عندما رأيت فيلم “السفارة في العمارة” وبالرغم من خفة دم الفيلم و(عادل أمام) إلا أنني قلت لنفسي ليس ممكن أن تكون بلد وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل، وخاصة أن عادل إمام كان واصل للسلطة ولم يكن يمثل في أي فيلم بدون حصوله على ضوء أخضر، وكان حسنى مبارك يقابل القادة الإسرائيليين بصفة مستمرة في شرم الشيخ وعمر سليمان يذهب إلى إسرائيل وغزة لمحاولة الإفراج عن شاليط،، وفى نفس الوقت كان الإعلام المصري الرسمي والغير رسمي يعامل إسرائيل على أنها العدو الواجب محاربته، ورأينا علي سبيل المثال لا الحصر طرد الكاتب (صديقي العزيز) على سالم من إتحاد الكتاب بتهمة تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، لأن علي سالم (وبراءة الأطفال في عينيه) صدق أن هناك معاهدة سلام وذهب إلى إسرائيل لإلقاء بعض المحاضرات وعندما عاد نشر كتابا عن زيارته لإسرائيل ففوجئ أن “إتحاد كتاب مصر” يسحب عضويته عقابا له وردعا لأمثاله، عندما رأيت هذا قلت لنفسي هذه بلد غير جادة في السلام، فقط ترغب في عدم الحرب مع إسرائيل، (وهناك فرق كبير بين عدم الحرب والسلام)، ووجدت أن نظام الحكم يدعو للسلام ولكن في نفس الوقت يشيع ثقافة الحرب والكراهية، وأعتقد أنه بهذا يرضى القومجية والعروبجية والإسلاموية واليسار، فكان نصيبه أن ثار عليه كل هؤلاء. و أذكر أنه عندما رفع البطل “الحقيقي” الجندي المصري (محمد العباسي) أول علم على خط بارليف بعد عبور قناة السويس الرائع فى 6 أكتوبر 1973، تم عمل أغنية باسمه تقول وقتها: محمد أفندي رفعنا العلم .. وطولت راسنا ما بين الأمم... ... والتشبيه مع الفارق، فعندما سرق أحمد الشحات علم إسرائيل من فوق سفارتها بالقاهرة وتصرف مثله مثل أي حرامي غسيل من فوق السطوح، تم عمله بطل قومي وأصبح ضيفا على كل البرامج التليفزيونية والصحف الصفراء والخضراء والبنفسجي، ولم تكتف مصر بهذا فقط، ولكن تم تكريمه رسميا بواسطة الحكومة بأن قابله رئيس وزراء مصر بنفسه (والمفترض فيه أنه يحافظ على ممتلكات السفارات الأجنبية في مصر) ثم أعطاه محافظ الشرقية شقة منحة تكريما له على سرقة غسيل السفارة (أقصد علم السفارة) وتشجيعا لأمثاله من حرامية غسيل السطوح. وكما غنينا لمحمد أفندي العباسي، يجب أن نغنى لأحمد أفندي الشحات (وكلاهما بالمناسبة من محافظة الشرقية)! أحمد أفندي حرامي العلم؟؟ وقصرت راسنا ما بين الأمم!! وتأثرا ببطولة (حرامي العلم) ذهب آلاف من الغوغاء أو الثوار أو البلطجية (لا تهم التسمية، لأنه يبدو أن الجميع قد تساوى في ظل الفوضى) سعيا وراء شقة مجانية إلى السفارة الإسرائيلية ولم يكتفوا بإنزال العلم من أعلى السفارة ولكنهم إقتحموا مخازن السفارة وأحرقوها وألقوا بعض المستندات في الشارع، وبعد “موقعة” السفارة والتي نجح “الثوار” ليس فقط في سرقة علم السفارة ولكنهم نجحوا في إجبار السفير الإسرائيلي وعائلته وباقي موظفي السفارة على الهرب من مصر على طائرة عسكرية إسرائيلية الأمر الذي كان حديث العالم، لدرجة أن الرئيس الأمريكي طلب من مصر أن تكون دولة محترمة وتحمى السفارات على أراضيها، وبناء على كل هذا فأعتقد أن من حق المهاجمين ليس فقط أن يحصلوا على شقة مجانية في الشرقية، ولكن من حقهم أن يحصلوا أيضا على شاليه فى مارينا وآخر فى شرم الشيخ. ومؤخرا صرح رئيس وزراء مصر عصام شرف بأن إتفاقية كامب دافيد :«ليست كتابا منزلا”، وفى الحقيقة أن كل الإتفاقيات ليست كتبا منزلة، ولكنها بمجرد التوقيع عليها يجب إحترامها، كما أنه يمكن إلغائها أو تعديلها فقط بموافقة طرفي الإتفاقية. ولست أدرى لماذا قام عصام شرف بالإدلاء بمثل هذا التصريح لأحد أجهزة الإعلام التركية، فهل هذا التصريح الغرض منه دغدغة مشاعر الأتراك وبعض المصريين؟ أم أنه ينوى إلغاء الإتفاقية من طرف واحد؟ يجب أن يوضح لنا سبب هذا التصريح في هذا التوقيت بالذات؟ والحقيقة أن مثل تلك التصريحات الحكومية والأعمال الغوغائية تلهى مصر والمصريين حكومة وشعبا عن مشاكلهم الحقيقية والتي يجب أن نواجهها سواء بثورة أم بدون ثورة بدستور أم بدون دستور بمجلس عسكري أم بدون مجلس عسكري، ب “شرف” أم بدون “شرف”: أولا: تحولت الثورة الرائعة والتي بدأت سلمية يوم 25 جانفي إلى فوضى وقد تتحول إلى ثورة جياع إذا لم ننتبه، الهم الأول لدى المصريين اليوم هو الخروج من مستنقع الفوضى والغياب شبه الكامل للحكومة وخطورة سقوط الدولة المصرية، فالحكومة التي لا تستطيع حماية أصغر سفارة في مصر، فكيف تستطيع أن تحمى مصر كلها، وسقوط سلطة الدولة وهيبتها أمام شعب تعود على إحترام السلطة المركزية لآلاف السنين بل والخوف منها، فجأة وجد نفسه بدون سلطة، وبعد أن كان المصري يرتعد خوفا من الشرطة أصبح شعارها اليوم هو: “الشرطة في عرض الشعب”، قد يقول قائل :«دي شعوب تخاف ولا تختشيش”، وقد يكون هذا حقيقي لبعض أفراد الشعب من المجرمين والبلطجية الذين حاولوا إحراق مبنى الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية، وإذا كان الطبيب أحيانا يتخلص من الجنين حفاظا على حياة الأم، ولما كانت “مصر أمي” فلا بأس من التخلص من بعض البلطجية والخارجين عن القانون (جنين الفوضى) للمحافظة على حياة “الأم” مصر، وإلا فنحن فى إتجاهنا إلى ثورة المجاعة وأن نصبح صومال أخرى بسرعة الضوء في الفوضى والجوع. ثانيا: مياه النيل: بدون نيل لا توجد مصر، لذلك فإن أي تهديد لحصة مصر من مياه النيل هو تهديد لبقاء مصر حقيقة وليس مجازا، ولقد تفاءلت خيرا بالزيارات المتبادلة بين عصام شرف ورئيس وزراء إثيوبيا، فهي أهم دولة في العالم بالنسبة لمصر، فتعداد أثيوبيا يقارب تعداد مصر والزيادة السكانية فى إثيوبيا تزيد عن مثيلتها في مصر، ومن المنتظر أن يصبح عدد سكان أثيوبيا بعد عشر سنوات ما يقارب المائة مليون، و%80 من مياه النيل تأتينا من أثيوبيا، لذلك يجب أن نتفرغ لحل المشكلة ونتفق مع إثيوبيا على مشروعات مائية للإستفادة من مياه الأمطار المهدرة والتي لا تصل إلى مجرى نهر النيل، وتصل تلك المياه المهدرة إلى ما يقارب من %90 من مياه نهر النيل (تخيلوا) وبدون ذلك فلن نوفر لمصر مياه تتوافق مع الزيادة السكانية ولا حتى بدون الزيادة السكانية. ثالثا: القنبلة السكانية: هي واحدة من أخطر ما يهدد مصر، وجاءت مصر الثانية بعد باكستان فى خطورة الإنفجار السكاني وتليها السعودية، وإذا كان العالم كله معجب بالتجربة الصينية فيجب أن نعلم أن أحد عوامل نجاح الصين هو تطبيقها لمبدأ مولود واحد لكل أسرة، وهو السبيل الوحيد لإنقاذ مصر من أخطر أسلحة الدمار الشامل وهى القنبلة السكانية. رابعا: البطالة: البطالة مرتبطة بالبند أولا وثالثا، ففي ظل وجود الفوضى الحالية ستنتشر البطالة لأنه لا يوجد عاقل سواء كان مصريا أم عربيا أم أجنبيا يستثمر أي دولار في ظل الفوضى الحالية، وبدون إستثمار لن توجد وظائف بل على العكس ما زالت البلد تخسر المزيد من الوظائف بصفة يومية، وسوف تسوء الحالة أكثر وأكثر مع إنتشار الفوضى وسيسحب الناس (مصريون وأجانب) أموالهم من مصر إلى بلد أكثر أمنا. خامسا: السياحة: السياحة هي أكبر أمل لمصر في حل المشكلة رابعا وذلك نظرا لإرتفاع عائد الإستمثار في السياحة، الأمر الذى يشجع المسثمرين لبناء مشاريع سياحية عملاقة مما يسارع في توظيف الشباب، ومصر لديها كل المقومات لكي تصبح من أهم الدولة السياحية في العالم، ولكن عندما يتدخل الإسلام السياسي ويحاول تحديد طول فستان السياح وماذا سوف يشربون أو يلبسون، ويطالب البعض بإدخال مواصفات المايوه الشرعي في الدستور الجديد!! وإذا تم هذا فقل على السياحة السلام، والسائح يريد أن يكون على راحته عندما يذهب إلى أي بلد، وإذا بدأنا نقول للسائح ماذا يلبس وماذا يأكل وماذا يشرب، فسوف يقول لك السائح يفتح الله وبناقص تلك البلد ويذهب إلى بلد أخرى أكثر ترحيبا وأكثر حرية.. ... هذه هي المشاكل الرئيسية ويجب ألا ننساها أو نتناساها، لأنها لن تنسانا وستظل كابسة فوق نافوخنا حتى ولو أجرينا ألف مليونية، بل على العكس كلما زادت المليونيات كلما زاد تفاقم الأوضاع