تختلف العلاقات الموجودة بين الأفراد من مجتمع لآخر، وهذا حسب قيمتها الاجتماعية، إلا أنها تأخذ أشكالا متنوعة عندما تكون بين شخصين من جنسين مختلفين، فتصبح إما علاقة أخوة أو أبوة أو صداقة وزمالة، كما أنها قد تأخذ منعرجا آخر يسبب الإزعاج للطرف الثاني. وبالرغم من أن هذه العلاقة لها حدود يجب أن يقف عندها كل طرف، إلا أن البعض لا يرغب في تحديدها، لأن منهم من لا يضع نصب عينيه الكثير من الاعتبارات كالعادات والتقاليد بالرغم من أنهم يشتركون فيها، وأيضا لبعض الحقوق والواجبات، وهذا حسب العديد من الذين التقت بهم «السلام اليوم» وأجمع أغلبهم أنه على كلا الطرفين إحسان معاملة بعضهم البعض وهذا لما يتماشى مع ثقافة الطرف الآخر من أجل استمرارية التواصل بينهم. «نعيمة» 26 سنة، موظفة بمؤسسة عمومية، حين سألناها عن مدى علاقتها مع زملائها في العمل، وكيفية تعاملهم معها، سكتت لبرهة، ثم قالت: «علاقتي بهم لا تختلف عن باقي العلاقات التي تقيمها أي عاملة مع زملائها في العمل، لكن هناك من لا يحترم هذه العلاقة فتجده يتمادى في تصرفاته»، وتضيف: «بعض زملائي عندما ألقي التحية عليهم يسلمون علي، ورغم أنني دائما أصدهم في هذا الأمر، إلا أنهم لا يعترفون بأخطائهم ولا يتوقفون عن هذا التصرف الذي لا يتماشى مع معتقداتي الدينية ولا مكتسباتي التي أخذتها من العادات والتقاليد التي تعلمتها من أهلي، وفي هذه النقطة أجد دائما صعوبة في التعامل معهم»، لهذا تؤكد أنها ترى أن علاقة المرأة العاملة بزملائها الرجال يجب أن لا تتعدى حدود العمل لتضمن اسمرارها مستقبلا فيما بينهم. في حين أشارت «وسيلة» 30 سنة، معلمة بالابتدائي إلى نقطة أخرى جوهرية بخصوص العلاقة التي تبنى بين الزملاء في العمل، وهي احترام الطرفين لبعضهما البعض، إذ تقول: «ما نفع تواصل العلاقة بين المرأة العاملة وزملائها الرجال في العمل عند زوال الاحترام والتعاون المشترك بين بعضهم البعض، لأن بعض الرجال يتعدون حدود الصداقة أحيانا ويتجاوزون الخطوط الحمراء بتصرفاتهم فيسببون الأذى لغيرهم». كما أكدت أن التصرفات غير اللائقة من زملائها سببت لها الكثير من المشاكل خصوصا عندما تأثرت علاقتها الزوجية بها، وقد قالت في هذا الخصوص: «كنت أعمل في السنة الماضية في إحدى مؤسسات الابتدائي القريبة من مكان إقامتي، ولسوء حظي كنت دائمة الشجار مع زميل لي في العمل، لأنه كان دائما يتجاوز حدوده عند التحدث معي، وفي أحد الأيام، لم أستطع تمالك أعصابي فقمت بإخباره بعدة أمور كانت تجول بخاطري دائما، إذ أنني كنت أرغب في قولها له، وهذا لأنه لا يستحق زمالتي، كما أنني أمقته ولا أتحمله وعدة أشياء قلتها في حالة غضب، إلا أنه لم يواجهني أنا شخصيا، بل بحث عن رقم هاتف زوجي، وقام بإخباره بعدة أكاذيب وأهمها أنني كنت على علاقة معه، وهذا الأمر الذي دفع إلى حدوث عدة مشاكل ولولا ستر الله لحدث الطلاق بيننا». وفي نفس السياق أعربت «حكيمة» 26 سنة، موظفة بمؤسسة خاصة أن علاقتها مع زملائها يجب أن لا تخرج عن نطاق العمل، وهذا من أجل خلق جو من الاحترام لنفسها، حيث تقول: «شخصية بعض زملائي في العمل غريبة فعندما أتحدث معهم في موضوع معين هناك من يقوم بفهمه بمنظور أخر لا يتماشى مع شخصيتي، ولا حتى أفكاري، لهذا أتفاداهم وأبقى فقد كزميلة عمل وعلاقتنا لا تصل حد الصداقة». وفي سياق ذي صلة أكدت «نوال» 29 سنة، أن هذه التصرفات وتعدي الحدود بين الزملاء والزميلات في العمل خصوصا في المجالات التي تحتم على المرأة العمل في الليل مستندة في حكمها على تجربتها الشخصية، حيث رفض زوجها استمرارها