تراجع الاحتفاظ بجلد الكبش أو"الهيدورة" كما تعرف لدى الجميع وبأغلب مناطق الوطن في السنوات الأخيرة، وصارت الكثير من النسوة تفضل الاستفادة من صوفها بدل إبقائها على حالها واستعمالها في الجلوس والنوم، ذلك ما لم يُسجَّل على سلفنا الصالح حيث كانت جداتنا تحتفظ بجلد الكبش فمن جهة تعتبره ذكرى من العيد، ومن جهة أخرى كن يستعملنه في الجلوس والنوم لاسيما في موسم البرد بحيث تبسط على السرير أو "المطرح" خاصة عند النوم ويلتف النائم حول صوفها فلا يحس بأي برودة خاصة في ذروة موسم البرد خلال شهري جانفي وفيفري. إلا أن نساء اليوم يتجاهلن كل تلك المزايا الايجابية التي كانت تنفرد بها "الهيدورة"، حيث أصبحن يتذرعن بأمراض الحساسية والربو، واتهمنها بكل التهم من اجل التخلص منها وإهمالها، ولم تعد تتمسك بها إلا القليلات للزينة في الصالونات أو بالأحرى "صالونات عرب" التي يطبعها كل ما هو جزائري أصيل سواءً من حيث الستائر أو من حيث ديكور الصالون الذي يزدان بكل ما هو تراثي محض ك"الحنبل" الذي اشتهر نسيجه ببعض مناطق الوطن كبوسعادة والجلفة والاغواط والمدية... وهو يحل محل الزربية في الصالون وتعلوه بعض جلود الكباش أو "الهيدورات" التي تتميز ببياضها الناصع وصوفها الناعمة. وفي الوقت الذي قررت فيه بعض النسوة التخلص من "الهيدورة" والاستفادة من صوفها فقط في ملأ الوسادات، أبت أخريات إلا الاحتفاظ بما هو تراثي وتمسكن ب"الهيدورة" كموروث تقليدي تأسيا بالأجداد. وفي هذا الصدد تقول الحاجة وردية أن "الهيدورة" فقدت قيمتها عند نساء اليوم وأصبحت معظمهن يتخلصن منها ويتحججن في ذلك بتسبيبها لأمراض الحساسية، إلا أن الدافع الحقيقي لبعضهن هو التخلص من عناء غسلها حتى باتت العديدات منهن يرمين بها في المفارغ العمومية، وما هو جاري في هذه الأيام أكبر دليل على التسيب والإهمال الذي تتميز به فتيات اليوم، واللواتي لم يعدن يبحثن إلا عن الحلول السهلة التي لا تكلفهن أي عناء، دليل ذلك إلقاؤهن بجلد الكبش بمفارغ النفايات مباشرة بعد العيد المبارك، ليبتعدن عن أي تكليف أو جهد يتطلبه غسل ذلك الجلد الذي كان يحظى بأهمية عظمى لدى نساء الأمس بحيث يستمتعن بالتجمع على حواف مجرى الوادي لغسله وتبادل أطراف الحديث الذي يترأسه غالبا تبادل الأفكار حول كيفية الحصول على "هيدورة" نظيفة وجذابة، كما تتفاوت النسوة على الغسل الجيد للجلد كون أن ذلك يبرز خفتهن وجدارتهن في القيام بأشغال البيت وكانت أجواء ممتعة تصنعها النسوة مع القريبات والجيران على خلاف اليوم الذي نجد فيه ذلك الجلد كثروة وهي مبعثرة هنا وهناك ناهيك عن الرائحة النتنة التي تتصاعد منها. وحقيقة صارت العديد من النسوة يتخلصن من جلد الكبش أو الهيدورة إما عن طريق رميها ليسترحن منها ومن رائحتها وهناك من ينزعن صوفها ليرمى الجلد، حجتهن في ذلك أنها جالبة لأمراض الحساسية والعطس واستبدلنها بمفروشات أخرى فضلنها عليها، إلا أن الكثير من تلك المنتَجات المستوردة كانت السبب في اكتساب أمراض الحكة والالتهابات الجلدية، فيما لم يسجِّل أي اثر جلدي من استعمال جلد الكبش منذ أمد بعيد في مجتمعنا الذي استبدلت فيه الكثير من المفاهيم والقيم لأعذار وحجج واهية أثرت على أعرافنا وعاداتنا العريقة.