الاحتمال الأرجح الذي تضعه وزارة الفلاحة كسبب لندرة أكياس الحليب في السوق، ولاسيما في العاصمة، هو عدم قدرة الخواص على شراء مسحوق الحليب من السوق الدولي نتيجة ارتفاع سعره، ما جعل كميات معتبرة من حليب الأكياس تحول لوحداتهم لإنتاج الجبن والياغورت. يحدث ذلك في غمرة تزايد طلب المواطنين على الحليب، وموازاة مع ذلك، لا تزال هناك شكوك بشأن تخفيض بعض مجمعات الحليب لإنتاجها، تبعا لمعلومات تفيد أن مركب (كوليتال) ببودواو خفض إنتاجه من 500 ألف إلى 400 ألف كيس. إلا أن خبراء يرجعون أسباب الندرة أيضا لسياسة دعم الدولة لهذه المادة واحتكارها لشعبة الحليب بدل تحرير السوق. يؤدي نقص أو فقدان الحليب بالأسواق في الجزائر إلى حساسية لدى الجزائريين لأنها مادة أضحت أكثر من ضرورية مع تقلبات الحياة اليومية المطبوعة بعدم استقرار أسعار منظومة المواد ذات الاستهلاك الواسع الآخذة دوما في الارتفاع في بلد ينامون فيه على شيء ويستيقظون على شيء آخر. حساسية المواطنين ترجمتها أسئلتهم ببلديات الكاليتوس، براقي، الحراش، حسين داي، القبة، باب الوادي وحتى بقلب العاصمة عن أسباب ندرة الحليب ولكنها إلى غاية الساعة لم تجد أجوبة لها، في وقت يشير فيه بعض تجار التجزئة بالكاليتوس والحراش وساحة أول ماي إلى أنه منذ أسبوع لم يتحصلوا على الكميات المعتادة من حليب الأكياس، إذ أن الذي اعتاد على الحصول على مائة كيس لم يعد يتحصل إلا على 40 كيسا، وهذه الكمية غير مضمونة بشكل يومي، فيما فضل البعض التخلي تماما عن بيع هذا النوع من الحليب حتى لا يسبب حرجا للناس. والحاصل أن حكاية الجزائريين مع ندرة الحليب ليست وليدة مطلع السنة الجديدة، فقد عاش مواطنو عدة ولايات هاجس ندرة حليب الأكياس مع اقتراب شهر رمضان لسنة 2013 وفي سنوات 2007، 2009، 2011، 2012، وهي ندرة أرجعها القائمون على تسيير شعبة الحليب في البلاد في كل مرة إلى ارتفاع سعر مسحوق الحليب (المادة المضافة لإنتاج حليب الأكياس) في السوق العالمي، ولو أن اقتصاديين كانوا يتحفظون على ذات التفسير ويقولون إنه غير كاف لتبرير ندرة الحليب، طالما أن الدولة ما تزال تدعم مادة الحليب، أي تشتري مسحوق الحليب من السوق الدولية بأسعار مرتفعة ليستعمل في إنتاج حليب يباع بأبخس ثمن للمواطنين، ولو أنهم يركزون على سبب ضعف الإنتاج الوطني من هذه المادة. فما هي أسباب ندرة حليب الأكياس هذه الأيام؟ بعض الإحصائيات التي قدمتها لنا مصادر بوزارة الفلاحة تشير إلى أن عدد مربي الأبقار في الجزائر يزيد عن 13 ألف مرب، وهم منخرطون في برنامج تكثيف إنتاج الحليب، إلى جانب 150 ملبنة عبر التراب الوطني، بينها قرابة المائة خاصة والباقي عمومية. يتضمن البرنامج تحفيزات لفائدة هؤلاء المربين، بينها منحة تقدر ب12 دينارا للتر و05 دنانير لجامع الحليب و04 دنانير للتكامل الصناعي. وقد تم إدماج الحليب الطازج في عملية التحويل على مستوى وحدات الإنتاج سنة 2009، وقادت العملية هذه إلى توفير حوالي 40 ألف طن من مسحوق الحليب الذي ارتفعت أسعاره في الأسواق العالمية. يجمعونه ب30 دينارا للتر ويبيعونه ب50 دينارا لكن