في العمل مباشرة بعد الزواج «لم يرغب في استمراري في العمل وكلما طلبت منه سببا دائما يرجعه إلى هذه العلاقة التي تبنى بين الرجل والمرأة العاملة، ويقول أن بعض الرجال لا يحترمون النساء اللاتي تعملن معهن لهذا السبب لا أرغب في تعاملك معهم خصوصا وأنك تعملين في الليل وهذا أصعب الأمور»، وتواصل كلامها: «رغم أنني أعرف كيفية التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص، إلا أنه لم يسمح لي، فكيف يعقل، أن أدفع ثمن التصرفات السيئة لبعض الزملاء؟». كما تستغرب الكثير من العاملات إلحاح زملائهم في العمل على إقامة علاقة معهم أو التقدم لخطبتهم رغم رفضهن للعرض، خاصة الأشخاص الذين ينظرون لهم كإخوة ويتعاملون معهم على هذا الأساس وهذا ما حدث مع «جميلة»، وهي موظفة في إحدى المؤسسات الخاصة، حيث تقول «كانت تربطني بزميلي في العمل علاقة صداقة مميزة وكنا نقضي مع بعض أوقاتا رائعة أثناء العمل ونتبادل المساعدة كلما احتجنا إلى ذلك، ولم أتوقع يوما أن ينظر إلي نظرة خارج إطار الصداقة والزمالة، إلا أنه فعل ذلك، فقد صارحني في أحد الأيام بحقيقة مشاعره تجاهي وبأنه يرغب في التقدم لخطبتي، صدمت للأمر ورفضت الموضوع جملة وتفصيلا، إلا أنه بقي يلح علي ويكرر طلبه كلما انفرد بي لتصبح تصرفاته مضايقات، خاصة وأن زملاءنا في العمل أصبحوا يتحدثون عن طبيعة علاقتنا، وهذا ما دفعني إلى ترك عملي»، وتضيف أنه على الفرد أن يكون واضحا في تعاملاته، وأن لا يتبع طرقا ملتوية للوصول إلى مبتغاه، وهنا قد تحدث أمور لا تحمد عقباها. ...وللجنس الآخر رأي في هذه العلاقة بما أن الرجل هو الطرف الآخر من هذه الحلقة، ارتأينا التحدث مع بعضهم لمعرفة المزيد فيما يخص هذه العلاقة، وقد تمحورت فكرتهم تقريبا في اتجاه واحد، وإرجاع اللوم على المرأة العاملة، لأنها هي التي عليها أن تتحكم في مسار هذه العلاقة. وعلى حد تعبير «كريم» 27 سنة، موظف بالسلك الطبي فإن باستطاعة المرأة العاملة إخبار الطرف الآخر بحدود تعامله معها وسوف يتفهم الوضع ولا يرتكب أي حماقات تجاهها، كما أنه قال: «لقد كان يعمل معنا زميل وكانت انطباعاته تختلف عن الكثير منا، لأنه متفتح نوعا ما بحكم بقائه لمدة طويلة في الخارج من أجل إتمام دراسته هناك، فكان يتصرف مع العاملات و أنهن قريباته أو أخواته فهو يحب «التسلام» ومعانقتهن وكذا مصافحتهن، إلا أن الكثيرات يرفضن هذا، وأخبرنه في بداية الأمر بأن هذا التصرف لا يصح فعله مع الجميع، لكنه اقتنع في الأخير ورأى أن الزمالة لها حدود في التعامل، لذلك تخلى عن أفكاره، ولهذا أظن أن المرأة تستطيع أن تفرض مبادئها في التعامل على زملائها في العمل». أما «نعيم» 40 سنة، موظف بمؤسسة حكومية، فهو يعتقد أن على الرجل احترام المرأة العاملة معه، حين أشار إلى أن على الرجل أن يفتخر بوجود المرأة معه وهي تسانده وتمضي معه إلى الأمام من خلال انضمامها لعدة أعمال كانت في الماضي حكرا على الرجل، كما أنها تشعره بروح المنافسة في العمل، أما فيما يخص تعامله معهن فيقول: «أنا شخصيا أتعامل مع زميلاتي في العمل على أساس الاحترام المتبادل بيننا، كما أنني أتواصل معهن في إطار العمل لا غير، وأنا أتشرف بزمالتهن لي في مهنة يراها بعض الرجال صعبة». إن المعاملة السيئة التي تفتقر للاحترام التي تبدر عن بعض الزملاء في العمل تجاه زميلاتهن تدفع بالمرأة في بعض الأحيان إلى تغيير منصبها أو مكتبها وفي أحيان أخرى إلى ترك عملها نهائيا، والبحث عن وظيفة أخرى تفاديا للمشاكل التي قد تنجر عن نظرة بعض الزملاء لها، متجاهلين مبادئها في الحياة.