تحصي دائرة مغنية أزيد من 730 حالة انتحار مختلفة الأنواع، خلال الخمس سنوات الأخيرة، أي منذ سنة 2006 إلى غاية 2011، جاءت هذه الإحصائيات أو الأرقام خلال اليوم الإعلامي والإرشادي الذي نظمته إقامة الملحقة الجامعية بمغنية، والذي نشطه أطباء عامون أخصائيون من المؤسسة الاستشفائية العمومية شعبان حمدون حول انتشار ظاهرة الانتحار في أوساط المجتمع، إذ تم سنة 2006 تسجيل 128 حالة، وسنة 2007 إحصاء 185 حالة، وسنة 2008 ب 189 حالة، لترتفع الحالات المسجلة سنة 2009 إلى 235 حالة انتحار معظمهم شباب. وقد عرفت مدينة مغنية في الآونة الأخيرة ارتفاعا محسوسا في عدد محاولات الانتحار مقارنة بالسنوات الماضية، فالظروف الاجتماعية العسيرة التي يمرّ بها الآلاف من أبناء المنطقة الذين سئموا من مرارة واقعهم المعيشي المزري الناتج أساسا عن انعدام فرص التشغيل، فضلا عن تسريح الكثير من العمال من عملهم، كلها عوامل دفعت ببعض المواطنين وبالأخص الشباب منهم إلى محاولة التخلص من حياتهم للهرب من هذا الواقع المتردي الذي نغص حياتهم وأفقدهم نكهة المعيشة، فالتفشي الرهيب لمشكل البطالة الذي بات يهدد الكثيرين خلال الأربع سنوات الأخيرة نجم عنه انخفاض في مستواهم المعيشي نتيجة للفقر المدقع، والأرقام المسجلة في هذا الشأن لخير دليل على ذلك، فلقد تجاوز عدد العائلات الفقيرة بدائرة مغنية 5000 عائلة بكثير من بينها أزيد من 1000 عائلة تعيش تحت خط الفقر، علما أن هذا المشكل من بين أهم الأسباب التي دفعت المتضررين منه للتخلص من حياتهم بشتى الأساليب. ورغم الاستفحال الكبير لهاته الظاهرة الدخيلة، إلا أنها تبقى من بين الطابوهات التي يرفض المجتمع المغناوي الغوص فيها لاعتبارات عدة، لاسيما إذا كان الشخص المنتحر من جنس أنثى، حيث ترفض معظم العائلات التي فقدت ابنا أو أخا لها مدّنا بأية معلومات تتعلق بظروف إقدام الضحية على الانتحار. فمصلحة الحماية المدنية بمغنية، وفي هذا السياق تولي اهتماما بالغا لهذه الظاهرة وتحاول وفق إمكاناتها والظروف المحيطة بمسرح محاولة الانتحار، الإسراع في إنقاذ الضحية وإبطال المحاولة وإفشالها، وفعلا تمكنت صيف 2007 في إفشال حالتين، كل واحد منهما اهتدى إلى أسلوب معين لتحقيق غايته التي لم تحل المشكل مثلما كانوا يعتقدون، حيث حاول شاب يبلغ من العمر 35 سنة من بلدية بني بوسعيد وضع حد لحياته عن طريق القفز من الجسر المؤدي إلى الملحقة الجامعية بمغنية تزامنا مع السوق الأسبوعي الذي يقام كل يومي الثلاثاء والجمعة، ولحسن الحظ تدخل بعض المارّة مع مصالح الحماية المدنية ونجحوا في منعه من ذلك، وتلى ذلك تدخل آخر، حيث أنقذ أعوان الحماية المدنية رجلا في عقده الخامس بعد ما تناول مادة سامة قاتلة بهدف وضع حد لحياته، إذ بذل المتدخلون جهودا معتبرة في إنقاذه بعد أن نقل إلى مستشفى مغنية، ثم بعد ذلك مستشفى تلمسان، وحسب ما صرحت به بعض المصادر المطلعة ل»السلام اليوم» أن معدّل أعمار الأشخاص المقبلين على الانتحار تتراوح ما بين 23 سنة و50 سنة، وفي بعض الأحيان تصل إلى 60 سنة، معظمهم من الرجال، يحاولون وضع حد لحياتهم عن طريق الشنق وتناول الأدوية بجرعات كبيرة ودفعة واحدة وتجرع السوائل الكيميائية (سموم القوارض والحشرات، روح الملح)، أما الإحصائيات المقدمة عن هذه الظاهرة تبقى غير دقيقة وغير موحدة بدليل اختلاف الأرقام التي تحصلنا عليها، ومردّ ذلك إلى دائرة اختصاص كل واحد منهم، هذه الظاهرة التي أصبحت حقيقة اجتماعية تدق ناقوس الخطر.