هل هناك مضاربة في مادة الحليب خاصة عندما نعلم أن كثيرا من المواد وحتى أضحية العيد تخضع لهذه القاعدة. محمد، مربي أبقار ببئر خادم، متعاقد مع مؤسسة (ترافل)، يقول إنه يبيع الحليب إلى هذه المؤسسة مند 13 عاما بسعر يقدر ب43 دينارا للتر، ويرى أن الحليب الذي يتم إنتاجه على مستوى وحدات الإنتاج غير كاف لسد حاجيات المستهلكين، لأن هناك مشتقات كالزبدة والجبن والياغورت يتم استخراجها منه، ولكن من غير أن يتردد في الاعتراف بوجود مضاربة في الحليب ويقول ”إني أقف يوميا على مشاهد لأشخاص لهم شاحنات لجمع الحليب عن المربين مقابل 30 دينارا للتر، ثم يعيدون بيعه ب50 إلى 60 دينارا للتر”. وبرغم أن الدولة تبدي اهتماما لتنمية شعبة الحليب الطازج، إلا أن الأشياء تسير ببطء في الواقع، لأن من بين الأولويات المطروحة في الوقت الحالي تنمية مراكز جمع الحليب التي ما يزال عددها ضعيفا للغاية باعتراف وزارة الفلاحة ذاتها، بل ويتطلب الأمر أيضا حث الملبنات الخاصة على الاهتمام بالحليب الطازج. الجزائري يستهلك بين 80 إلى 150 لتر سنويا تفيد بعض المعلومات المقدمة من قبل بعض الخبراء مثل محند أمقران نواد، خبير في الصناعات الغدائية في سياق تصريحات كان أدلى بها بشأن ندرة الحليب، أنه يحوز على إحصائيات تفيد أن معدل استهلاك الجزائري للحليب في السنة قد ارتفع من 100 لتر سنة 2005 إلى 150 لتر سنة 2012، فيما تقول وزارة الفلاحة إنها قفزت إلى 200 لتر من غير أن تقدم أي مؤشر عن هذا الارتفاع. ويشير إلى أن الإنتاج الوطني من الحليب لسنة 2012 قدر ب3,1 مليار لتر، أي بمعدل 88 لترا للفرد في السنة، بينها مليار لتر منتج في وحدات الإنتاج و815 مليون لتر تم جمعه. فماهو سبب ندرة أكياس الحليب إذا كانت الكمية المعتاد إنتاجها كافية لتغطية حاجيات المستهلك؟ يجيب رئيس المجلس المهني لفرع الحليب محمود بن شاقور ”توجد حوالي 150 ملبنة عبر التراب الوطني متعاقدة مع الديوان الوطني للحليب، والملبنات تأخذ حصتها من المسحوق شهريا، إضافة إلى وجود خواص يقومون بجمع الحليب وهم الذين يتولون عملية نقله على أن يأخذوا 05 دنانير عن اللتر الواحد، فضلا عن وجود خواص آخرين يبيعون الحليب في محلات التجزئة، ومع ذلك،لا هذا ولا ذاك قادر على التأثير على السوق”. ويضيف المتحدث ”قلنا في البداية ربما أن سبب نقص الحليب الذي يشكو منه المواطن يعود إلى عطل بإحدى وحدات الإنتاج، ولكن العطل جرت العادة أن ينتهي في يومين أو ثلاثة أيام، إلا أن أزمة الحليب تواصلت لقرابة 10 أيام، ما يعني أنه لا يوجد أي عطب أو عطل في وحدة الإنتاج.. فهل ارتفاع سعر مسحوق الحليب المستعمل في إنتاج حليب الأكياس هو السبب في هذه الندرة؟”