارا يقضي بتقليص حصة مسحوق الحليب التي تستعمل في إنتاج الحليب المدعم الذي يسوق ب25 دينارا للكيس، غير أن محدثنا أكد أن الوزارة وفي مناسبات عدة نفت هذا الأمر وأوضحت أنها لم تقلص من هذه الحصة الممنوحة للمنتجين. ولم يستبعد محدثنا تحويل بعض المنتجين لمادة الحليب المدعمة التي من المفروض أن تستعمل في شكل أكياس للحليب للمواطن إلى غير وجهتها واستعمالها في إنتاج باقي مشتقات الحليب من أجبان بمختلف أنواعها وياغورت وألبان تسوق بأسعار مرتفعة دون التصريح بذلك. وهو ما يعد تحايلا وسلوكا غير مقبول -يضيف المتحدث- لأن تدعيم الدولة للحليب هدفه تمكين المواطن البسيط من اقتناء هذه المادة الضرورية والأساسية وليس لتوجيهها لإنتاج الكماليات بالمسحوق المدعم من الدولة وتسويقها بأسعار مرتفعة. وطالب محدثنا الحكومة بتشجيع إنتاج مسحوق الحليب محليا للتقليل من الفاتورة المرتفعة للاستيراد، موضحا أن نوعيتها رديئة في أغلب الأحيان. إذا علمنا أن فاتورة الاستيراد هذه قدرت ب79، 878 مليون دولار في الأشهر العشرة الأولى من سنة 2013. وتعمل الدولة التي تخصص سنويا أكثر من 46 مليار دينار لدعم فرع الحليب على تشجيع الإنتاج المحلي قصد التقليص من الاستيراد. وتم وضع ترتيب لتطوير إنتاج الحليب الوطني بحيث يخصص منحة قدرها 4 دنانير للتر الواحد لإدماج الحليب الطازج في عملية التحويل، في حين تستفيد وحدات إنتاج الحليب التي تستعمل جميع قدراتها لإنتاج حليب الأكياس انطلاقا من الحليب الطازج من منحة قيمتها 7 دنانير للتر الواحد. كما يتضمن هذا الترتيب عدة إجراءات تحفيزية هامة لصالح المربين وجامعي الحليب والمحولين وحتى منتجي بعض أغذية الأنعام مثل الذرة والأعلاف الخضراء. ومن جهته، أرجع السيد فتحي مسار، المدير العام للديوان الوطني للحليب، ارتفاع أسعار حليب العلب ومشتقاته إلى أزمة مسحوق الحليب في السوق العالمية، وإلى الجفاف الذي مس أستراليا ونيوزيلاندا اللتين تعدان أكبر منتجي الحليب عالميا، وزيادة معدل الاستهلاك بنسبة 10 بالمائة في الدول المنتجة، بالإضافة إلى الشتاء القارس الذي عرفته أوروبا في 2013 والذي قلص من الإنتاج، مشيرا إلى إمكانية استقرار هذه الأسعار في الأشهر القادمة بفضل مباشرة عدة استثمارات ستعطي ثمارها بعد فصل الربيع. من جهتها، نددت جمعية حماية المستهلك بما وصفته بالارتفاع المفاجئ والجنوني لأسعار مشتقات الحليب، حيث قال السيد مصطفى زبدي، رئيس الجمعية، في اتصال ب"المساء” أن المتعاملين اتفقوا على رفع هذه الأسعار التي تزامنت مع ارتفاع بعض المنتوجات الأساسية الأخرى مثل العجائن والطماطم المصبرة، مؤكدا أن الارتفاع بهذه النسب غير المقبولة التي وصلت إلى 30 بالمائة يحرم المواطن من حقه في الاستهلاك خاصة ذوي الدخل الضعيف، معبرا عن أسفه لتزامن هذا الارتفاع مع ندرة حليب الأكياس وهو ما يجعل المواطن البسيط محروما من استهلاك هذه المادة ومن سد حاجياته بعد أن تراوح سعر حليب العلب بين 90 و100 دينار. وطالب السيد زبدي المتعاملين في سوق الحليب ومشتقاته بإعادة النظر في هذه الأسعار، مشيرا إلى أنه حتى ولو كانت هناك زيادة مبررة يجب أن تكون معقولة لا تضر بالمواطن. وللإشارة، فإن المواطن الجزائري يستهلك في المتوسط 100 لتر من الحليب سنويا ويعد أكبر مستهلك لهذه المادة مقارنة بدول الجوار، علما أن 70 بالمائة من هذه المادة يتم استيرادها.