. حليب الأكياس حُوّل لإنتاج الجبن والياغورت يقول محمود بن شاقور، رئيس المجلس المهني لفرع الحليب: ”سعر الطن الواحد من مسحوق الحليب ارتفع إلى 5300 دولار، ومع ذلك فالديوان الوطني للحليب يستورد هذه المادة بقيمة تقارب مليار دولار سنويا، ويقوم ببيع الحليب بثمن أقل بكثير من سعر المادة المذكورة، لأن الحليب مدعم من طرف الدولة”. ويواصل المتحدث: ”ما حدث هو أن هناك خواص اعتادوا على استيراد مسحوق الحليب قصد إنتاج بعض المشتقات، ولكن بعدما ارتفعت أسعار هذا المسحوق في السوق الدولية عجزوا عن شرائه، فأصبح حليب البقر الذي يحول إلى الملبنات ليباع في أكياس، يحول إلى منتجي الياغورت والأجبان والزبدة، وهذا ما أدى إلى ندرة أكياس الحليب، وهو السبب الذي فتحت بشأنه وزارتا التجارة والفلاحة تحقيقا”، خاصة وأن الخبير في شؤون الصناعات الغذائية محند أمقران نواد يشير إلى أن كيسا واحدا من الحليب ينتج 8 علب من الياغورت. الحليب مطلوب أكثر من أي وقت مضى واللافت أن ندرة الحليب تزامنت مع ارتفاع أسعار كل المواد الغنية بالبروتينات مثل اللحوم الحمراء والبيضاء والسمك، مثلها مثل الحليب الذي هو مصدر البروتين أيضا، ما جعل الناس يميلون إلى استهلاك الحليب بكثرة لتعويض البروتين، بدليل أن نقص الحليب بعدد من الأحياء ترك صورا كاريكاتورية لجزائريين ينتظمون في طابورات لحيازة 5 أكياس من الحليب فما فوق، خشية أن يطول عمر الأزمة، وعلى هذا الأساس يتوقع بن شاقور أن تطول مدة عودة السوق إلى مجراه الطبيعي بسبب الإقبال الكبير للناس على الحليب. الوزارة تباغت 18 ملبنة عند السادسة صباحا ولأن وزارة الفلاحة ترى أن مادة مسحوق الحليب المدعمة من قبل الدولة ممنوعة من استخدامها في إنتاج الياغورت والأجبان والزبدة، فإن وزير الفلاحة تسكنه شكوك بشأن تحويل كميات من أكياس الحليب والمسحوق المستخدم فيها لخواص. إذ أسرت مصادر مسؤولة بالوزارة المذكورة ل”الخبر” أن وزارة الفلاحة باشرت تحقيقها في القضية بناء على تعليمات قدمها الوزير لإطارات مفتشية القطاع التي قررت مباغتة 18 ملبنة عبر التراب الوطني في حدود الساعة السادسة صباحا من يوم الأثنين الماضي في سرية تامة وفي وقت واحد، حتى لا يكون هناك اتصال بين الملبنات، كل ذلك للتحقق مما إذا كان مسحوق الحليب استخدم في الإنتاج أم تم تحويله، وقد قسمت إطارات المفتشية إلى 03 أفواج عند قيامهم بالعمل، فضل فوجان منهم تركيز عمله على المخازن، فيما اختار الفوج الأخر التركيز على المحاسبة، خاصة وأن الوزارة تقول إن الإنتاج كاف ولا توجد أي أزمة في مادة الحليب. ويقول المصدر ذاته إن الوزارة عازمة على تسليط أقصى العقوبات على مسيري الملبنات في حال تأكد تحويل مسحوق الحليب لإنتاج بعض المشتقات. لكن هل الكميات التي يقدمها الديوان الوطني من مسحوق الحليب الموجهة للمحولين العموميين والخواص كانت كافية؟ يجيب أحد العمال، رفض الكشف عن اسمه، أنه لم يكن هناك أي تخفيض ولو بنسبة ضئيلة جدا في كمية المسحوق الموجه للمحولين، كما تم الالتزام بإنتاج الكميات نفسها المعتاد إنتاجها من أكياس الحليب. الندرة قد تطول مع (كوليتال) والحاصل أن العاصمة التي هي أكثر المناطق تضررا من ندرة أكياس الحليب يتم تموينها بشكل خاص من وحدتين متواجدتين ببئر الخادم إلى جانب مركب (كوليتال) المتواجد ببودواو والذي هو فرع لمجمع (جيبلي)، يعد بين الممونين الرئيسيين للعاصمة أيضا وبعض مناطق الوسط بحليب الأكياس المدعم من قبل الدولة. لكن المعلومات التي قدمت لنا من قبل أحد العمال، رفض الكشف عن اسمه، تفيد أن الإنتاج المقدر ب500 ألف كيس في اليوم خفض إلى أقل من 400 ألف كيس، في غمرة المطالب التي رفعها عمال المركب والقاضية بتحيين الاتفاقية الجماعية لعمال الملبنة وتسوية وضعية العمال المصنفين في السلم 09. وهي المعلومات التي كان أكدها بيان لنقابة المجمع التي اتهم أمينها العام مسؤولي الوحدة بسوء التسيير والتبذير. فيما يشير نقابيون آخرون بالمركزية النقابية إلى أن الأجواء الآخذة في التشكل بوحدة (كوليتال) تنذر بشل فروع المجمع وتوقفها عن الإنتاج، خاصة وأن النقابة قدمت إشعارا بالإضراب محدد تاريخه بيوم الأربعاء المقبل، في ظل ما وصفته النقابة بعدم فتح مسيري المجمع لأبواب الحوار. فهل تخفيض كمية الإنتاج بأزيد من 100 ألف كيس هي المتسببة في مواصلة المواطنين وخاصة بوسط البلاد رحلة البحث عن هذه المادة. بعد أن حمّله مسؤولية تراجع الإنتاج مدير مركب الحليب يحيل أمين عام النقابة على التقاعد ❊ أحال مدير المجمع العمومي لمركب الحليب بئر خادم الأمين العام لنقابة المؤسسة ع.خليفي على التقاعد، بعد اتهامه للمدير بالوقوف وراء انخفاض الإنتاج الذي كان سببا مباشرا في أزمة حليب الأكياس التي تشهدها العاصمة منذ 10 أيام. واجه مدير عام مركب الحليب ببئر خادم بالعاصمة قرار نقابة المؤسسة بشن إضراب عن العمل وشل نشاط المؤسسة بداية الأسبوع القادم للمطالبة برحيل المدير، بإحالة الأمين العام للنقابة على التقاعد بعد أن بلغ الستين من العمر، وذلك في محاولة من الإدارة لاحتواء الوضع المضطرب بسبب تذبذب إنتاج الحليب ووقف ضغط النقابة على المدير الذي يصر، حسب ممثل عن الشريك الاجتماعي، على تجاهله مطالب العمال وعدم التزامه بالقرار المتعلق بالزيادة في الأجور، ما انعكس على وتيرة الإنتاج وانخفاضه ب150 ألف ليتر في اليوم. وفي سياق متصل بندرة أكياس الحليب ستكشف وزارة التجارة اليوم عن نتائج التحقيق الذي شرعت فيه الأسبوع الماضي بغرض تحديد الأسباب ”الحقيقية” وراء هذا الاضطراب في توزيع حليب الأكياس. الجزائر: كريم كالي العلبة وصلت إلى 450 دج ارتفاع جنوني في أسعار الحليب بالجنوب ❊ طالب منتخبون من ولايتي أدرار وتمنراست بإشراف الدولة على توزيع الحليب في المناطق النائية بالولايتين، بعد ارتفاع أسعار هذه المادة في السوق المحلية بسبب الأزمة وعمليات التهريب واسعة النطاق نحو شمال مالي، وفاق سعر علبة الحليب في بعض مناطق الجنوب مجددا 450 دينار، وأعاد بعض تجار الجملة سبب ارتفاع مسحوق الحليب إلى الأزمة التي تعيشها أغلب ولايات الوطن في هذه المادة. وبات الحليب بالنسبة للآلاف من الأسر في الجنوب مادة كمالية وتراوح سعر العلبة الواحدة في المناطق النائية بالجنوب بين 300 و450 دينار، ولا تتوفر مطلقا في أغلب مناطق الجنوب وحدات لإنتاج الحليب، ما وضع أكثر من مليوني جزائري تحت رحمة أسعار مسحوق الحليب، ويعاني سكان مناطق عجلة وعين أمناس وبرج عمر إدريس بالولاية ذاتها من ارتفاع قياسي في أسعار مختلف المواد الغذائية، وبلغ سعر علبة الحليب هنا 360 دج منذ 3 أيام. أدرار: محمد بن علي / غرداية: محمد بن احمد